fbpx

قلق السؤال

0 254

مذّ صارت لي أجنحة

ونسيتُ المشي على المألوف الطرقات

وأنا أجوب فضاءات وفضاءات

أتنقل بين شكوكٍ وشكوك

براقي عقل وجناحاه كلام

أحط على ذا السؤال وذاك السؤال

وأنثر أسئلتي أنىّ اتجهت

فينبت في السهل زهر يزهر أشواكاً،

وأشواكاً تزهر أشواكا

وأشواكاً تدمي أهل الأقلام

أي سر وراء الكون المترامي؟

كون، مثل عواطف أنثى شرقية

يقتلها الكبت

كون من بشر لا يعرف لغة البوح

ولا يعرف فرح البوح

ووجوه تنطق بالسرِ

كون سور من أبواب

والأبواب كل الأبواب مقفلة،

مفاتيح ملقاة في أقبية الزمن،

تنتشر على أرصفة التيه

تسكن أبراج الحكماء،

تنام في كتب العظماء،

مفاتيح أثقلها صدأ

يتراكم، يكبر

حتى صارت أكبر من سكر الأبواب

كم أنهكني قرع الباب!

أنهكني قرع يديِ

وصراخ يجرح حنجرتي!

ماذا وراء الأبواب؟

ماذا وراء الأبواب؟

خلّفت الصدأ ورائي

وخرجت من العتمة

أحمل بين يدي سؤالي

وفتحت باباً من أبواب

لكنِ حين دخلت

دُهشتُ

رأيت وراء الباب باباً

ووراء الباب باباً

ووراء الباب مقفلة أبواب

دخلت الكهف

رغم العتم، رأيتُ

بقايا ريش من وطواط

بيوت عناكب مهجورة

هياكل بشر كانوا بشراً،

ترسم صوراً لوجود كان

مثلي كان يسأل يوماً

عن سر الأكوان

هياكل إنسان حين رأتني

سخرت مني

قهقهة الأشلاء تعالت،

وتنادت كي تصنع لي مرآة،

أشلاء صارت لي مرآة

في مرآة من أشلاء

نظرت نفسي

خائبة من نفسي

إلى نفسي

صورة عظمي رأيت

وصورة جمجمتي

لم يبق من الأشلاء إلا العظم

أين العين يا كهف

وأين الثغر

أين؟

وانتشر جواب الكهف أين

خرجت من الكهف

اسخر مني

وأغلقتُ ورائي باب الكهف

وأنا

أشلاء ترثي أشلاء

سؤال صدأ لا يفتح باب سماء

والأكوان كل الأكوان

أصغر من كهف الأشلاء

قبر صبي أوسع من أي سماء

السر في المعنى

لا في حجم الأشياء

لا سرَ في الأزلي،

لا سرَ في الأبدي،

السر في الأحياء

وفي عدم الأحياء

سماء النجم لا تغريني بسؤال

لا، ولا النجم

بل بسمة ثغرٍ

واراها تراب الأرض

دون سؤال

سماء النجم لا تغريني بسؤال

لا، ولا النجم

بل عين شربت

من كل الأكوان

عين فيها صور الأكوان

جمال الأكوان

وقبح الأكوان

عين إن ضج حنين القلب إلى القلب

إن فاض القلب بحزنٍ

توهج فيها الدمع كلاماً

عين يقتلها سهرٌ

عين تفضح ما يخفي الصدر

عين خادعة، عين صادقة

عين تروي قصة حب

قصة حقد

قصة حزن

أو قصة قهر

عين تعشق سحر اللون

عين أعماها البطرُ

فلم تنظر يوماً للنور

ترى لماذا أتتنا هذي العين؟

ومن أين؟

لماذا لم تأت للشجر؟

ماذا لو كان للشجر عيون؟

بلون الزهرِ

بلون الثمر

بلون الورق ولون الأرض

ماذا لو كان للشجر عيون؟

فيراني وأنا أقطع أعناق الأغصان

وسيقان الحور

كي أصنع منها أعمدة للإعدام

أو تابوتاً لامرأة ماتت عشقاً

وكيف يراني؟

ماذا لو كان للحجر عيون ولصخر الصوان؟

فيراني وأنا انهال عليها بمطرقة..

وأقسو عليه بازميل

كي ابني برجاً يُسكنه حرّاس السلطان

أو سجناً يأكل أجساد المجُان

فيراني وأنا أصنع منه لطاغية

صنماً أو تمثالاً أو نصباً

أو صومعة للرهبان

وكيف يراني؟

ماذا لو

ماذا لو

ماذا لو أن للأرض عيون؟

فتراني وأنا أزرعها دماء ً

وجروحاً ودمامل قبح

أو أنهاراً من قطران

وكيف تراني؟

ماذا لو

 ماذا لو؟

أصل الكون وفصل الكون

لا يغريني بسؤال

لا سرَ في الأزلي،

لا سرَ في الأبدي،

السر ِفي عقل الإنسان،

يفترس لحمَ الخلقِ

ويصنع للموت رماحاً

ناراً، مسامير الصلبان

نهم للزاد المختبئ خلف الأشياء

أصغر من حصالة طفلٍ

وفيه خزائن أوسع من كل

خزائن هذي الأرض

السر في عقلٍ يخلُّد في اللوحات،​

في الكلمات

وفي أشعار المجان

عقل تتعارك فيه كل الأضداد

يحلم طفلاً

يحقد مثل الطوفان

يصدق إن شاء

وإن شاء يشيد صروحاً من بهتان

يفضح سر الآه

وبوح الآه

ويخفي سر الآه وراء الأنخاب

يتستر خلف الألوان

يختار إن شاء الأبيض

والقلب سواد

يا عقل، ما أنت يا عقل

يا القابع في جمجمة

تغدو في القادم من قبر

بيتاً للديدان

من أين، من أين يا عقل

أتاك هذا السلطان

من أين؟

يا وكراً يغدو أكلاً للديدان

من أين أتاك هذا السلطان

من أين؟

أصل الكون وفصل الكون

لا يغريني بسؤال

لا سرَ في الأبدي

لا سرَ في الأزلي

السر في سر الإنسان

زمن يجري

وما يجري سجن عالي الجدران

سجناء نحن ينهشنا زمن

ويسخر منا زمن، ويغرينا بالخلّد زمن

ويهددنا بعدم آتٍ نخشاه

نتوسل بالكلمات

هروباً من هذي القضبان

لا سرَ في الأزلي

لا سرَ في الأبدي

السر كل السر في الإنسان

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني