fbpx

متى يغلق باب الثورة؟

0 502

حركت مظاهرات السوريين الأخيرة في محافظة السويداء تحديدا مشاعر الغالبية العظمى من السوريين داخل وخارج الوطن، إذ تمازجت مشاعر الحماس والتفاؤل والأمل مع مشاعر الخوف والقلق على حرية وسلامة المتظاهرين الأبطال، دون أن نغفل مشاعر الاحتقان، والغضب، وربما الغيرة لدى البعض، الذين عبروا عن امتعاضهم؛ بل وغضبهم؛ من احتفال السوريين بمظاهرات السويداء، تحت عناوين متعددة كسؤال أين كنتم في بدايات سوريا الثورية؟ أو عبر التقليل من أهمية وجذرية موقف المتظاهرين بحجة أنهم يتظاهرون على خلفية تردي الظروف الاقتصادية؛ كاستخدام تعبير ثورة الجياع؛ وغير ذلك من العبارات أو العناوين الناقمة والغيورة من فرحتنا بأصوات وحناجر الأبطال في محافظة السويداء، الذين أكدوا على استمرار نبض الثورة السورية رغم كل القتل والذبح والقوى المحتلة والعصابات الطائفية الإجرامية الشيعية والسنية التي تحيط بهم.

لذا لابد من توضيح موقف ثوري وطني واضح من أي ممارسة إقصائية واهية، وتوضيح الموقف من الاحتجاجات السورية المتوقعة في المرحلة المقبلة، وتحديد الإطار الوطني والقانوني الذي نستند له في دعوتنا لاستثناء أفراد أو مجموعات محددة من الإطار الثوري، على اعتبار الثورة السورية مسارا وطنيا طويلا ينتهي بتحقيق الأهداف الثورية الرئيسية المتمثلة  ببناء دولة العدالة والحرية والمساواة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وعليه فإن الثورة فعل تراكمي يومي مفتوح أمام جميع أبناء الوطن منذ صرخة السوريين الأولى المطالبة بالحرية والعدالة، وحتى تحقيق الأهداف الكاملة. لذا نعتبر أن أية محاولة للتقليل من أهمية ومحورية المشاركة الثورية تعد بمثابة جريمة ثورية ووطنية، تؤسس لقاعدة إقصائية ذات أبعاد طائفية أو كيدية يجب نبذها. فالثورة فعل وطني بحت، مجردة من أي هوية فردية طائفية أو إثنية أو عرقية أو قومية مهما كانت، وبالتالي فهي لم ولن تكون حكرا على أي من مكونات المجتمع السوري، تماما كما كان إجرام النظام وعصاباته التشبيحية والطائفية فعلا غير وطني، يضم أفراد ذوي هويات فردية متنوعة طائفيا وإثنيا وعرقيا وقوميا، وإن كانت تحت سيطرة مكون محدد كما هو معروف.

وعليه وعلى الرغم من أهمية التذكير بجهود ومساهمات المكونات السورية المختلفة، ومنها أبناء محافظة السويداء في الحركة الثورية السورية منذ البدايات، داخل وخارج محافظة السويداء، إلا أن الاكتفاء بذلك يتحول إلى انجرار غير مقصود خلف المنطق الطائفي البغيض الذي تستخدمه بعض مكونات المعارضة السياسية وأحيانا الاجتماعية، والذي يرمي إلى إقصاء مكون من مكونات سورية( أهالي محافظة السويداء). لذا اعتقد أننا مطالبون بنبذ الأسس التي يقوم عليها هذا الادعاء، من خلال نبذ تعريف أو تصنيف المواطنين السوريين وفق أماكن ولادتهم أو انتماءاتهم المذهبية والقومية والدينية، فالثورة فعل سوري بحت يحق لجميع أبنائه المشاركة فيه متى شاؤوا أو متى استطاعوا، كما يحق لهم المشاركة فيه في المكان الذي يرونه مناسبا، سواء أكان مكان إقامتهم الحالي أم السابق أم غيره. لذا وفي حال صعوبة المشاركة بنشاط ثوري وطني داخل إحدى المحافظات أو المدن الرئيسية كالسويداء أو دمشق أو حتى حلب المدينة، فمن حق سكان المدن المستعصية أمنيا تنظيم حراك ثوري داخلها أو المشاركة في أي مدينة أو بلدة أخرى، وهو ما يفرض علينا نبذ أي تعريف طائفي أو ديني أو حتى قومي لمكونات المدن والبلدات السورية، والاكتفاء بوصفها بلدات ومدن سورية يتظاهر فيها متظاهرون سوريون دون الإشارة إلى هوياتهم الفردية.

فالمدن الثائرة بعزيمة المحتجين والمتظاهرين تعبر عن مجمل السوريين الوطنيين بغض النظر عن هوياتهم دون الوطنية، ومن واجبنا الوطني دعم هذه الحركات الاحتجاجية والثورية أينما كانت وبأي مرحلة كانت إن كانت محققة للشروط الوطنية الرئيسية، والتي يمكن إيجازها في نقطتين وحيدتين مركزيتين فقط، تتمثل الأولى في أن الثورة الوطنية السورية هي ثورة جامعة لجميع أبنائها بغض النظر عن العمر والهوية الفردية، وبغض النظر عن موعد التحاقهم بالثورة، باستثناء الأفراد والقوى التي مارست فعلا إقصائيا أو إجراميا عن قصد، حتى لو طال الفعل شخصا واحدا فقط، بمعنى لا يجوز أن تستثني الثورة في جسمها الوطني سوى القتلة والمأجورين المسؤولين عن إثارة النعرات الطائفية، وقتل وتعذيب المتظاهرين من جهة، أو أولئك الذين مارسوا القتل والتعذيب والاعتقال بحق أي من مكونات المجتمع السوري، وهو ما يشمل جزءا كبيرا وواسعا من طيف القوى العسكرية والسياسية السورية التابعة لمعسكر النظام، ونظيره من المعسكر الذي يدعي معارضة النظام كغطاء لقمع السوريين وأسرهم.

في حين تتمثل النقطة الثانية من شروط العمل الثوري السوري الوطني بمضمون وأهداف ومطالب الحركات الاحتجاجية، حيث يجب أن تعبر أي حركة احتجاجية( أوثورية) عن مجمل الأهداف الوطنية، كالمطالبة بطرد جميع القوى الخارجية المحتلة والمتورطة في الشأن السوري؛ دولا ومليشيات؛ دون أي استثناء؛  الكيان الصهيوني وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية وإيران وتركيا وحزب الله والمليشيات الطائفية السنية والشيعية المشاركة أيضا؛ وكذلك المطالبة ببناء دولة ديمقراطية تقوم على المساواة بين جميع أبنائها في الحقوق والواجبات، وتضمن العدالة والحرية والمساواة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مما يكفل لجميع مواطنيها فرصا متساوية في المشاركة والمساهمة، وفي ظل ظروف وأوضاع متشابهة ومتساوية أيضا، فالعدالة والمساواة الحقيقية هي التي تعمل على توفير إمكانيات ووسائل متشابهة لجميع أبنائها، كي تكفل عدالة وسلامة التنافس السياسي والاقتصادي، وهو ما يتطلب حديثا طويلا لا مجال للخوض في جميع جوانبه الآن.

في النهاية قد لا ينجح المتظاهرون اليوم في الاستمرار بفعلهم الاحتجاجي والثوري لفترة طويلة من الزمن، أو قد لا ينجحون الآن في تكرار المظاهر الثورية في غالبية المدن والبلدت السورية بحكم ظروف البلد الأمنية والعسكرية الراهنة، التي تشهد سيطرة قوى عسكرية وأمنية مباشرة في كل منها، أو نتيجة غياب الجسم السياسي الثوري الوطني السوري المنبثق من نبض الشارع السوري، والمستقل عن مجمل القوى الدولية والخارجية، وربما بتأثير الانقسام الاجتماعي الذي عمل أعداء سورية؛ بمن فيهم من يدعي صداقتها؛ على فرضه منذ اليوم الأول للثورة. لكن يجب علينا وعلى جميع وطنيي سورية اعتبار هذه التظاهرات مؤشرا فعليا لنبض الشارع السوري، يمكن البناء عليه سياسيا وتنظيميا وإعلاميا منذ الآن وحتى نجاحنا في ردم الفجوات وحل المشكلات ومواضع الخلل العديدة التي طرأت، والتي خبرناها كثيرا في السنوات التسعة الماضية.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني