fbpx

وزاد الطوفان في المحاور محوراً

0 495

جاء طوفان الأقصى ليزيد في المحاور محوراً وهو محور’’الّلولَجيّة‘‘ من حملَةُ مفاتيح عمل الشيطان ’’لو وأخواتها ومشتقّاتها‘‘ تضجّ بهم وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي وهم طوائف من الأعراب والعجم ومن أبناء جِلدتنا تُعلِن براءتها من كل شيء وتُظهر حرصها وأسفها على الدماء والتضحيات واعلان براءتها من العداوة والنفاق والتمحور.

 تتعامل مع آثار الجريمة ولا يعنيهم البحث بأصل الحق وبمن هو المجرم وبمن هو الضحيّة، يُفتوننا بحرمة الخروج على الحاكم وبأن ثورات الربيع العربي ’’حرام‘‘ ويُبرِّرون جرائم الحكّام بحق الشعوب العربية، ولو فُسِح المجال لهم أكثر لأفتَوا بوجوب طاعة ’’المجرم نتنياهو‘‘ وحرمة خروج الفلسطينيين تأسيساً على الشرعيّة التي منحها حكّامهم من العرب للكيان من خلال اتفاقيّات الاستسلام أو اتفاقيّات فض الاشتباك أو الاتفاقيّات التجاريّة والأمنية أو ما يسمّى عمليات التطبيع، أو حرمة الخروج على الولي السفيه القابع في طهران الذي أحكم سيطرته على أربع عواصم عربيّة أو على ولاته ووكلائه في هذه العواصم، ولم يكتفِ هؤلاء بهذا بل تراهم يبيحون جرائم الاحتلال الإيراني في العراق وسوريّة واليمن ولبنان، وجرائم نظام أسد الطائفي، فكان لابُدّ لنا أن نردّ على هؤلاء في محاولة لكفّ شرّهم وتفنيد مغالطاتهم.

إن من أبواب الجهاد في السلام جهاد النفس وهو جهاد مستمرّ متواصل لا ينقطع ومن مجاهدة النفس عدم توطينها على الرذائل والنقائص وخوارم المروءة، والظلم، واستمراء الذلّ والعبوديّة لغير الله، وعليه فإن إغلاق أبواب هذه الرذائل والنقائص واجبٌ من واجبات جهاد النفس ومن مقتضيات أداء هذا الواجب القضاء على كل مصدر يأتي بها سلطاناً كان أو حاكماً أو أميراً. وبالتالي فإنّ الثورة على الإمام المسلم الظالم المستبِّد فرض عين على كل مسلم، ومن باب أولى الخروج على الحاكم الذي لا يُخفي كفره أو زندقته بل يجاهر بها.

والحاكم أو الأمير أو السلطان لا يعني بالضرورة أنّه من ولاة الأمر المقصودين في الآية الكريمة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ‘‘. فلو عدنا إلى تفسير الطبري وتبيّنا أسباب نزولها وتأويلها لتبيّن لنا ذلك:

فعن أسباب نزول الآية: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”، نـزلت في رجل بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على سرية.

وعن السدي في قول الله تعالى: “أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم” قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريَّة عليها خالد بن الوليد، وفيها عمار بن ياسر، فساروا قِبَل القوم الذين يريدون، فلما بلغوا قريباً منهم عرَّسوا، وأتاهم ذو العُيَيْنَتين فأخبرهم، فأصبحوا قد هربوا، غير رجل أمر أهله فجمعوا متاعهم، ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل حتى أتى عسكر خالد، فسأل عن عمار بن ياسر، فأتاه فقال: يا أبا اليقظان، إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإنّ قومي لما سمعوا بكم هربوا، وإني بقيت، فهل إسلامي نافعي غداً، وإلا هربت؟ قال عمار: بل هو ينفعك، فأقم. فأقام، فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحداً غير الرجل، فأخذه وأخذ ماله.

فبلغ عماراً الخبر، فأتى خالداً، فقال: خلِّ عن الرجل، فإنه قد أسلم، وهو في أمان مني.

فقال خالد: وفيم أنت تجير؟ فاستبَّا وارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فأجاز أمان عمار، ونهاه أن يجير الثانية على أمير. فاستبَّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال خالد: يا رسول الله، أتترك هذا العبد الأجدع يسبني؟.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خالد: لا تسبَّ عماراً فإنه من سب عماراً سبه الله ومن أبغض عماراً أبغضه الله، ومن لعن عماراً لعنه الله. فغضب عمار فقام، فتبعه خالد حتى أخذ بثوبه فاعتذر إليه، فرضي عنه فأنـزل الله تعالى قوله: ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”.

أمّا عن تأويل الآية فقد اختلف أهل التأويل فيها على عدّة أقوال:

فمنهم من: هم أصحاب السرايا ’’قادة الجيوش‘‘ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

ومنهم من قال: هم الأمراء والسلاطين.

ومنهم من قال: هم أهل العلم والفقه.

ومنهم من قال: هم أصحاب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

ومنهم من قال: هم أبو بكر وعمر رحمهما الله.

بالتالي فإنّ قول الذين حصروا الطاعة ووجوبها بالحكّام والسلاطين والامراء يتعارض مع نصّ ودلالة الحديث النبويّ الشريف ’’لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق‘‘ الذي أورد قصّته الامام الحَسَنُ البَصْريُّ: “أنَّ زياداً” وهو ابنُ أبي سُفيانَ، وكان والِياً مُطلَقَ اليَدِ في العِراقِ من قِبَلِ مُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ رضِيَ اللهُ عنه “استَعْمَلَ الحَكَمَ بنَ عَمْرٍو”، وفي روايةِ الطَّبَرانيِّ: “على جَيشٍ”، قال الحَسَنُ: “فلَقِيَهُ عِمْرانُ بنُ حُصَينٍ، فقال: أمَا تَذكُرُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا بلَغَهُ الَّذي قالَ له أميرُهُ: قَعْ في النَّارِ” فاقْفِزْ فيها طاعةً لأمْري “فقامَ لِيَقَعَ فيها، فأدرَكَهُ” قَبلَ أنْ يَقفِزَ في النَّارِ “فأمسَكَهُ” ومنَعَهُ من القَفزِ فيها لأنَّه إنَّما كان يُمازِحُهُم كما جاءَ في أصْلِ الرِّوايةِ، “فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لو وقَعَ فيها لدخَلَ النَّارَ”، والمَقْصودُ أنَّه لو دخَلَ هذه النَّارَ الَّتي أوْقَدوها في الدُّنيا لدخَلَ نارَ الآخِرةِ لأنَّهم ارتَكَبُوا ما نُهوا عنه من قَتلِ أنْفُسِهِم.

ويتعارض مع سنّة الخليفة الراشدي الأول سيدنا أبي بكر الصديق وهو أول إمام وأول أمير للمؤمنين وأول خليفة وأول حاكم في الإسلام الذي شرع لنا الخروج على الحاكم بغير أمر الله أو الذي لا يطيع الله في رعيّته في خطبته لما بويع أبو بكر بالخلافة بعد بيعة السقيفة التي تكلم فيها أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم”.

ويتعارض أيضاً مع سنّة سيدنا عمر بن الخطاب الذي سار على نهج أبي بكر رضيّ الله عنهما لمّا خطب خطبة توليه الخلافة وقف في الناس قائلاً: بلغني أن الناس خافوا شدتي وهابوا غلظتي، وقالوا: لقد اشتد عمر ورسول الله بين أظهرنا، واشتد علينا وأبو بكر والينا دونه، فكيف وقد صارت الأمور إليه؟!.

ألا فاعلموا أيها الناس! أن هذه الشدة قد أضعفت ’’تضاعفت‘‘ ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين، أما أهل السلامة والدين والقصد فأنا ألين إليهم من بعضهم لبعض، ولست أدع أحداً يظلم أحداً أو يعتدي عليه، حتى أضع خده على الأرض وأضع قدمي على خده الآخر؛ حتى يذعن للحق، وإني بعد شدتي تلك لأضع خدي أنا على الأرض لأهل الكفاف وأهل العفاف.

أيها الناس: إن لكم عليَّ خصالاً أذكرها لكم، فخذوني بها، لكم عليَّ ألّا أجتبي شيئاً من خراجكم وما أفاء الله عليكم إلا من وجهه.

ولكم عليَّ إن وقع في يدي ألّا يخرج إلا بحقه، ولكم عليَّ أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله تعالى، ولكم عليَّ ألا ألقيكم في التهلكة، ولكم عليَّ أن أسد ثغوركم إن شاء الله تعالى، ولكم عليَّ إن غبتم في البعوث ’’المعارك‘‘ فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم، فاتقوا الله وأعينوني على أنفسكم بكفها عني، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحضار النصيحة فيما ولّاني الله من أموركم.

أعطونا حاكماً عربيّاً واحداً جاء بقيراط مما عليه شرعاً وديناً حتى ندين له ونطيعه إلّا من خصّه الله برحمة منه وهم قِلّة؟!

أو ليس هؤلاء هم وبلا استثناء من فرّط بالدين لمّا أوقفوا العمل بأحكام الشريعة واستبدلوها بالقوانين الوضعيّة واعلَوا مقامها على مقام احكام الشريعة في دساتيرهم الشكليّة التي فرّغوها بقوانين الطوارئ والقوانين الاستثنائيّة، أو ليس هؤلاء هم من فرّط بفلسطين والأراضي العربيّة والاسلاميّة، أو ليس هم من والى اليهود والنصارى وأعانوهم على أبناء الأمة وأورثونا الذلّ والمهانة في أفغانستان والعراق واليوم في سورية واليمن وفلسطين وليبيا والسودان وغداً لا ندري على من سيأتي الدور، أوَليس هؤلاء هم الذين أفسدوا العباد وأورثوها خراب الاخلاق وانهيار القيم، حين حطّوا من شأن أخيار الأمّة وأعلَوا من شأن أشرارها وفسّاقها وأراذلها، أوَليس هؤلاء هم من بدّد ثروات ومقدّرات الأمّة وسلّموها مجّاناً لأعدائها، أوَليس هؤلاء هم من قتّل آبائنا وإخواننا وأبنائنا ودمّروا بنياننا في حروب عبثيّة لا هدف منها إلا إحكام سيطرتهم على البلاد ورِقاب العباد تنفيذا لمخططات العدّو في تفكيك البلاد وتقسيمها واستنزاف طاقاتها، أوَليس هؤلاء هم يتحالف مع الصفويين والصهاينة والصليبيين وعملائهم منذ سقوط آخر حكم إسلامي، أوَليس هؤلاء الذين نسمع ما يخرج من أفواههم من كفرٍ بواحٍ في مظاهرة العدو الصهيوني المحتل الغازي على اشقائنا في فلسطين، وموالاتهم للعدوّين الغازيّين الروسي والإيراني في سورية وقلبهم الحقّ باطلاً والباطل حقّاً، أو ليس هؤلاء هم من حاصر أهل السنّة في العراق واليمن وسوريّة لمدة ’’12‘‘ سنة وفلسطين وخاصّة في غزّة على مدى ’’17‘‘سنة،ألَمْ تتشابه قلوبهم وتتشابه أقوالهم وتتشابه ذرائعهم وتتطابق أفعالهم وتتطابق أهدافهم فبِمَ اختلفوا عن كفّار قريش ومنافقي المدينة؟!.

قال الله تعالى في كتابه العزيز: “لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً”.

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أيّما مسلم ضاف قوما، فأصبح الضيف محروما، فإن حقا على كل مسلم نصره حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله”.

فإذا كان حرمان ضيفٍ من قِرى ليلته ظُلمٌ يستدعي نصرته من كل مسلمٍ حتى يأخذ حقّه، فكيف بملايين المظلومين المحرومين من حقّهم بالعيش الكريم وحقّهم بالحريّة وحقّهم بالدفاع عن أوطانهم، وحقّهم بالتملّك والتمتّع والتصرّف بأموالهم وحقّهم بصيانة وحفظ دينهم وحماية أعراضهم ألا يحقّ لهم الثورة والخروج على الطغاة والخونة المستبدّين الظالمين؟!

وأخيراً: في معارك الحق لا مكان للمحاور والاصطفافات فقضيّة الاصطفاف محسومة بالولاء والبراء ولا مكان للنفاق والرياء في معركة الحقّ فإمّا ولاء وبراء صريحين وإمّا لا شيء دونهما، لأنّ وكل ما عداهما فهو عبءٌ عليه يُثقِل كاهِله، ويُخفّف عن الباطل وطأته.

الثورة السوريّة حقّ مثلما القضيّة الفلسطينيّة حق لا مكان فيها لا لحملة مفاتيح عمل الشيطان محور’’لو وأخواتها ومشتقّاتها‘‘ ولا المتخاذلين ولا الجبناء، لأنّها ثورة على أهل الباطل حقّ، والثورة على كل ظالمٍ ومستبدٍّ حقّ، ورفع الظلم والقهر والنهب والسلب وانتهاك الحرمات واستباحة الأعراض والأموال والخيانة والغدر فرض عين على كلّ مسلم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني