
المعادلات الصعبة
يدرك أغلب المتابعين للشأن العام السوري أن ثمة معادلات دولية وإقليمية جديدة بين الأطراف المشتبكة على الساحة السورية، أفضت إلى ما آل إليه الوضع السياسي في سوريا.
أعقد هذه المعادلات هي حاصل ضرب أدوات إيران من حماس لحزب الله، وما بينهما من حشود طائفية عراقية وباكستانية وأفغانية، بجذور إسرائيل الممدودة أنساغها من أوروبا حتى أمريكا، ما جعل الإقليم كله يضطرب، وتتغير معادلات تحالف القوة بعد أن كانت لها خمسة وأربعون عاماً منذ انتصار الثورة الإيرانية، وعززتها أحداث 11 أيلول. فملكت إيران وحلفاؤها مهمة إدارة شؤون الإقليم؛ بحيث فتحت لها الخرائط العربية تعبث بها كيفما تشاء، ما عدا خريطة إسرائيل فممنوع المس بها.
بخروج إيران على التفاهمات السابقة وطموحها بإعادة مجدها الإمبراطوري الغابر، وتنكرها لداعمي الأمس، وتحالفها مع روسيا والصين المنافس الاستراتيجي للغرب، أدى إلى إعادة تحالفات الغرب مع العرب في بعدهم السني على إيران الممتطية كذباً لصهوة المذهب الشيعي.
مؤكد أن هناك دولاً وازنة جرى بينها وبين الغرب، عموماً وأمريكا، تفاهمات حول المرحلة التي ستعقب القضاء على أذرع إيران، وبالذات منها حماس التي شنت هجوماً مباغتاً على مستوطنات يهودية، فقتلت وأسرت الكثير، مما دفع بإسرائيل ومن ورائها حلفها باتباع سياسة الأرض المحروقة، فدمروا غزة وأتبعوها بإخراج حزب الله من المعادلة السياسية في المنطقة بعد مقتل أغلب قياداتهم، وعلى رأسهم حسن نصر الله.
هذه التداعيات أغرت الثوار السوريين باهتبال الفرصة، والوصول إلى دمشق خلال أحد عشر يوماً، ما جعل بشار يفر مثل الفأر.
حين استتبت السلطة للثوار السوريين، أرادت بعض الدول اختبار التزامهم بالتفاهمات التي جرت قبل بدء عملية التحرير في 27 كانون الأول، فبدأت إسرائيل بالتوغل في بعض القرى المتاخمة لحدودها محاولة استدراج القيادة إلى مواجهة محسومة النتائج في ظل هذا الظرف، أو محاولة ابتزاز لجرهم إلى صلح يتجاوز تفاهمات فض الاشتباك عام 1974.
وفي هذه الآونة، بدأت تحركات مشبوهة في الساحل السوري، وتنكر لتفاهمات سابقة جرت بين السلطة الجديدة و”قسد”.
مؤكد أن هذه المفاعيل ليست وليدة ظروف داخلية، بل هي مخرجات لأجندة تتراوح بين الإقليمي والدولي وفق معادلات تبحث عن جبر الكسور دائماً لصالحها، غير مكترثة بتضحيات السوريين عبر 14 عاماً، بذلوا فيها أرواحهم وأموالهم ليكنسوا كل القذى التاريخي الذي قذفت به إيران وحلفاؤها على امتداد مشرقنا العربي، وليفرحوا بيوم جديد ملون بكل قسماتهم الجميلة.
واضح أن القيادة الجديدة مدركة لهذه المعادلات، وتتصرف بهدوء استراتيجي، مجدولة ملفاتها بحسب الأهم فالأهم، وهذا يستلزم منا صبراً ودعماً لكي نبحر جميعاً في سفينة الدولة.