fbpx

اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية 2/20.. العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان

0 83

العدالة الاجتماعية كلمتان متساوقتان ومتساويتان في تجسيد حقوق الإنسان التي كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في أكثر مواده، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وما تلاهما في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وغيرها، ومواد دستور منظمة العمل الدولية، وهي بمفهومها العام عكس الجور والظلم من حيث توزيع الثروة، والامتيازات عموماً داخل المجتمع، وضمان قيام الأفراد بأدوارهم فيه، وحصولهم على استحقاقاتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية والتعليمية…إلخ؛ لضمان تكافؤ الفرص أمام الجميع في توزيع الثروة وغيرها تبعاً لتقاليد وأعراف وقوانين البلد الذي يعيشون فيه، وسعت منظمة العمل الدولية “من أجل عولمة عادلة” لتخصيص يوم عالمي للعدالة الاجتماعية، وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة أنه اعتباراً من الدورة الثالثة والستين بقرارها (A/RES/63/199) تقرير إعلان الاحتفال سنوياً بيوم 20 شباط/فبراير بوصفه اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية.

والعدالة الاجتماعية مطلقاً ما زالت حلم رضيع يحبو، ويبحث عن ثديّ يُرضعه في عالمنا على مستوى العلاقات بين الأفراد، أو الجماعات، أو الشعوب، أو الدول أيضاً رغم التقدم الحضاري، وامتلاك البشرية نواصي التكنولوجيا، ومناداة المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة العمل الدولية، ومنظمات المجتمع المدني، ومنظمات حقوق الإنسان؛ فإن العدالة الاجتماعية كثيراً ما تضيع في دهاليز معتمة بكثير من الدول التي تغيب فيها الديموقراطية وتتحكم بها سلطات الاستبداد.

مفهوم العدالة الاجتماعية فلسفياً بدأ قديماً منذ أفلاطون وأرسطو، وتطوّر مع التقدم الحضاري، وهو يهدف إلى الإنصاف والمساواة، وعدم الاعتداء على مصالح الآخرين، والسعي لحمايتها، وقد أصبحت العدالة الاجتماعية منهجاً لتحقيق المساواة، ولتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية والتعليمية والمعيشية لأفراد المجتمع.

وبعد الحرب العالمية الثانية وإنشاء هيئة الأمم المتحدة، وصدور صكوك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وما تلاها من اتفاقيات؛ سعت المنظمات الدولية والحقوقية والإنسانية لتنشيط مبادئ العدالة الاجتماعية ممارسة عملية في العلاقات بين الناس على جميع المستويات الفردية والجماعية والدولية، وأهم هذه المبادئ:

  1. المساواة: وهي المبدأ الأساس للعدالة الاجتماعية، فلا تفريق في المعاملة بين الناس جميعاً على اختلاف أجناسهم، وأعراقهم، وعقائدهم، أو الوضع الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو الوطني، والسعي للتوازن في توزيع الثروة للتقليل من الفوارق الطبقية في المجتمع.
  2. التعايش السلمي: وهو من أهم المبادئ الأممية داخل الأمم المتحدة، أو بين الدول في ظل اقتصاد مزدهر يحقق للإنسان حياة كريمة في دولة تحترم الدستور والقوانين، وتطبقها على جميع الناس الذين يعيشون على أرضها مواطنين أو مقيمين، وقد أشار السيد (بان كي مون) الأمين العام للأمم المتحدة بقوله: “إن العدالة الاجتماعية هي أكثر من مجرد ضرورة أخلاقية في أساس الاستقرار الوطني والازدهار العالمي” .
  3. تكافؤ الفرص: الذي يضمن تحقيق الاحتياجات الأساسية للمواطنين في جميع المجالات من مسكن، وغذاء، وتعليم، وصحة، وعمل، وأجر مناسب، وحماية من البطالة للعيش بسعادة ورفاهية.
  4. المحبة والتسامح والإخاء بين الجميع بحيث يجب أن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه، وهذا مبدأ حضّت عليه الشرائع المسيحية والإسلامية لحفظ الكرامة الإنسانية للبشر، ولتشجيع أواصر الصداقة بين الشعوب جميعاً، ولكبح أفكار الكراهية والظلم.
  5. تعزيز الحوار بين منظمات المجتمع المدني، وبين الشعوب، وبين دول ومنظمات الأمم المتحدة لتقوية الصلات وتخفيف حدة الصراعات فيما بينها، ولزيادة فرص الاستثمار الاقتصادي من أجل رفاهية عيش الجميع في أجواء آمنة ومستقرة.
  6. احترام حقوق الإنسان: فمن خلال التمسك بها يتاح للإنسان العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، والمحافظة على حقوق الإنسان الأساسية في الحياة والعيش الكريم، وممارسة الأنشطة في جميع المجالات والميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، وتكوين النقابات المهنية، والانضمام إلى النوادي والمنظمات المدنية الناشطة في المجتمع.

ومع أن المنظمات الدولية والحقوقية والإنسانية تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية بصور متعددة في بلدان كثيرة إلّا أنها تواجه معوقات وتحديات تعترض مسيرة ممارستها وتحقيقها، وأهم هذه المعوقات:

  1. عدم احترام القوانين وتطبيقها، وعدم الالتزام بالقيم الاجتماعية يؤديان إلى تراجع تحقيق العدالة في المجتمع.
  2. نقص الوعي الاجتماعي والثقافي بمفهوم العدالة الاجتماعية يسهم في غيابها وعدم تحقيقها، ويشجع على بث روح التفرقة والكراهية بين الأفراد والجماعات والشعوب.
  3. التفرقة بين الجنسين القائمة على النظرة الدونية للمرأة، وكذلك للطبقات الفقيرة والمهمشة في المجتمع تحدث شرخاً بين الأفراد فتتعثر المساواة، وتؤدي إلى وجود صراعات اجتماعية، وتقوّي في النفوس روح الكراهية المقيتة.
  4. انتشار الفساد والمحسوبيات يضعفان روح الإخاء والتسامح التي تسود المجتمع، ويؤديان لخلل كبير في العلاقات بين الأفراد.
  5. الاستبداد وفقدان الحريات يؤديان إلى إشاعة الفوضى وسيادة الظلم مما يفقد الألفة والتعاون والصداقة بين الأفراد.
  6. انتشار النزاعات بين الأفراد،والجماعات، والشعوب في عالمنا أدّى إلى فقدان الثقة فيما بينها، وسيادة روح الثأر والانتقام.
  7. تسلط الدول الكبرى على قرارات الأمم المتحدة، وعلى الشعوب المستضعفة، ونهب ثرواتها أحدث خللاً كبيراً في العلاقات المتكافئة بين الدول، وشعوراً بالغبن والقهر، وزيادة الفجوة اتساعاً بين الشعوب، يقضي على أواصر الصداقة والمحبة فيما بينها.
  8. الخلل الاقتصادي المرتبط بالعولمة المتوحشة التي أفقدت الدول الفقيرة والمستضعفة قدرتها على المنافسة، والمواجهة غير المتكافئة مع الدول الغنية؛ فتدنّت أحوال المعيشة فيها، وازداد الفقر والبطالة، إذ يفتقر حوالي 80٪ من سكان العالم للخدمات الاجتماعية الأساسية، ولتكافؤ الفرص، وقد أشار السيد “سومافيا” المدير العام لمنظمة العفو الدولية إلى أنه يوجد حالياً (200) مليون شخص عاطل عن العمل بمن فيهم (80) مليون شاب.
  9. الهجرة الطوعية أو القسرية التي تسبب هشاشة المجتمعات الطاردة، وتؤثر على المجتمعات المستقبلة إذ تؤدي إلى تغيرات ديموغرافية تضعف الانسجام بين أفراد المجتمع فيها.
  10. عدم صدقية الدول الأطراف في الأمم المتحدة بالتزاماتها المالية المترتبة عليها يضعف الإنجازات الملموسة للعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية.

إن هذه المعوقات التي تعترض تحقيق العدالة الاجتماعية تدفع المنظمات الدولية والحقوقية والإنسانية لمواجهتها، والعمل على إزالتها أو الحد منها، وتبحث عن سبل كيفية الإسهام في تحقيق العدالة الاجتماعية، ومنها:

  1. العمل على نشر الوعي بمفهوم العدالة والمساواة بين الجميع بشفافية، ودعم المنظمات المحلية الخيرية والإنسانية لتحقيق برامجها.
  2. العمل على زيادة الاستثمارات في المجالات الصناعية، والتعليم، والصحة، والسكن، ووضع برامج لمحاربة البطالة والتقليل منها.
  3. إعداد وتأهيل الكوادر العاملة، وتأمين الموارد المادية للاستثمار، وزيادة الانفاق عليها.
  4. العمل على تكافؤ الفرص، وتوزيع الموارد توزيعاً عادلاً يضمن المساواة بين جميع أفراد المجتمع لبعث الثقة في النفوس، وتشجيع الاهتمام بتأدية الواجبات طواعية وبرضاء تام، والحد من الفساد، وآثاره المدمرة.
  5. السعي لحلّ النزاعات، وبث روح الثقة والصداقة، وكبح أفكار الكراهية التي تحيي الصراعات في المجتمعات، والنزاعات بين الشعوب.
  6. العمل على تحسين الأوضاع المعيشية للأفراد، والحد من الهجرة، وتوفير فرص العمل للجميع.
  7. تعزيز الحوار بين الدول الأطراف في الأمم المتحدة، وبث أواصر الصداقة وروح التسامح، والعمل على إيقاف النزاعات التي ترهق الدول والشعوب، وتؤثر سلباً على الأوضاع المعيشية للمجتمعات، وتشجّع على انتشار الكراهية وعدم الثقة بين الشعوب.
  8. إلزام الدول الأطراف في الأمم المتحدة بتأدية التزاماتها المالية لدعم المنظمات الدولية، والمنظمات الإنسانية، ومساعدتها في تحقيق برامج عملها الخيري والإنساني في مجالات التعليم والصحة والتأهيل وغيرها.
  9. العمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان وتعزيزها في المجتمع، وإدخالها في برامج ومناهج التعليم في المدارس والنوادي، ودعم منظمات حقوق الإنسان، والمنظمات ذات الطابع الخيري والإنساني لتحقيق أهدافها.
  10. وفي الختام، إن العدالة الاجتماعية تتقاطع كثيراً مع حقوق الإنسان، وكلتاهما تحتاجان إلى جوّ من الحرية أفسح لتحقيق أهدافهما، وإلى جوّ من الديموقراطية لتمارسا عملهما؛ لكنّهما تواجهان المتاعب والمصاعب الجمّة في عالمنا القلق الذي يعاني من النزاعات المسلحة، وعدم الاستقرار، وفقدان الأمان في مناطق عديدة على سطح كوكبنا ما يحدّ من تحقيق برامجهما وتطلعاتهما التي تصبوان إليها في سيادة القانون والعدالة، والدفاع عن حقوق الإنسان ورفاهيته في دول تحترم دساتيرها وقوانينها، وتحفظ حياة الإنسان، وتصون كرامته، وتحقق العدالة في جوّ ديموقراطي يسوده الأمن والسلام.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني