fbpx

سورية تتغيّر.. قراءة في ملامح العهد الجديد

0 34

منذ تسلُّم الرئيس أحمد الشرع رئاسة الجمهورية العربية السورية، بدأت البلاد تخطو نحو مرحلة جديدة تتسم بالانفتاح السياسي والاقتصادي، بعد سنوات من العزلة والانغلاق.

وفي خطابه الأول، قال الرئيس الشرع:

“نحن لا نفتح دفاتر الأمس… لكننا نكتب مستقبلنا الآن”، في إشارة واضحة إلى بداية عهد مختلف في العلاقات الدولية والسياسات الداخلية.

انفتاح دبلوماسي غير مسبوق

شهدت سوريا خلال الأشهر الأربعة الماضية حراكاً دبلوماسياً واسعاً، تمثّل بزيارات الرئيس الشرع إلى عدد من الدول العربية والإقليمية، بينها المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر والإمارات ومصر.

كما استقبلت دمشق وفوداً عربية وأجنبية رفيعة المستوى، كان من أبرزها زيارتان لوزيرة الخارجية الألمانية، في مؤشر على دعم دولي متزايد للمرحلة الانتقالية في سوريا.

وفي لقاء مع صحيفة الشرق الأوسط، أكد الشرع:

“سوريا لن تكون منصة لمهاجمة أو إثارة قلق أية دولة عربية أو خليجية مهما كان”،

مشدّداً على أهمية بناء علاقات استراتيجية قائمة على الاحترام والتعاون مع الدول العربية والخليجية.

إصلاحات داخلية ملموسة

على الصعيد الداخلي، أطلقت الحكومة الجديدة حزمة إصلاحات اقتصادية واجتماعية لاقت صدى واسعاً لدى الشارع السوري، من أبرزها:

  • رفع رواتب الموظفين بنسبة 400%.
  • إعادة التيار الكهربائي إلى أغلب المناطق، وإن كان لمدة ثمانية ساعات في اليوم لكنها خطوة نحو عودة التيار بشكل كامل.
  • توفير المواد الغذائية الأساسية في الأسواق بعد أن كانت تُباع عبر “البطاقة الذكية” في عهد النظام السابق.

كما شرعت الحكومة في إعادة تأهيل البنية التحتية، من طرقات وجسور ومدارس، بالتوازي مع مشاورات جارية مع جهات عربية ودولية للمساهمة في جهود إعادة الإعمار رغم شح الإمكانيات.

وعلى صعيد السلم الأهلي، تعاملت الحكومة بحزم مع مظاهر الانتقام والتجاوزات، سعياً لإعادة الأمور إلى طبيعتها بعد أن أسهم نظام الأسد المخلوع في تمزيق النسيج الوطني السوري خدمة لبقائه في السلطة.

وفي خطوة بالغة الأهمية نحو توحيد البلاد، وقّع الرئيس الشرع اتفاقاً مع قائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي، يقضي بانخراط تلك القوات ضمن تركيبة الجيش السوري الجديد، ليكون جيشاً لكل السوريين دون استثناء.

كما عملت الأجهزة الأمنية والعسكرية على جمع السلاح المنتشر، خاصة من أيدي من تبقّى من عناصر جيش النظام السابق، مع تسوية أوضاع من لم تتلطخ أيديهم بدماء السورريين.

تعزيز العلاقات الإقليمية

في زيارته إلى أنقرة، أعلن الرئيس الشرع عن بدء “عصر جديد من التعاون العسكري بين تركيا وسوريا”، مؤكداً أن العلاقة بين البلدين “ممتدة عبر التاريخ والجغرافيا”.

وأشار إلى أن التعاون سيشمل المجالات الإنسانية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، إلى جانب بناء استراتيجية مشتركة لمواجهة التهديدات الأمنية في المنطقة.

وفي مقابلة مع قناة A Haber التركية، شدد الشرع على رفض وجود أي مجموعات مسلحة خارج إطار الدولة، مؤكداً أن “الإدارة السورية لن تقبل بوجود مقاتلين أجانب على أراضيها”، وأنها ستبذل قصارى جهدها لضمان أمن الحدود مع تركيا.

وتُولي أنقرة أهمية قصوى لموضوع “حزب العمال الكردستاني (PKK)”، معتبرة أن وجود عناصره في الأراضي السورية يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي التركي.

رؤية تنموية طموحة

أعرب الرئيس الشرع عن تطلعه للاستفادة من التجارب التنموية المتقدمة في دول الخليج، قائلاً:

“المملكة العربية السعودية وضعت خططاً جريئة جداً، ولديها رؤية تنموية نتطلع إليها أيضاً.”

وأكد على أهمية التعاون الاقتصادي والتنموي مع دول الخليج لبناء مستقبل مزدهر لسوريا، مشيراً إلى أن التنمية الشاملة ستكون إحدى ركائز المرحلة المقبلة.

خاتمة

بعد أربعة أشهر فقط من تسلُّم الرئيس أحمد الشرع مقاليد الحكم، تلوح في الأفق ملامح تحول كبير في المشهد السوري، من خلال انفتاح دبلوماسي غير مسبوق، وإصلاحات داخلية عميقة، وتحركات إقليمية متزنة وفعّالة.

إن ما تحقق في هذه الفترة القصيرة يعكس إرادة سياسية واضحة في الانتقال بسوريا من عهد الانغلاق إلى مرحلة جديدة من الشراكة والتكامل، داخلياً وخارجياً، في طريق بناء “سوريا الجديدة”.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني