fbpx

قراءة في رواية الفصل الأخير

0 177
  • تأليف: ليلى أبوزيد
  • الناشر: المركز الثقافي العربي
  • ط1، ورقية 2005

ليلى أبو زيد روائية من المغرب العربي، هذه روايتها الثانية بعد عام الفيل، التي لقيت اهتماماً ونقداً، وترجمت إلى لغات أجنبية عدة.

الفصل الأخير، رواية كتبت في أواخر القرن الماضي بلسان حال بطلتها عائشة أبو العزم، التي تسترجع ذكرياتها عن مرحلة الدراسة الثانوية وما بعد، عبر عقود من متابعة تطورات الحياة عليها وعلى أصدقائها وصديقاتها، والبيئة الاجتماعية المحيطة بها وبهم وفي المجتمع عموماً.

عائشة تعمل في المجال الثقافي والأدبي، لم تتزوج، تعاني من أنها وصلت إلى خريف العمر ولم تستطع أن تجد حبيباً تكلل حياتها معه بالزواج، وأصدقاء تحس معهم أنها ممتدة بهم ومعهم في حياة لها معنى ما.

في الصداقة فجعت عائشة مع أول زميلة لها في المدرسة، حيث المنافسة والحسد والصراع الخفي والعلني، عائشة مقتنعة أن المرأة تحب الرجل، وتكره المرأة وتتصارع معها، أما علاقتها بالرجال؛ فهو إما حب يفشل، أو دعوة صريحة أو مضمرة، لعلاقة جسدية مفتوحة دون مسؤولية من الرجل، يعني زنى يجعل المرأة تخسر اعتبارها الذاتي أمام نفسها، ويراكم الرجل مكتسباته الجنسية لتضخيم نفسية مريضة.

لم ينجح أي حب عند عائشة في أن يتحول إلى زواج وأسرة وأولاد، ففي الحالتين اللتين أحبت بهما، كان مصير الحب الفشل، إما لعدم النضج، أو لعدم قدرتهما على التفاهم.

عائشة ابنة المجتمع المغربي بكل تفاصيله وعيوبه، ما يزال المغاربة موغلين في السحر كوسيلة لتحقيق الأماني أو للضرر بالأعداء، ورغم إيمانها الديني فيه، فهي تراه حاضراً في سلوكيات المجتمع وخاصة المرأة، فعندما يراد للفتاة أن تتزوج من رجل معين يلجأ إلى السحر، وكذلك لو أرادت أم أو أخت أو منافسة على رجل أن تفسد الحياة الزوجية لإحداهن تلجأ إلى السحر، السحر، الباب المفتوح دوماً لتحقيق أماني البشر هناك؛ وخاصة الخبيث الضار بالآخرين، احتمالات نجاح السحر تساوي احتمالية فشله، يعاش بكثافة في مجتمع موغل بالتخلف والفقر والعوز والحرمان، مجتمع تحول البشر فيه إلى حالة صراع متبادل، وكلهم ضحايا.

عائشة لم تنجح في أي حب أو في أن تتزوج، تتأمل تجارب من حولها، فهذا أحد زملائها قد عاد من غربة عقود في أمريكا، يلتقيان ويبوح لها، عن ذهابه لتحقيق حلم السفر لأمريكا (جنة الأرض)، والزواج من إحدى بناتها الجميلات (شقراء)، والوصول إلى حياة الغنى والرخاء، يذهب فعلاً يعمل بإجهاد كثيف يتعبه، ويتزوج شقراء لكنها تنغص عليه حياته، وينجب أطفالاً، لكنهم ليسوا له، في لحظة ما تلفظه الزوجة، ويتخلى عنه الأولاد، ويرمونه في الشارع، لأنه ما زال يحمل مغربيته على ظهره وفي قلبه.

عاد إلى المغرب فارغاً من كل شيء، يحاول أن يبدأ حياة جديدة، ولو أنه في أواخر عمره.

كثيرون من الشباب أرادوا عبر رغبتهم بالذهاب لأمريكا وأوروبا أن يغيروا حياتهم ليصنعوا سعادتهم الخاصة، لكنهم يفشلون، منهم من يعود ومعه تراكم جراح الغربة، ومنهم من يعجز عن العودة، يحلم هناك بالجنة المفقودة، مغربه الحبيب.

أما المغرب نفسه فمازال يرزح تحت ظروف الفقر، وسوء الإدارة، والفساد، والفاقة، والتحايل على الحياة، والعيش ضمن سلسلة صراع بيني مجتمعي مرضي، السحر بضاعته الأهم.

عقدة الرواية هي المرأة المغربية والزواج، فالمرأة ولدت لتكون زوجة، إن تعلمت أو لم تتعلم، إن أحبت أو لم تحب، هي أخيراً خلقت لذلك، وهي في معارك دائمة للوصول لهذا الهدف، وإن وصلت فهي لن ترتاح، بل تكرر رحلة حياتها أينما وجدتها، الحفاظ على الزوج، رعاية الأولاد، الصراع الخفي والعلني مع أم الزوج وأخواته، أو رد كيد الأم والأخوات القريبات، التكيف مع الزوج بسوئه وحسنه، والتعامل معه كقدر لا راد له، انتظار أن يكبر الأولاد، والبداية في رحلة تزويج الأولاد والبنات، وفي كل ذلك يتوسل السحر، الحياة جميلة أو مريحة وهانئة أو تعيسة أو سيئة للمرأة، أما الحب فلا نرى له أي تعبير حياتي جدي معيش.

لدى عائشة زميلة تزوجت مبكراً تتحدث عن نفسها، لم تعد ترى في حياتها إلا أن تنجب الأولاد وتهتم بهم، وتقوم بواجب البيت على كل المستويات، تعيش حياتها دون أي إحساس لها بأي خصوصية، تراقب صديقتها عائشة التي أصبحت وجهاً ثقافياً واجتماعياً، وما تزال تحافظ على جمالها وأنوثتها، رغم أنها لم تتزوج، عائشة نفسها تتصارع فيها الأفكار والمشاعر دوماً، كيف للحياة أن تستقيم دون حب وحبيب، وتتوج بزواج وامتلاء نفسي وحياتي، وإحساس بالمعنى والاكتفاء النفسي، ومع ذلك هي سعيدة بأنها لم تتورط بزواجات كانت ستفشل لو حصلت، وهي كئيبة أنها لم تتزوج للآن، إن قطار العمر يمضي.

تتوالى لقطات متابعة عائشة بحياتها وحياة من حولها في المغرب، مسلطة الضوء على الواقع الحياتي للشعب المغربي؛ الذي لم يعط فرصة لبناء الحياة الأفضل، تتابع الفقر وقلة فرص العمل، وعدم مردوديته، تتابع الأخطاء والخطايا الاجتماعية من تعاطي المخدرات أو تهريبها أو ترويجها، وانعكاس ذلك على الناس والدولة، نتابع سعي الكثير من الشباب إلى الهجرة للغرب وخاصة أسبانيا وفرنسا، والتقطت عائشة – في الأندلس – إحساسها بالماضي العريق والحاضر المأساوي، والمعاناة بأننا كنا عظماء، ولماذا الآن متخلفون؟ وكيف نسترد العظمة والتفوق؟ وهل هذا ممكن؟ وعلى من تقع مسؤولية تأبيد تخلفنا؟ وكيفية إعادة بناء حياتنا الأفضل ومجدنا الممكن والمحتمل والمطلوب؟.

تنتهي الرواية والفصل الأخير لحسم زواج عائشة لا يكتب.

في قراءة الرواية نقول: إن ليلى أبو زيد قدمت لنا ببراعة صورة اجتماعية مكثفة عن المغرب في النصف الثاني من القرن الماضي، تغطي لقطات حياتية مترابطة في الرواية، وتوصل رسالة الرواية؛ إن الواقع الاجتماعي والثقافي والفكري والفقر والتخلف، وكل المشاكل الفردية ابنة للوضع الاجتماعي العام، فلا حب ناجح ولا زواج ينصف عائلته، ولا تميز ذاتي لأي فرد، قادر أن ينجح إلا وأن يكون المجتمع كله قد حقق نجاحه، الانتقال من التخلف إلى التقدم يتطلب إعادة تحسين ظروف المعيشة والعمل والعلم والوعي واستخدام كل الإمكانيات، والأهم اكتساب العقل العلمي المتجاوز للخرافة ومنتجاتها المجتمعية، إلى أن نصل لذلك المجتمع النموذجي، المفعل لكل إمكانيات الناس فيه، سيكون كل نجاح  فردي معطوب، وكل تقدم أعرج.

إلى مجتمع الحرية والعدالة والتقدم والحياة الأفضل؛ كمناخ إنساني للحب والحياة، ترنو الرواية لكتابة فصل الحياة الأخير.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني