fbpx

هل يُصلح قيصر ترامب ما أفسده خطّ أوباما الأحمر؟

0 531

دخل قانون قيصر/سيزر حيّز التنفيذ ودخلت معه ذات التساؤلات والفرضيات التي هيمنت على الساحتين، السورية والدولية ومجرياتهما، خلال الأشهر الستة الفاصلة بين إقرار القانون في الكونغرس الأمريكي وبين تنفيذه في السابع عشر من يونيو الجاري.

وما إن أُعلن عن انطلاق المرحلة الأولى من برنامج العقوبات حتى انقسمت الآراء، كما جرت العادة، بين متفائل ومبشّر من جهة ومتخوّف ومحذّر من الجهة الأخرى.

فبالرغم من التطمينات الأمريكية المتواصلة بأن العقوبات ستستهدف النظام وداعميه ولن تنعكس آثارها على الشعب السوري؛ تبقى تجارب العقوبات الاقتصادية وآثارها السلبية على الشعوب، لا سيما العراقية منها، تنخر ذاكرة السوريين، بمعارضيهم ومؤيديهم، كلما استعادوا تفاصيل اتفاقية النفط مقابل الغذاء والدواء التي دفع ثمنها أكثر من مليون ونصف طفل عراقي قضوا نحبهم خلال سنوات الحصار دون تأثير مباشر على أركان النظام في ذلك الوقت.

دوافع العقوبات وأهدافها وآلية تنفيذها على النظامين لا شكّ تختلف فيما بينها؛ فبينما فُرضت على العراق بحجة عدم التعاون مع فريق التفتيش عن السلاح الكيماوي وأسلحة التدمير الشامل آنذاك، تأتي عقوبات قيصر اليوم بصورة أخرى، خاصة وأن نظام الأسد لم يخفِ أصلاً امتلاكه واستخدامه للسلاح الكيماوي ما إن أعلن قبول تسليم مخزونه لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية عقب الهجوم الكيماوي المشؤوم على الغوطة في أغسطس 2013 وما أعقبه من تهديد باراك أوباما صاحب الخط الأحمر الذي لم يُرسم أصلاً.

وبصرف النظر عن استخدام الأسد المتكرر للأسلحة الكيماوية خلال السنوات اللاحقة، بحسب تقارير منظمة الحظر نفسها الصادرة مؤخراً؛ لخصت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت قانون قيصر بقولها: إنه “يهدف فقط إلى منع نظام بشار الأسد من تحقيق انتصار عسكري وتوجيهه نحو العملية السياسية، وحرمانه من العائدات والدعم الذي استخدمه لارتكاب الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان، التي تمنع التوصل إلى حل سياسي وتحقيق السلام”  مؤكدة في الوقت ذاته احتواء القانون على ضمانات لمنع تأثيره على المساعدات الإنسانية المقدمة إلى الشعب السوري.

مخاوف السوريين الرئيسة لا تتعلّق في الواقع بمدى جدّية وصدق الولايات المتحدة في استهداف النظام وحلفائه من الروس والإيرانيين – أعداء أمريكا – عموماً، وإنما في الحقيقة التي بات يسلّم بها السوريون على اختلاف مشاربهم وهي أن قاموس الأسد يخلو تماماً من مفهوم “الحل السياسي”، وأنه من رابع المستحيلات أن يتخلّى عن عرشه ولو كلّفه بيع ما تبقى من البلد والتضحية ببقية السوريين عن بكرة أبيهم.

الأسد باشر بتطبيق خطته الأولى منذ ما قبل بدء تنفيذ العقوبات، عبر استغلال تردّي الوضع المعيشي وانهيار الليرة الناتج عن سياسات النهب والفساد والسرقة، ولجوئه مع أركان نظامه لسحب العملة الصعبة من السوق عبر شرائها بأضعاف سعرها بالليرة السورية وتخزينها، تحسباً لما سيأتي لاحقاً، محاولاً تصوير تلك الأوضاع على أنها انعكاسٌ حتمي لقانون قيصر على أوضاع المواطنين دون النظام.

وللالتفاف أيضاً على العقوبات، يتوجّس السوريون خيفة من استعدادات النظام لتنفيذ خطوة لاحقة يجهلون توقيت إطلاقها والمدة التي ستستغرقها. إذ يرجّح غالبية المقيمين في مناطقه أن يلجأ لتهديد حيوات المواطنين لا سيما الأطفال، بحجة فقدان الدواء والغذاء. ومؤشرات تلك الجريمة برزت بالتزامن أيضاً مع تطبيق خطته الأولى قبيل دخول القانون حيّز التنفيذ بأيام قليلة، حين أعلن عن توقّف معامل الأدوية عن الإنتاج. وسيسخّر إعلام النظام كل إمكاناته لاستجرار عطف المجتمع الدولي عبر نشر قصص معاناة الأطفال ومشاهد موتهم الممنهج والمؤكّد في حال عدم التدخّل المباشر والحيلولة دون ارتكابه الجريمة.

أما بالنسبة للجزء المتعلّق بالداعمين، فالمرجّح أن الحلفاء هذه المرة لن يتمكنوا من مدّ يد العون للنظام كما جرت العادة خلال السنوات السابقة. فالروس أعلنوا تخلّيهم الصريح عن الأسد بمجرد استبداله بسفيرهم في دمشق عبر تعيينه “مندوباً رئاسياً” ينوب عن بوتين في مناطق النظام “المُنتدَبة” عسكرياً وسياسياً من قبل روسيا. ويبدو أن الروس أوهموا الأسد بأن خطة تعيين المندوب الروسي تهدف لحماية نظامه من تبعات قانون قيصر وليس لسحب شرعيته المتبقية داخل مناطق مؤيديه، تمهيداً للانتقال السياسي، الذي تشدّد عليه الولايات المتحدة اليوم أكثر من أي وقت مضى.

أما الإيرانيون فهم في وضع يكاد يكون أسوأ من وضع نظام الأسد في ظل العقوبات الأمريكية المفروضة عليهم وتدهور أوضاعهم الاقتصادية من جهة والأمنية والعسكرية في العراق ولبنان بالإضافة إلى وضعهم الحرج في سوريا مع ميليشياتهم جراء غارات التحالف والطيران الإسرائيلي المتكرر من جهة أخرى.

والحال، فإن أشدّ ما يقلق السوريين اليوم بعد تخطّيهم قلق الدمار والموت والتهجير عبر سنوات ثورتهم، يكمن في عامل الزمن، إذ يحدد القانون في إحدى فقراته العمر الافتراضي للعقوبات بـ 10 سنوات قابلة للتجديد، الشيء الذي يضع صبر السوريين في حالة تحدٍ أمام مصداقية المجتمع الدولي وميقات نهاية الأسد.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني