قراء في رواية “سمراويت”
- الطبعة 2- المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب
- حجي جابر – إريتريا
العنونة:
سمراويت، عنوان مخاتل، هل هو اسم متداول في إريتريا أم نحته الكاتب من كلمتين (سمرا) العربية مخففة الهمزة، ومضادها (وَيْت) الأبيض الإنجليزية؟ وهل يلمّح لشيء من تقابل عنصري بين السمرة الأفريقية وبياض الشمال (لبنان) أم يقصد غير ذلك؟ حتى أنه لم يفصل في وصفها بذكر اللون أم تراه إشارة للتمسك بأصوله الأفريقية عندما يقول عمر لسمراويت “اسمك يعجبني، أشعر أن موسيقاه عذبة، ماذا يقول من يريد أن يزيد هذا الاسم غنجاً”، فتجيبه “سمرا.. أبي يناديني سمرا، أحب هذا الاسم كثيراً، لكن انتبه هذا الاسم مرحلة متقدمة.. ها”. وكأنها تؤكد فكرة والدها بافتخاره بأصوله الأفريقية وربما الممزوجة بالعربية. وقد تعني (وِيْت) الانتظار، وهذا ربما هي إشارة لمستقبل حياة ديموقراطية منتظرة يطمح الكاتب أن تصل إريتريا إليها.
الأحداث:
الرواية سرد لأحداث تاريخ إريتريا، يلمّح فيه الكاتب إلى ما قبل ثورتها ضد الاحتلال الأثيوبي، وخلالها، ويمتد إلى ما بعدها، مشيراً إلى أن الثورة أو جبهة التحرير الإريترية انقسمت على نفسها، ولمّا وصل الجناح الأقوى المنتصر الجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة، المعروف اختصاراً باسم “الشعبية” إلى سدة السلطة بعد التحرير، صادر كل شيء حتى نضال رفاق الأمس ؛ لأنهم اختلفوا معه بالرأي، وخلال مسيرة الأحداث يصف معاناة الشعب الإريتري بين الاحتلال ومعاناة الثورة والهجرة، ثمّ تسلط الحزب الواحد على مقادير البلاد، وتجيير خيراتها لصالحه متخفيّاً خلف شعارات كبرى، لم يتحقق منها شيء، وفي الجانب الآخر يصف المهاجرين، والمهجّرين قسراً، وماذا يعانون في بلاد اغترابهم ولجوئهم، فكما الوطن طارداً كذلك أماكن اللجوء طاردة. يقول أحدهم: “نحن الإريتريين لسنا نطالب بامتيازات عن الآخرين، فنحن سنعود يوماً لوطننا، لكننا نريد منكم أن تتذكروا دوماً أنكم كنتم كراماً بيننا، وتذكروا أننا ما تركنا بلادنا إلاّ لظروف قاهرة مثلكم تماماً”، ليضيع الإنسان الإريتري موزعاً بين الوطن والمغترب خلال الثورة وبعدها، فانتشار الفساد شكّل دافعاً آخر للهجرة، كما صوّر بطله الراوي (عمر) باحثاً عن مستقر له من خلال مسيرة دراسته الأولى، ثم انضمامه للمطاوعة واكتشافه الحقيقة المرة، يقول الشيخ لطلابه: “إيش تستنوا.. الحور العين ينتظرنكم.. وإنتو نايمين على العسل” فيسأله طالب: “طيّب ليش ما تروح أنت أستاذ؟” فيقول له: “الجهاد يبغي الشباب زيكم، أنا راحت عليّا، لكني أجاهد بدعوة الطيبين أمثالكم” مبيناً أثر السلفية والردة الدينية التي سيطرت على عقول الكثيرين، وتأثير الوهابية السعودية، وفشلها رغم تشددها في ضبط حركة المجتمع التي تملّص بعضهم منها بوساطة الفساد بطرق شتّى لحضور حفلات الرقص وما فيها من مجون..
ويشير إلى العلاقة العربية الإريترية تاريخياً، فالأصول العربية فيها لقبيلة (الرشايدة) التي قدمت من الجزيرة العربية، وهي “إحدى القوميات الإريترية المعترف بها رسمياً”. وكذلك (عرب قيرو) المتحدرون من قبائل (غامد وزهران)، وإلى الأثر الإسلامي فيها من خلال الهجرة الإسلامية الأولى إلى الحبشة التي دخلت إليها عن طريق (مصوع)، يقول أحدهم: ” وهل تعلمون أن كسوة الكعبة ظلت زمناً تأتي من إريتريا”.
كما يوضّح انقسام الشعب الإريتري بين التيار الإسلامي الذي استغلته المعارضة خارجياً، وبين تبريرات السلطة الحاكمة وأتباعها في غياب الرأي الآخر، يسأل حسين أفندي: “ما هي مشكلة إريتريا الأكبر منذ الأزل، والتي تعوق تقدمها حتى بعد الاستقلال؟” يجيبه أحمد: “ربما لا توجد مشكلة وحيدة، وهناك عدد من المشاكل كالفقر، وتربّص الدول المجاورة، ورغبة أمريكا في الهيمنة على إريتريا” فيرد عليه “هذه إجابة الشعبية” ليرد أحمد “وهي إجابتي أيضاً” ليبيّن حسين أفندي “مشكلتنا الكبرى هي وجود المسيحيين في إريتريا، هذا العنصر النشاز هو سبب ما نحن فيه” يقاطعه أحمد “هذه النظرة الطائفية المقيتة هي مشكلتنا الكبرى… أنت وأمثالك ممن يلعبون على هذا الوتر سبب مشاكل إريتريا، الشعبية انتصرت وحررت إريتريا لأنها نبذت هذه الأفكار التي تغذّت عليها وتاجرت بها بقية التنظيمات، وأين هي الآن هذه التنظيمات؟ إنها تتسكع باسم المعارضة في كثير من دول العالم…” متناسياً الأسباب الحقيقية التي دفعتها للهجرة والهروب من البلاد، يقول محمود “هناك أنباء اليوم عن وفاة مجموعة من الشباب عطشاً أثناء هروبهم إلى السودان” فيعلق محجوب “الهرب من الموت إلى الموت” يرد رئيس الاتحاد مبرراً “رحمهم الله، هذه نتيجة الهروب من الوطن من أجل بضعة جنيهات” ليسكته محجوب “بل نتيجة القمع والتسلط”.
الشخصيات:
الكاتب حاول التخفّي خلف شخصيات الرواية، وتركها تنطق بلسانها، وتتحدث بحرية عن أفكارها ورؤاها، لكنها في الحقيقة تتحدث بلسانه وأفكاره، وأولها:
عمر (الراوي): ذلك الصحفي الذي جاء إلى أسمرة ليعرف الحقيقة كما هي ويتعرّف إلى وطنه، وناسه، وطبيعته، ومدنه، الباحث عن ذاته في الأماكن التي حوت يوماً أصوله علّ نفسه تستقر وتهدأ.
أحمد: ابن السلطة الشعبية المتمسك بإريتريا، المدافع عن السلطة التي لا يرى فيها غير المواقف الوطنية، وهي مثال الديموقراطية.
محمود: عضو اتحاد الشباب المثقف، الذي تعلّم في القاهرة، يدين الانحراف الحاصل في الاتحاد، يسأله عمر “إذا لم تكن مقتنعاً بالاتحاد… فلماذا تنشط فيه؟” فيرد “لست مقتنعاً بالاتحاد في وضعه الحالي، أسعى ليعود إلى النسخة الأصلية حين كان اتحاداً عاماً وليس اتحاداً وطنياً تحت مظلة الحكومة” فاضحاً تبعية التنظيمات للسلطة الحاكمة عندما عرض فكرة تحقيق صحفي عن دور القنصلية في خدمة الإريتريين، فكان الجواب فاحماً “مرفوض.. هل من مقترحات أخرى”.
سعيد: المناضل المبتور اليد في معارك التحرير والذي يعرف تاريخ الثورة، وخبر معاركها وأمكنتها، ذلك المناضل المهمّش كغيره ممن دفعوا الكثير في سبيل التحرير، ولم يلقَ شيئاً، لكنّه ما ابتعد عن الشعبية، وترك صلة مع رجالها، يقول لعمر “تمنيت لو لم ننحرف قليلاً عن أهداف ثورتنا”، “إريتريا التي قاتلنا من أجلها لم تكتمل ملامحها، وهذا ما قصدته بالانحراف عن أهداف الثورة”.
حسين أفندي: المتشبع بالفكر السلفي والعدائي لغيره من الأديان، ويرى أن مشكلة إريتريا الكبرى “هي وجود المسيحيين… هذا العنصر النشاز هو سبب ما نحن فيه”.
محمد سعيد ناود: الثوري المتقاعد الذي يمثل الجيل المثقف، الذي أنزوى مع تطور الأحداث لكن ليترك أثراً للأجيال “كانت أمنيتي الوحدة بين الإريتريين، لو توحدنا لما استمر نضالنا ثلاثين عاماً. أكثر ما حزّ في نفسي أنني كنت ألهث وأنادي بالوحدة ثم أجد من يركلني، إضافة إلى الكثير من الأشياء التي أجد مرارتها في نفسي إلى الآن”، “أجد نفسي في الكتابة، فأنا مهتم بالتاريخ الإريتري، لدينا تاريخ عظيم، ينبغي أن أكتب شيئاً للأجيال القادمة، لأن الإنسان يفتخر بتاريخه ويعدّه مصدر إلهام، وهذا مفقود في إريتريا”.
سمراويت: الشابة المسيحية المتحدرة من أب إريتري وأم لبنانية، المثقفة الجميلة، الشابة التي دفنت قلبها، وداست على رابطة المحبة عندما لم تنل موافقة والديها على الاقتران بمسلم، إشارة إلى أن التعصب لا يزال يعمل عمله في نفوس بعض المثقفين، لكنها تبرر ذلك بخوفها على صحة والدتها المريضة. وربما أنه أشار بذلك إلى رفض السلطة له.
هناك شخصيات مرت عرضاً لتؤدي فكرة بسيطة كمحجوب، وعثمان.
الأماكن:
للأمكنة حيّز في الرواية، وقد برع الكاتب في وصفها كمدينة أسمرة ومناطقها بخاصة كُمشتاتو ومصوع وباصع وصيفهما والبحر والمباني.
أخيراً:
تعد روية سمراويت رواية المغتربين أو المغرّبين، شرحت معاناتهم، وآمالهم بالعودة لوطن معافى، وقد جمّل العمل بما استشهد به من شعر جميل في بداية الفصول، وقد بدا استخدام التقريرية في السرد وربما كان تأثراً بأسلوب الصحفي، وغياب اللحمة بين الفصول عبر الانتقال من فصل لآخر.
أرى أن الرواية تمثل ملحمة الشعب الإيرتيري خلال المرحلة التي تناولتها، فقد صوّرت معاناته أيام الاحتلال، والثورة ضده، وما بعد الاستقلال، وتسلط الشعبية الحزب الواحد على البلاد مشكّلة نظاماً شمولياً، حيث فُقدت الديموقراطية، وتحكّمت مجموعة بمقدرات البلاد، وما أسقطته على إريتريا بعد الاستقلال يمكن إسقاطه على غيرها من الدول ذات الأنظمة المشابه.