fbpx

السويداء في عين العاصفة

0 177

منذ 17 أغسطس “آب” 2023، بدأت محافظة السويداء في سوريا تشهد تحولات هامة، حيث بدأت موجة من الاحتجاجات للتنديد بالأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة، والفساد الواسع الذي يعاني منه النظام، فضلاً عن ارتفاع معدلات التضخم وسياسات القمع المستمرة التي تنتهجها الدولة في سوريا.

مع استمرار التظاهرات المناهضة لنظام الديكتاتوري، وبسبب عدم استجابة النظام البعثي لمطالب المتظاهرين، تصاعدت مطالبهم حتى وصلت لإسقاط نظام الطغمة الحاكمة وتنفيذ القرار الأممي 2254. وقد انعكست هذه المطالب في شعارات التظاهرات والهتافات التي رفعها المتظاهرون، حيث أصبحت تلك المطالب جزءاً أساسياً من أجندة الحراك الشعبي في السويداء.

في الفترة الأخيرة، شهدت محافظة السويداء تطورات مهمة عقب وقوع حادثة قتل أحد المتظاهرين أمام صالة 7 نيسان والتي يستخدمها نظام الأسد البعثي لما يسمى المصالحات، الأمر الذي كشفت عن تراجع قوة هذا النظام الديكتاتوري في المنطقة من جهة، ما يُعتبر ذا أهمية بالغة، إذ سيؤثر هذا الأمر على قدرة النظام على فرض سيطرته الأمنية وسط المجتمع، وعلى مكانته وسلطته بشكل عام من جهة أخرى.

كذلك أظهرت هذه الحادثة قدرة المتظاهرين على إزعاج النظام والتحرك والتعبير عن مطالبهم بقوة، وبالتالي فإنها أظهرت أيضاً تراجع النظام السوري في السويداء وفقدانه للسيطرة على أرض الواقع بشكل كبير.

علاوة على ذلك، وبالرغم من تورط النظام السوري في قتل المتظاهرين، طالبت الشخصيات الدينية في السويداء باستمرار التظاهر السلمي، انطلاقاً من حاجة مجتمعنا للسلمية وتجنب التصعيد العنيف الذي قد ينجم عنه المزيد من الدمار والخراب وتجلى ذلك بمشاركة بعض المشايخ الدروز رغم تباينهم بالمواقف مع المتظاهرين في تأبين الشهيد الذي قتلته أجهزة النظام السوري المجرمة. يظهر أن هناك تحولاً تدريجياً في المواقف، ما يعكس تنامي الدعم للحراك واستياء السكان من الظلم والقمع الذي يمارسه النظام بحقهم.

ومن هنا، ندرك أن هذه التطورات الداخلية في محافظة السويداء تأتي في سياق من التحديات المتعددة التي تواجهها المحافظة، بما في ذلك تهديدات من قبل جماعات متطرفة دينية تريد أن تحتكر المشهد السوري، فضلاً عن تدخلات خبيثة من جهات متورطة مثل نظام الأسد، الذي يسعى لتقويض الحراك السوري. والذي ظهر واضحاً من مواقف بعض النشطاء والمشايخ وخاصة المحسوبين على نظام الأسد، عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب، بإثارة النعرات الطائفية والدينية لتحقيق أهدافهم السياسية الضيقة. واللعب على الوتر الطائفي، يسعون إلى زعزعة استقرار المجتمع السوري وتأليبه على الحراك في السويداء.

فالتظاهرات في السويداء، كما غيرها من التظاهرات التي شهدتها أنحاء أخرى من سوريا، تحمل في طياتها رسائل متعددة مفادها الدعوة إلى الحرية والكرامة وتنفيذ القرارات الدولية، بما في ذلك القرار الأممي 2254 الذي يطالب بوقف العنف وإيجاد حل سياسي للأزمة السورية.

وفي هذا السياق، يتطلب الأمر الحذر والوعي من السوريين جميعاً، حتى لا يقعوا في فخ هذه الصراعات المدمرة. فالوحدة والتضامن الوطني هما الضامن الحقيقي لاستقرار سوريا وتحقيق طموحات شعبها.

إضافةً إلى ذلك، من الضرورة أن نشدد على أهمية عدم الانجرار وراء محاولات التحريض الطائفي والتأليب التي تستهدف تقسيم المجتمع السوري، وأن الحراك في السويداء هو لكل السوريين، والعمل المشترك يشكل أساساً لبناء مجتمع سوري مترابط يعيش في سلام واستقرار.

بالتالي، فإن تطورات الأحداث في السويداء تشير إلى تغير في ديناميكية السلطة والتأثير، حيث يبدو أن النظام يفقد قبضته الأمنية بشكل متزايد، وهو ما يعكس تأثير الحراك على النظام. ومع استمرار التظاهرات والمطالبات بتحقيق العدالة وتنفيذ القرارات الدولية، يبدو أن الطريق نحو مستقبل أفضل للسوريين قد بدأ يتبلور، على الرغم من التحديات الكبيرة التي لا تزال تواجههم.

ومع ذلك، يبقى التصميم متجذراً دائماً في بناء مستقبل أفضل للسوريين، بناءً على أسس المواطنة وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. ومن الضروري أن نتفق جميعاً على أن الحل النهائي للأزمة السورية لن تأتي إلا من خلال التضامن والتوافق بين جميع أطياف الشعب السوري بكل مكوناته. في النهاية، يبقى الأمل معلقاً في قلوب السوريين، الذين يسعون إلى بناء مستقبل يحمل السلام والاستقرار والعدالة لكل فرد في الوطن.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني