هل نحن مستعدون حقاً لبناء وطن ديمقراطي أم أننا نحمل إرث الماضي إلى مستقبل لا يستحقه؟
بعد سقوط نظام استبدادي مثل نظام الأسد، تنفتح الأبواب أمام الشعب السوري لممارسة حرياته السياسية والاجتماعية، مما يؤدي بطبيعة الحال إلى ظهور أحزاب وتيارات وحركات سياسية تحمل رؤى متعددة وأهدافاً متنوعة. لكن، هل هذه الظاهرة صحية وسليمة؟ وهل يمكن اعتبارها مؤشراً على الانتقال الديمقراطي؟
الإجابة ليست ببساطة نعم أو لا، تحتاج هذه الظاهرة إلى تحليل متوازن، يستند إلى التجارب التاريخية للدول التي أطاحت بأنظمة دكتاتورية واستطاعت النهوض من تحت أنقاضها.
تجارب الدول الأخرى: دروس من التاريخ
في تاريخ البشرية، شهدت دول مثل ألمانيا بعد النازية، وجنوب إفريقيا بعد الفصل العنصري، وتشيلي بعد بينوشيه، موجات من إعادة التشكيل السياسي والمجتمعي.
إحدى السمات المشتركة لهذه التجارب الناجحة هي أن بناء المؤسسات كان أولويتها القصوى. لم يكن الهدف مجرد التخلص من النظام القديم، بل ضمان عدم عودته عن طريق تأسيس نظام سياسي مبني على الشفافية، سيادة القانون، والعدالة الاجتماعية.
على سبيل المثال، في ألمانيا، لم تقتصر العملية على محاكمة النازيين، بل شملت إعادة هيكلة النظام التعليمي والقانوني والإعلامي لضمان ترسيخ قيم الديمقراطية.
أما في جنوب إفريقيا، فقد كانت لجنة الحقيقة والمصالحة” إحدى أدوات بناء الثقة بين مكونات المجتمع بعد عقود من الانقسام. هاتان التجربتان تظهران أن النجاح يكمن في التركيز على بناء الثقة بين الشعب ومؤسساته، مع الاعتراف بالماضي ومواجهته بشجاعة.
إيجابيات تشكيل الأحزاب والتيارات السياسية
1- تنوع الأفكار: وجود أحزاب وتيارات يعزز النقاش العام ويتيح فرصة لتمثيل مختلف الأطياف الاجتماعية والسياسية.
2- تدريب الشعب على الديمقراطية: عبر الانتخابات والمنافسة السياسية، يتعلم الشعب كيفية ممارسة الديمقراطية والمشاركة في صنع القرار.
3- مكافحة احتكار السلطة: يضمن وجود أحزاب متعددة تقاسم السلطة والحد من أي استبداد محتمل.
4- إثراء النقاش الوطني: الأحزاب تقدم رؤى وبرامج متنوعة، مما يثري الحوار حول مستقبل البلاد.
سلبيات تشكيل الأحزاب دون توجيه أو ضوابط واضحة
1- التشظي السياسي: قد يؤدي تعدد الأحزاب إلى انقسامات داخل المجتمع بدلاً من توحيده، خاصة إذا لم تُبنَ الأحزاب على أسس فكرية واضحة.
2- استغلال النفوذ الخارجي: قد تكون بعض الأحزاب عرضة للتأثيرات الخارجية التي قد تسعى لتحقيق مصالحها على حساب مصلحة الوطن.
3- ضعف البرامج السياسية: كثير من الأحزاب الجديدة تركّز على الشعارات دون تقديم برامج حقيقية تعالج القضايا الأساسية.
4- تفاقم دعوات التخوين: عند غياب الثقة، تصبح كل مبادرة عرضة للتشكيك، مما يعرقل بناء بيئة سياسية صحية.
لماذا تنتشر دعوات التخوين؟
يرتبط التخوين بثقافة الاستبداد التي ورثها الشعب من الأنظمة الدكتاتورية. هذه الثقافة تعزز الريبة وعدم الثقة في أي محاولة للتغيير أو التنظيم.
النظام السابق كان يعتمد على تفتيت المجتمع وجعل الجميع يشكك في نوايا الآخر. وبالتالي، فإن تأسيس الأحزاب يُنظر إليه أحياناً كجزء من مؤامرة أو تهديد للوطن.
كيف يمكن ترشيد الحوار وبناء الثقة
1. الشفافية في العمل السياسي: يجب أن تكون أهداف وبرامج الأحزاب واضحة ومعلنة للجميع، مع التأكيد على استقلالها عن أي أجندات خارجية.
2. إشراك المجتمع المدني: من خلال جلسات الحوار المفتوحة والندوات، يمكن كسب ثقة الشعب وتعزيز ثقافة المشاركة.
3. تعزيز التعليم السياسي: نشر الوعي حول أهمية التعددية والديمقراطية يساعد على الحد من التخوين.
4. التركيز على القضايا الوطنية: يجب أن تتفق جميع الأحزاب والتيارات على ثوابت وطنية مشتركة مثل وحدة التراب السوري وسيادة القانون.
ما هي النصائح للمؤسسين
1. دعونا نبدأ بفكرة وليس بشخص: الحزب الذي يقوم على قائد دون فكرة محورية يكون عرضة للانهيار.
2. لنضع رؤية واضحة: يجب أن يكون لكل حزب برنامج يعالج مشكلات البلاد بشكل علمي وعملي.
3. لنتعلم من التجارب السابقة: استفيدوا من أخطاء الماضي ومن تجارب الدول الأخرى.
4. دعونا نركز على الشباب: الشباب هم عماد المستقبل، ومشاركتهم في العمل السياسي ضرورة لبناء سوريا الجديدة.
هل سنترك إرث التخوين والريبة يتحكم في مستقبلنا أم سنتعلم كيف نبني وطناً يقوم على الحوار، الثقة، والعمل المشترك؟