fbpx

قراءة في رواية “لغة السر”

0 183
  • تأليف: نجوى بركات
  • الناشر: دار الآداب
  • ط1، ورقية، 2004

نجوى بركات كاتبة لبنانية مستقرة في باريس، والرواية تدور أحداثها في زمان ومكان ما قديم غير محدد، لكنه يدل على أنه في بلاد العرب والمسلمين، في قرية اسمها اليسر، قرية صغيرة وادعة، يوجد فيها أخوية لمجموعة دينية أقرب للتصوف، في الأخوية يوجد عدد من المريدين أو الإخوة وشيخهم الأكبر، يعتكفون على كتابة معجم يدرس أحوال الحروف العربية، وهو عمل متواصل من أجيال قبلهم وإلى أجيال قادمة، يوجد في الأخوية أيضاً لوح القضاء والقدر؛ الذي يتبرك الناس به، تحولت الأخوية مع الزمن لموقع يزوره الناس، يعالجون أمراضهم ويأخذون التمائم والتعاويذ والحجب للحماية من الضرر والشيطان، يعالجون مشاكلهم أيضاً، خلدون شاب في القرية يتقدم مع اثنين من أبناء القرية لامتحان في الأخوية ليحصل على عمل كحارس للمزار، هدفه أن يحل مشكلته الحياتية من مأكل ومشرب وقيمة اجتماعية، كحارس الأخوية ولوح القضاء والقدر، خلدون كبر في حضن والدته وحيداً عندها، عاش في الفقر والفاقة، يتبناه زيدون صاحب المكتبة في جوارهم، يهتم به ويعلمه فك الحرف ويدخله في عالم الحروف ودراستها، خلدون يتقدم للامتحان ولكنه لم ينجح رغم ثقته بأنه الأجدر، يقرر أن يسرق لوح القضاء والقدر من المزار، ليثبت للشيخ الأكبر خطأ عدم اختياره حارساً، من جهة أخرى تتقاسم الأخوية أعمالها الحياتية المباشرة، من جلب طعام وكتب وأوراق، تعمل بجد وتواصل لإنجاز معجم الأحرف كاملاً، الذي يتحدث عن حقيقة الأحرف بظاهرها وباطنها، في الأخوية الشيخ الأكبر هو الأنضج وقيّم الأخوية والمزار ومركز التحكم، فيها الأخوة القدماء كسهل وسراج وشمس الدين وابن مسرة، وفيها المستجدين مثل جابر وحيان، كل له دور وعمل، الكل يعتمد في تحركه بعيد المدى على ما يحصل لدى الشيخ الأكبر من كشف وإلهام واطّلاع، فهو يغيب لفترات متباعدة لأيام أو أكثر، ثم يعود مجدداً لهم المسار الأفضل في بحثهم اللغوي وحياتهم المشتركة، مرّ في الأخوية في سابق الأيام العلايلي كأخ فيها، اختلف مع الشيخ الأكبر حول علم الحروف واللغة؛ هل هي إلهام من الله أم تعلم من الإنسان؟ توقيف أم تعلم وإدراك؟ كان رأي الشيخ الأكبر أنها توقيف من الله، منذ آدم وعبر الأنبياء والصالحين الواصلين لله، وأن طريق إدراك أسرار الحروف واللغة ترتبط بأهل الكشف بالعلاقة مع الله، أما رأي العلايلي فكان: أن الحروف واللغة عموماً، هي نتاج إعمال العقل الإنساني في الأصوات الإنسانية وعقلنتها وإدراكها وتحويلها لمعنى، يؤدي ترابطها عبر الحروف والكلمات إلى إدراك وفهم الحقائق الوجودية، ونقل المعلومات عبر الأصوات المتشكلة كلغة، اختلفا وقرر الشيخ الأكبر أن هذا كفر وخروج عن الإيمان يستوجب المحاسبة، وما كان منه إلا أن طرد العلايلي من المزار، خلع عنه جبة التصوف ورفع عنه صفة الأخوية، وهدده إن استمر بدعواه فإنه سيهدر دمه، غادر العلايلي ولكنه لم يستطع الابتعاد عن الأخوية، عاد باسم زيدون الوراق، فتح دكانه في القرية، اعتاش على بيع الورق، عاش عمره يقرأ ويطّلع، تعرف على خلدون وتبناه وعلمه، وتعرّف على عدلى وأصبحوا مع خلدون ثلاثياً متكاملاً متحابين ومتفاهمين، عندما دخل خلدون الامتحان، علم الشيخ الأكبر أن خلدون تلميذ لزيدون الوراق، فلم يعجبه ذلك وشك في أمره، رفض تشغيله وحضر لمعرفة زيدون الوراق، تأكد أنه هو علايلي المارق عن الأخوية وأفكارها، اصطدم معه وضربه، حرق المكتبة وهو فيها، لكن عدلى حضرت وأنقذت الوراق زيدون الذي هو العلايلي، وأخفوا الأمر عن خلدون، حاول خلدون أن يسرق لوح القضاء والقدر، نجح بتضليل الحارس، دخل، لكنه وجد صندوق اللوح فارغاً، ولا لوح القضاء والقدر، غادر منتظراً أن يأتيه الشيخ الأكبر باحثاً عنه، لأنه ترك ورقة كتب عليها حرف الواو، الذي يستنتج منه عبر علم الأرقام والأحرف والأسماء معرفة اسمه، ويتكاشف مع الشيخ الأكبر، عندما حصلت السرقة، أخبر خفير القرية الحكام، الذين أرسلوا المأمور إلى القرية لتحري الموضوع، المأمور الذي تعامل مع الموضوع بحذر متشككاً بالرواية وبكل الأشخاص، بدأ من كيفية السرقة وسمع الخفير وسمع أشخاص الأخوية وبما فيهم الشيخ الأكبر، غاص عميقاً في الأخوية ومعناها ومرادها وأهدافها، فهناك دوماً بين الحكّام والدعوات الفكرية خوف متبادل وارتياب، كان للحدث تأثير نفسي كبير عليهم، فلكل منهم منازعه الخاصة ومواقفه وارتيابه، حيان وجابر الصغيرين كإخوة، يتفقان ويختلفان ويعيشان عوالم مراهقة تحمل التقلبات النفسية المتنوعة، يختلفان ويحاول حيان أن ينتحر، يكتشف لوح القضاء والقدر بين أغراضه، وهذا يعني أنه السارق، والشيخ الأكبر يذهب ليبحث عن خلدون بعد أن تأكد أنه السارق، يلتقي بسكّير يكاد يفضحه أثناء البحث عن خلدون، فيقتله، ثم يعترف خلدون بالسرقة لكن دون وجود اللوح، يحضر زيدون الذي هو العلايلي ويعترف عن أصل المشكلة، وان خلدون بريء من دم السكّير، والناس تهاجم حيْان كمتهم بسرقة اللوح وتقتله شرّ قتله، يلتقي العلايلي والشيخ الأكبر في لحظة بوح واعتراف متبادل، يتّهم بها الشيخ الأكبر العلايلي بالمروق، لأنه ينكر الارتباط بالله عبر الكشف، وأن القول بأن الأصل في فهم الحروف والعلم بها ليس الله، فإنه بذلك يحول الإنسان ليكون ضحية الإنسان، تذهب قدسية الشرع وإلزاميته، ثم يحرق الشيخ الأكبر نفسه؛ بعد اعترافه بقتله السكير، والدفع لقتل حيان بعد اتهامه بسرقة اللوح، ومحاولة قتل وحرق العلايلي، كل ذلك لأجل الدفاع عن الشرع والسر والأمر الإلهي من الاستباحة والضياع!؟، تنتهي الرواية بعودة المأمور إلى مركزه محملاً بتقرير عن الحالة، وتعود الحياة في قرية اليسر لطبيعتها، ويصبح العلايلي الشيخ الأكبر مجددا، وتستمر الأخوية، يستمر المزار والناس تتقاطر إليه للتبرك والحصول على الحجب والتمائم والعلاج، يستمر الاخوة بالعمل لإكمال المعجم اللغوي الكبير.

في تحليل الرواية نقول:

تعتمد الرواية عبر حبكتها الفنية على إنضاج المعرفة عبر مزيد من الكشف للمعلومات والتنوير والتشويق، وكأن السرد طريق للكشف، وهي مسكونة بقضيتها، والمستوى العميق لقراءتها هو رهن للقارئ، حيث نكتشف أن السر هو: بأن لا سرّ هناك؟!!، وأن بعضهم، طبعاً بعد الأنبياء، أراد احتكار الله والعلم منه وعنه، حتى يحتكر بعد ذلك الحق، والتكلم باسمه، عبر التصرف بحياة البشر؛ حلال وحرام وما يجب وما لا يجب، تكفير وهدر حياة الآخرين عبر مشروعية مدّعاة أنها من الله، والحكم كسلطه بعد ذلك إن أمكن، وهذه مشكلة كل ادّعاء بالعصمة سواء كان باسم دين سماوي، او أرضي، كما يفعل الحكام المستبدون الظلمة، فهناك عصمة منسوبة لله، أو للعقيدة الدنيوية وللحاكم المستبد، كنموذج عن ربّ بشري؛ لكنه ظالم؟!!.

الرواية تعطي إشارة وإن على استحياء إلى ضرورة الانتقال إلى عصر الإنسان والعلم وامتلاك البشر مصائرهم وأقدارهم، دون وصاية من أحد، غيباً كان أم بشراً مدّعين التفوق، تسلطاً وعدواناً.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني