fbpx

الطفل الموريتاني.. قوانينُ تُجرُّم، وعادات تُحتِّم.

0 198

لم تولد موريتانيا محيطة بكل النواقص ونقاط الضعف المتعلقة برعاية الأطفال، لكنها صبت دقيق حمايتهم رويدا رويدا في قدر انغلاق المجتمع البدوي، المليء بماء المستجدات المدنية والنوازل الحديثة.

فقد استقلت موريتانيا عن المستعمر الفرنسي، بمجتمع نصوصه القانونية الوحيدة، هي الشريعة الإسلامية بصفة مباشرة، عطفاً على عادات وتقاليدَ تكونت إثر تراكم الحياة البدوية حينها، لذلك كان الأطفال يتمتعون بالحقوق الشرعية الصرفة، كحق التربية على الدين الإسلامي، وحق توفير المستطاع من التغذية والكسوة والمأوى والدواء وحتى التعليم المحظري،  كما لم تكن مسألة حقوق الأطفال مطروحة كعنوان، إذ كان المجتمع يحمي أطفاله ببراءة فطرية، إلا أن سرعة التقدم المدني، واتجاه الدولة إلى وضع قوانين تنظم المجتمع وتحميه من سلبيات التطور الحديث، أظهرا ضرورة سن قوانين لحماية الأطفال والأسرة بصورة عامة، فدخلت حيز التنفيذ مدونة الأحوال الشخصية، المستخرجة من أحكام شرع الله، لتضع النقاط على الحروف في ما يتعلق بحقوق المرأة والطفل.

اتفاقيات وقوانين

لم تتقاعس موريتانيا لحظة عن وتيرة سيرها تجاه حماية الأطفال، حيث وقعت على أول اتفاقية تتعلق بحقوق الطفل، في نفس السنة التي دخلت فيها حيز التنفيذ 1991، وهي الاتفاقية الدولية التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة 20 نوفمبر 1989.

كما صادقت الحكومة الموريتانية عام 2017 على مشروع قانون يتضمن “المدونة العامة لحماية حقوق الأطفال” وتتكون من 145 مادة، تولي عناية خاصة للأطفال، وتعطي تمييزاً إيجابياً لذوي الاحتياجات الخاصة، وأطفال الشوارع، كما خصصت فصلاً كاملاً للأطفال مجهولي النسب، تتضمن توفير أوراق مدنية، وتعويضهم عن افتقاد الأبوين.

أما ما يتعلق بالتدريس، فقدت فرضت الدولة عام 2001 التعليم الأساسي على الأطفال بين 6 و14 عشر عاماً، وقررت مجانية التعليم في المدارس العمومية، وقد قُدرت – نتيجةً لذلك – نسبةُ الالتحاق للمدارس الابتدائية عامي 2016-2017 بـأكثر من 80%.

وانصاع المجتمع لتطبيق مجمل هذه القوانين، باستثناء ما يتعارض منها من جهة، مع عادات مقدسة، عجز التطور النسبي أن يخلصه منها، وما يمنعه الوضع المادي من جهة أخرى، بالنسبة لبعضهم، فعند النظر إلى ما تم سنه من قوانين بخصوص تجريم تشغيل الأطفال على حساب تدريسهم، عن طريق تسريبهم من المدارس، في ظل توفير مجانية التعليم وتقريب خدمة التدريس، والعمل على نشرها.

تُستنكر كثرة عمالة الأطفال بالنسبة للتعداد السكاني الذي لم يصل سقف 5 ملايين بعد،

حيث يجد الباحث أن الطفل في موريتانيا يعمل في أكثر من ثلث الحِرف المتوفرة في البلاد، وغالباً ما يكون ذلك بأجور زهيدة، إن لم يكن تدريباً في محل أحد الأقارب، قبل أن يتحرر ليُستَغل في محلات الغرباء.

فالأمر هنا يحتمه الفقر على أسر هؤلاء الأطفال، الذين يحاربون حرمان الحياة لهم من أضعف سقف للعيش الكريم، أو للعيش الذي يطمحون له بحرمان أبنائهم من حق التعلم والتقدم.

ففي عمالة القُصَّر، يكون الطفل هو الخاسر الوحيد في المعادلة، حيث يحرم من حقه في التعليم، ليستغل مجهوده بأجر زهيد يصرفه ذووه، تحت ذريعة توفير لقمة العيش، في تجاهل لطموحه ومستقبله.

التسول المقدس

سُنت في موريتانيا القوانين، وبُحثت المساطر، بهدف الحفاظ على الأطفال، لتطويرهم للتسريع من وتيرة نمو البلاد من خلالهم.

مع ذلك لا تغيب عن عين العابر في الشارع الموريتاني، ظاهرة تسول الأطفال في صورة تعكس انتشار العوز والفقر في ظاهرها، بينما الحقيقة تختلف عن ذلك، فغالبية المتسولين الأطفال، يَزرع آمرهم في أذهانهم، أنهم يتقربون بتسولهم إلى الله، طاعة لمدرسهم الذي لا يطلب من ذويهم من الأجر غير التسول لصالحه، حيث يُقسم عليهم مع الألواح، أوان خاصة للتسول، مصنوعة من علب عجائن الطماطم، وينشرهم في الشوارع لاستدرار الجيوب، ومن يأتي بأكبر نصيب من الصدقات، يحظى بتمييز على رفاقه طيلة اليوم، وهي عادة دأبت عليها بعض فئات المجتمع، باعتبارها عبادة مقدسة، و أفضل مساهمة في تسريع فهمهم وحفظهم.

ويعرف هذ النوع من الأطفال محليا بـ “ألمُودَاتْ” وهم رواد مراكز لتدريس القرآن والعلوم الشرعية في ظاهرها، وفي حقيقتها ماهي إلى أوكار لاستغلال الأطفال بموافقة ذويهم تحت ذريعة التدريس، في مظهر مكشوف لاستغلال الدين الإسلامي، وتشويه الكتاتيب “المحاظر” التي خرجت العلماء والمفكرين والفقهاء والشعراء، من قبل نشأة الدولة إلى اليوم.

العادات قبل البنات

وتظل البنات هن الأوفر حظاً في تطبيق عادات المجتمع، فرغم ما تعتبر المنظمات الحقوقية والسلطات الموريتانية أنها وصلت إليه من تقدم في إطار الحفاظ على حقوق الطفل، خاصة البنات، تظل عادات المجتمع أهم من بناته.

فمع تجريم زواج القاصرات، يصر المجتمع على اعتبار أن زواج الفتاة يصب في صالحها، حيث تطمح الأمهات لتزويج بناتهن وهن في مقتبل العمر، ليتخلصن من عبء حضانتهن، ويعتبرن كثرة خطاب الفتيات القاصرات، هي النجاح الوحيد الحقيقي، بدل التفوق الدراسي والمهني.

وكذلك تجرم القوانين في العالم ما يعرف بالخفاض لما يترتب عليه من أضرار صحية ونفسية، ورغم ذلك تجد المجتمع الموريتاني – خصوصا في الجانب الشرقي من البلاد – يعتبر الخفاض مرحلة أساسية في حياة الفتاة، ويعتبر الأساس الأهم لحماية الفتاة من الانحراف والانجراف إلى مظاهر انحلال الأخلاق.

وهو ما جعله أمراً إلزامياً، يلحق عدمه العار بالبنات، حيث يمكن للزوج أن يُطلق عروسه إذا اكتشف عدم ختانها، وهو المصير ذاته للأم التي ترفض خفاض ابنتها، في صورة تعكس تقديس المجتمع لعاداته على حساب بناته.

وهكذا يبقى الطفل ضحية صراع بين العادات والقوانين، في حرب صمت، القاتل والمقتول فيها في الجنة، لأن كلا الطرفين يبحث عن مصلحة الطفل، كل من زاويته، ورؤيته، والمنطق الذي يعتمد عليه.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني