fbpx

في بعض سمات التسوية السياسية الأمريكية وما استجدّ من إجراءات في أعقاب كارثة الزلزال

0 50

أعتقد أنّ سياق وطبيعة المتغيّرات المتسارعة، المرتبطة بسلطات الأمر الواقع، التي باتت تشكّل قوى النظام السوري بشكله الراهن؛ سواء على الصعيد الذاتي والبيني، أو في إطار علاقاتها مع الوسطين الإقليمي والدولي، لا تخرج عن إطار رؤى وخطط وسياسيات الولايات المتّحدة، الساعية في هذه المرحلة لفرض صفقة سياسية شاملة، لا يمكن – في ظل حقائق الواقع القائمة، حيث تقتسم السيطرة على سوريا سلطات الأمر الواقع الميليشياوية – أن تتوافق مع مسار جنيف، وما دعا اليه القرار 2254، وتؤدّي الى انتقال سياسي في دمشق، طالما ترتكز على قاعدة الاعتراف المتبادل، بين سلطات الأمر الواقع وحماتهم الإقليميين والدوليين، بحقائق الواقع، وتثبيت سلطاتها الخاصّة.

بناء عليه، يبدو لي أنّ التطورات السياسية والاقتصادية الأبرز في المشهدين السياسي والاقتصادي السوري على صعيد سلطة النظام السوري، تتزامن مع أحداث مشابهة في الأهداف، والطبيعة، على صعيد سلطات الأمر الواقع الجديدة، التي تبلورت في نهاية حروب إعادة تقاسم الحصص ومناطق النفوذ بين 2015-2020 ولا تخرج جميعها عن سياق صيرورة التسوية السياسية الأمريكية، المستمرّة بجانبها العسكري منذ تدخّل جيش الولايات المتّحدة المباشر في الصراع خلال صيف 2014، في إطار إنهاء مهمّة داعش!.

صيرورة التسوية السياسية الأمريكية شاملة، سوريّاً وعلى الصعيد الإقليمي،[1] وتسعى في تكامل وتزامن خطواتها وإجراءاتها عبر برنامج متكامل على جميع الصُعد والمستويات إلى تثبيت سلطات الأمر الواقع الجديدة في مناطق سيطرة النظام وخصومه على حدّ سواء، شركاء الخيار العسكري الطائفي؛ كما أصبحت في خارطة سوريا الجديدة التي رسمتها اتفاقيات أردوغان بوتين في 5 آذار 2020.

على الصعيد الإقليمي/الدولي، تأخذ التسوية السياسية الأمريكية عدّت مستويات، منها إعادة تأهيل النظام إقليميّاً، والتطبيع بين الأنظمة الإقليمية ذاتها، التي تصارعت خلال الحرب في سوريا على الحصص ومناطق النفوذ – أنظمة إيران والسعودية والإمارات وتركيا ومصر.

أتناول في هذا المقال بعض ما استجدّ من تطوّرات، وحصل من إجراءات، تصبّ في نفس السياق، في أعقاب كارثة الزلزال.

إذا أخذنا بعين الاعتبار الصراعات التي حصلت خلال العامين الماضيين في إطار مسعى كلّ طرف لتحسين شروط مواقع نفوذه وتوسيع حصّته وتعزيز أوراق قوّته على حساب الأطراف الأخرى[2]، وقرأنا الخطوات والإجراءات السياسية والاقتصادية التي سعى الجميع لتحقيقها بدرجات متفاوتة في إطار التطبيع وإعادة تأهيل جميع سلطات الأمر الواقع، من منظور السياق العام لتحقيق المرحلة الأخيرة من مشروع التسوية السياسية الأمريكية[3]، نجد بصمات واشنطن الواضحة، وقوّتها المحرّكة الرئيسة، الدافعة بجهود وإجراءات التأهيل المتزامن لسلطات الأمر الواقع؛ وليس فقط في منطقة سيطرتها الخاصّة، بل في الإطار السوري العام.

في أعقاب الزلزال المدمّر، لا غرابة في أنّ تستغلّ الولايات المتّحدة (كما فعل النظام السوري) حاجة المناطق لمساعدات الإغاثة الإنسانية الطارئة، وفشل جهود الأطراف لتقديم ما يلزم من الدعم، وربّما تفشيل جهود الأمم المتحدة للقيام بمسؤولياتها في عمليات البحث والإنقاذ، لتفتح في إطار تسريع خطوات إعادة التأهيل، خطوط مباشرة مع القوى الفاعلة في مناطق السيطرة التركية – في تساوق وتكامل مع جهود إقليميّة أوروبيّة تجاه النظام وسلطات الأمر الواقع الجديدة – وبالتنسيق مع النظام التركي، الذي، بعد فشل جهود متعددة الأشكال لتشكيل تحالف ضاغط روسي سوري ايراني، وما أصاب بلاده من عواقب الزلزال، وحاجته الماسّة للمساعدات الأمريكية/الأوروبيّة، (إضافة إلى استحقاق انتخابي بات على الأبواب)، أصبح مضطرّاً للتجاوب مع ضغوط واشنطن، ورؤيتها لمشروع التسوية السياسية، في إجراءات الإغاثة، كما في تسريع خطواتها التطبيعيّة مع النظام السوري، وباتت أنقرة ملقى للقاءات الأمريكية مع فاعليات المناطق المحررة، المتضررة من نتائج الزلزال، ومعبراً للمساعدات الإنسانية ولا يغيّر من حقيقة هذه الوقائع ما وضعته تركيا من عوائق لأسبابها الخاصّة، ولا اقتصار نقد المعارضات السوريّة، لانتهازية النظام السوري، الذي استغلّ كارثة الزلزال الذي ضرب الشمال السوري والجنوب التركي، وخلّف وراءه آلاف الضحايا، لتعويم نفسه، وأجرى اتصالات عديدة مع دول عربية وأجنبية وقام بعدة لقاءات (السيّد بدر جاموس).

في هذا السياق العام الذي تضمّن تأخير وصول المساعدات الأوليّة، وتفشيل جهود الإغاثة الامميّة، قاد السيد رائد الصالح عمليات الإنقاذ والبحث والإغاثة الرئيسة، وقدّم عناصر الخوذ البيضاء، أفضل ما عندهم من جهد، وأظهروا أعلى درجات التفاني والمسؤولية، رغم شحّ موارد الدعم الأممي/الخارجي، بالتكامل مع مجموعات نشاط مدني أخرى؛ كما قاد أيضاً، على المستوى الإعلامي، حملات التنديد الغاضبة ضدّ الأمم المتّحدة، بما يحمّلها المسؤولية الرئيسية عن تقاعس الأطراف الأخرى، (الولايات المتّحدة وحكومات النظامين التركي والسوري) ويخفي حقيقة أسبابها؛ التي تربط كما تشير الحيثيات وعوامل السياق، بطبيعة السياسيات الأمريكية، على الأرجح، كما تبيّن هشاشة الأسباب التي ساقتها الأمم المتّحدة لتبرير عدم الفعل.

بكلّ الأحوال، تصدّر السيد الصالح جهود الإغاثة الإنسانية اللاحقة التي قادتها الولايات المتّحدة، بالتنسيق مع حكومتي النظام وتركيا، كما أظهرت لقاءات وخطوات التعاون اللاحقة؛ وقد تساوقت مع تنشيط جهود الأمم المتحدة، كما بيّنت جهود منظّمة الصحّة العالمية، التي يُعتبر مديرها، السيّد تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أعلى مسؤول في الأمم المتحدة يزور المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال سوريا وإدلب منذ زلزال 6 شباط، وكان قد زار دمشق وحلب خلال الأسبوع الأول من الكارثة.

ليس خارج السياق بالتأكيد، ما ذكرته مصادر إعلامية عديدة، تحدّثت عن انفراجات جديدة في العلاقات التركية السورية (بما يبدو تجاهلا للفيتو الذي وضعته الولايات المتّحدة على خطوات التطبيع السورية/التركية، في أعقاب زيارة وزير الخارجية التركي الأخيرة إلى واشنطن)، مع تسارع المفاوضات بين تركيا والنظام وإيران، التي يبدو أنّها وصلت إلى مراحل توافقات متقدّمة، تأخذ طابع الكتمان، (لتجنّب ردّات فعل الشارع المعارض)، بموازاة تسارع خطوات التطبيع مع النظام العربي.

لايخرج عن هذا السياق أيضاً، ما تناقلته بعض القنوات الإخبارية عن جهود عربيّة تقودها أنظمة الدور القيادي في مسار التطبيع – الأردن والإمارات والسعودية – لتسخين خطوط التواصل مع المعارضات المرتبطة بتركيا، في هيئة التفاوض وائتلاف الثورة (التي كانت قد شهدت بعض البرودة في ظروف الفيتو الأمريكي)، لتنسيق خطوات التأهيل لمناطق سيطرتها؛ وقد استقبلت عمّان السيد بدر جاموس بحفاوة.

الحديث يدور كما تشير بعض التوقّعات حول آليات تعزيز إجراءات وقف إطلاق النار (اعتراف متبادل، وهدنة مستدامة – وفقا لتعابير RAND)، بين حكومة النظام وسلطات الأمر الواقع، المؤقّتة والإنقاذ التي تحكم مناطق السيطرة التركية في إدلب وشمال غرب سوريا، إضافة إلى التوافق على سياسات جديدة حول آليات تشغيل المعابر الداخلية، البينيّة، ومعابر دول الجوار الخارجي؛ باب السلام والراعي، بما يُتيح تسريع خطوات وإجراءات إعادة تأهيل لجميع سلطات الأمر الواقع. التفاصيل تتحدّث عن عدم اقتصار حركة العبور على البضائع، وعن فتح مكاتب معتمدة من قبل النظام، في مناطق سيطرة المعارضة، لتصديق الأوراق والوثائق الرسمية، مع إبقاء ملف إدارة المعابر وحكم المناطق بيد الحكومة السورية المؤقّتة، التي ستحصل على اعتراف دولي بشرعية وجودها، وآليات حكمها الذاتية، على غرار نظرائها في مناطق سلطة الهيئة وقسد، التي زار عرّابها الأمريكي، بريت ماكغورك، منسّق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط عمّان ذاتها لتنسيق إجراءات تأهيلها على صعيد العلاقات مع الأنظمة العربية، كما يأتي لقاء استوكهولم التشاوري الرابع يومي السبت والأحد، 4-5 شباط الجاري، تحت عنوان الضرورة والإمكانات والمأمول – لقاء حواري – تشاوري بين القوى والشخصيات الديمقراطية السورية المعارضة، بقيادة وتنسيق بين مركز أولف بالما الدولي للسلام والديمقراطية ولجنة الإعداد والمتابعة لمؤتمر القوى والشخصيات الديمقراطية المعارضة، التي تقودها مسد، الجبهة القومية الديمقراطية التي تشكّل الواجهة السياسية لقسد.

لا تفوت المتابع لجهود مسد/أمريكا لتشكيل جسم سياسي ديمقراطي سوري معارض يشكّل واجهة لمشروع قسد، في إطار تحقيق خطوات التسوية السياسية الأمريكية الشاملة، ما ميّز المحطّة الرابعة، والأخيرة، من اللقاء التشاوري، قبل عقد مؤتمر التأسيس المأمول قبل الصيف.

لقد أتت في سياق تسريع خطوات التطبيع بعد توقّف طويل نسبيّا (اللقاء التشاوري الاوّل منتصف كانون الأول 2011، والثاني، 4-5 نيسان 2022، والثالث 14و15 أيار من عام 2022)، في أعقاب مرحلة جمود في تنفيذ إجراءات التسوية السياسية الأمريكية (التي نتجت أساساً عن مناورات تركية روسية سورية، عسكرية وسياسية، في محاولة لتحسين شروط انخراط الأطراف في جهود مسارات التسوية السياسية الأمريكية، دون أن تحقق نجاحات تُذكر، في مواجهة العصا والجزرة الأمريكية)، تضمّن حضور أمريكي/أوروبي/كنسي، وبرز بشكل خاص حضور المسؤول عن ملف المعارضة السورية في السفارة الأمريكية في تركيا.

تفاصيل أخرى لا تقلّ أهميّة، أشارت إلى زيارة وفد كرواتي لرئاسة جامعة حلب في المناطق المحرّرة، حيث تناول اللقاء سبل التعاون بين الطرفين في المجال الطبي، والتحديات التي تواجه طلاب الطب بعد تخرجهم وعدم قدرة الكثير منهم على متابعة التخصص لعدم توفر المشفى الجامعي، في ظل الحاجة الملحة للأطباء المختصين في الشمال السوري المحرّر.

زيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية إلى مناطق الإدارة الذاتية لا تأتي خارج سياق صيرورة التسوية السياسية الأمريكية، ولا تكشف طبيعة ردّات أفعال النظامين التركي والسوري الاحتجاجية إلّا الحرص عن إطار زرّ الرماد في عيون السوريين وخداعهم؛ بعد أن أصبحوا ملطشة للجميع!.

من المؤسف ألا يثير ردّات فعل رسمية غاضبة من قبل لوبيّات المعارضات السوريّة/الأمريكية ما قاله وزير الخارجية الأمريكي عن فرض بلاده عقوبات على مرتكب مجزرة التضامن، المجرم أمجد يوسف، التي تعطي مثالاً واضحاً لطبيعة أهداف العقوبات الأمريكية، لا تخرج عن إطار دعايات واشنطن لتضليل الرأي العام السوري، وتغييب المسؤوليات الحقيقية، وما تؤدّي إليه سياساتها على الصعيد السوري العام من منع توفير ظروف محاكمات عادلة لجميع الذين تورطوّا بخيار الحرب، وما نتج خلاله من جرائم.


[1]– بدأت أولى خطواتها على الصعيد السوري مع نقاط كوفي أنان الست في شباط 2012، التي استبدلت خطّة انتقال السلطة، وإطلاق صيرورة هيئة حكم انتقالية مستقلّة ومفوّضة – التي أتت في الخطة العربية الثانية، وأسقطها فيتو روسي/صيني بتنسيق مع واشنطن في 4 شباط بعبارات عامّة، فضفاضة، لا تملك أيّة آليات تنفيذ، تتحدّث عن وجوب، الحوار بين السوريين الذي يسيّره كوفي أنان بصفته الوظيفيّة كوسيط، ومندوب مشترك، عن الجامعة العربية ومجلس الأمن، وتمّ تكريسها، كنهج وغياب آليات فعّالة في القرار 2254، لعام 2015، وكان اهمّ إنجازاتها تضليل الرأي العام السوري، وتغييب وقائع ما يحدث على صعيد التسوية الحقيقية؛ وكان من الطبيعي أن تصل إلى حالة انسداد الأفق الراهنة!.

[2]– خاصّة محاولات النظامين التركي والروسي/السوري لتغيير خطوط خارطة توزيع الحصص ومناطق النفوذ التي رسمتها توافقات روسيا وتركيا في نهاية 2019، وربيع 2020، التي عكست موازين قوى الصراع القائمة بين تركيا وروسيا والولايات المتحدة وإيران، وأذرعهم السورية، التي باتت تشكّل قوى النظام السوري المسيطر، في نهاية مرحلة حروب إعادة تقاسم الحصص ومناطق النفوذ 2015-2020.

[3]– المزيد من التفاصيل حول طبيعة التسوية السياسية الأمريكية https://2u.pw/sFuPNZ

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني