fbpx

نهاية جذر الاستبداد الأسدي متلازم مع إسقاط نظام إيران وإنهاء مشروعها الطائفي وميليشياتها

0 197

حين اتخذ النظام الاستبدادي الأسدي قراره بمواجهة مطالب الشعب السوري بالحرية والكرامة، كان يُدرك أن حربه هذه خاسرة، ولذا خطّط منذ البداية للاستعانة بحلفائه الذين يتقاطعون معه بإحدى حالتيه الوجوديتين، هاتان الحالتان الأولى فيهما ذات جذر طائفي (شيعي)، والثانية ذات جذر حكم شمولي مافيوي شبيه لحكمه (نظام حكم بوتين).

في الحالة الأولى، بدأت علاقة النظام الأسدي بإيران الخمينية، في عهد الأسد الأب، وكان هدفه منها خلق توازن سياسي عسكري، يمنع دول الجوار العربية من إثارة الشعب السوري، الذي غالبيته لا تنتمي إلى الجذر الشيعي.

هذه النمطية من التفكير تؤكد على مسألتين هامتين، أن نظام الأسد الأب كان مدركاً أنه لن يتمكن بمفرده بحكم البلاد باعتباره يمثّل الأقلية الطائفية التي لا تتجاوز نسبتها العامة في البلاد أكثر من ثمانية بالمئة من مجموع سكان سوريا، وهذا معناه أن احتمال سقوطه كنظام غير شرعي أتى عبر انقلاب عسكري هو أمر كبير الاحتمال.

هذا النمط الذهني الأسدي هو من جعله يقف إلى جانب إيران في الحرب العراقية الإيرانية، من أجل إضعاف وربما سقوط النظام البعثي المنافس له في بغداد، فالحكم الضعيف دائماً يبحث عن عناصر قوة من خارجه تساعد على استمراره.

هذه الحالة ترسّخت لدى النظام الأسدي مع خوض الإسلام السياسي السوري معركته ضد النظام، التي اتخذت طابعاً أراد النظام تصويره على أنه صراع بين قوى رجعية معادية للاشتراكية في البلاد، وبهذه الحالة، أعطت هذه المعركة قوة للنظام على أكثر من مستوى.

المستوى الأول أظهر النظام الأسدي نفسه على أنه قلعة بناء الاشتراكية، وأن من يحاربها هم قوى مرتبطة بالإمبريالية العالمية كما جاء في كل خطاباته، ما ساعده على حشد قوى سياسية محسوبة على اليسار، ما ساعد أيضاً على تحييد الغالبية الشعبية التي لم يستطع الإسلام السياسي آنذاك أن يقنع الشعب بشعاراته الطائفية، التي لم يكن زمنها قد نضج بعد.

المستوى الثاني يتمثل بأن قام النظام بتقوية وتعميق دور أجهزة أمنه المختلفة على الانخراط في المعركة على نفس المبادئ المعلنة ما ساعده على زيادة مساحة القمع الأمني وكم الأفواه، وترسيخ مفهوم الدولة الأمنية في تلك المرحلة.

هذا المستويان اختصرا بناء السلطة السياسية قبل المعركة مع الإسلام السياسي، حيث تراجع دور حزب البعث الحاكم ودور النقابات والمؤسسات غير العسكرية في الحكم، وتعزّز في الوقت دور وتدخل الأجهزة الأمنية في كل مفاصل الدولة والمجتمع، ما جعل القرار الرئيسي في الحكم يرتبط مباشرة بشخص الأسد الأب باعتباره كما أطلقوا عليه لقب (الأب القائد).

هذه المقولة حوّلت السلطة السياسية في الدولة السورية إلى سلطة أوليغارشية استبدادية، بدأت تتغول في حياة الدولة والمجتمع، وتشلّ حركة تطوره غير المتسقة مع أهداف هذه الأوليغارشية، وهذا يعني تعطّل تطور قوى الإنتاج وعمليات الإنتاج الاقتصادي وما يستتبعه من تطورات سياسية واجتماعية وثقافية وفكرية.

هذا النظام بصورته التي بناها الأسد الأب انتقلت إلى الأسد الابن مع بعض تعديلات على الوضع الاقتصادي، فالفئة الحاكمة ليست طبقة اجتماعية تطورت في سياقها التاريخي مثل الطبقات البرجوازية أو الفلاحية أو العمالية وحتى الرأسمالية الكبرى، وإنما كان حول السلطة أذرع صنعها النظام بنفسها وربط مصالحها بمصالحه ووجوده، سواء البرجوازيات المستحدثة في حلب ودمشق، التي ربطت نشاطها الاقتصادي بعملية تشارك فعلية مع النظام الأمني العسكري الحاكم.

لذا بدأت الثروة تتمركز بيد القلة المرتبطة بالنظام، وهي ثروة بالأساس ثروة نهبها هذا النظام بصور مختلفة، جاعلاً من بعض الوجوه وكأنهم رجال أعمال.

هذا الانقسام الاجتماعي الحاد مع ما تركه من بطالة شديدة، وفساد في أجهزة الدولة والمجتمع، هو من ولّد قوة الاحتجاج الشعبية التي انفجرت بوجه ما سمي “الاقتصاد الاجتماعي” حيث ازداد عدد العاطلين عن العمل وزادت بصورة علنية الرشاوى من أجل إنجاز معاملات قانونية ما كان لها أن تتم بدون دفع هذه الرشاوى.

هذه الحالة الاقتصادية والاجتماعية السائدة آنذاك والمتصفة بالانحطاط الإداري والأخلاقي كانت مترافقة مع زيادة في دور القبضة الأمنية، وتوسع دور الطائفة التي ينتمي إليها النظام، فبدت الدولة وكأنها حقل استثمار اقتصادي ووظيفي وعلمي واجتماعي وعسكري وأمني يخص هذه الطائفة، والدليل على ذلك هو سيطرة أبناء هذه الطائفة الموالين للنظام الأسدي على جميع مفاصل الدولة والاقتصاد والأمن والجيش.

هنا بدأت حركة الاحتجاج الشعبية لغالبية السوريين من كل الطوائف بما فيها الجزء المظلوم والمسحوق من طائفة النظام، ما جعله في حالة رعب حقيقية، وكان لابدّ له من سحق بدايات هذه الاحتجاجات ليستقر له الحكم من جديد.

رعونة أجهزة الأمن المتوحشة مع المتظاهرين والمحتجين، وعدم قدرة النظام ببنيته المغلقة على نفسه على الانفتاح على إصلاحات جزئية، هو من ساعد على انتشار حركة الاحتجاجات وتحولها إلى ثورة شعبية عارمة.

أمام النظام طريقان، إما تقديم تنازلات جوهرية لحركة الثورة، أو مواجهتها بالعنف الشديد، فاختار الحالة الثانية غير مدرك أنه لن يستطيع الانفكاك عل منحدره الخطير الدموي، لهذا حين اقتربت حالة سقوطه طلب تدخل قوى شبيهة به طائفياً كحزب الله اللبناني الطائفي، ثم جنّدت له إيران ميليشيات شيعية من بلدان متعددة تحت أسماء طائفية مقيتة (زينبيون، وفاطميون وحرس ثوري).

هذه الميليشيات والدور الإيراني لم تكن يستطيع الصمود لولا التدخل الروسي لنظام بوتين الديكتاتوري في الربع الأخير من عام 2015.

هذه الحالة استدرجت للصراع السوري قوى إقليمية ودولية ذات أجندات مختلفة ومن مقدمات متباينة، وهذا يفرض على قوى الثورة والمعارضة أن تعقد مؤتمراً وطنياً سورياً للتباحث حول تعقيدات الوضع السوري والبحث عن حلول ناجعة تخرج جمود الحل السياسي وتدفع بعربة هذا الحال باتجاه تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالوضع السوري.

إن أي انتقال سياسي في سوريا عبر حكومة وحده وطنية، من الوطنيين الشرفاء المؤمنين بضرورة التغيير الشامل، تدفع لبناء سوريه الوطن الجديد على اسس سليمة وصحيحة ومتقدمة وغير طائفيه، سيجعل من أمر وجود كل المليشيات الطائفية المدعومة إيرانياً وللدور الإيراني والقوى العسكرية الأجنبية موضع اتهام دولي، وبالتالي ستضطر صاغرة في ظل حكومة جديدة بموجب القرار 2254 على الخروج من سوريا بدون قيد أو شرط، أو أنها ستجد نفسها أمام عملية سحق عسكرية يحشد لها الشعب السوري خلف قيادته الجدية. ولكي يتم تحقيق ذلك، فإن على هؤلاء السوريين المؤمنين بضرورة التغير الشامل وبناء سوريه الجديدة، أن يجدوا طرفاً دولياً يتبناهم ويؤمن بمشروعهم وهدفهم هذا، ويتعاطف معهم ويشترك معهم برؤيتهم وحلولهم. 

طرف دولي يكون عوناً لهم ويدعمهم، طرف يدرك إدراكاً جيداً خطر التهديد الإيراني القادم.

إن هذا بدوره يتطلب من هؤلاء السوريين خلق تحالف فكري وعقائدي واستراتيجي مع هذا الطرف الدولي، الذي من أحد أهدافه الرئيسية تشكيل جيش إنقاذ وطني لطرد الوجود الإيراني بميليشياته من سوريا.

إن طريق تحقيق ذلك قد يصطدم بالدفاع الشرس من قبل النظام الإيراني، ولهذا سيتوجب على السوريين حمل عاتق ومسؤوليه تنفيذ الحل الشامل والنهائي بالعمل على مواجهة النظام الإيراني بدعم الحلفاء الدوليين.

إن استقرار المنطقة العربية والعالم لن يتحقق مالم تتم هذه المواجهه. 

ومن هنا نقول إن مسار إسقاط جذر نظام الاستبداد الأسدي يجب أن يقترن بإزاحة وطرد الميليشيات الإيرانية الطائفية في سوريا، ولأن هذا سيصطدم بالمشروع والحلم الإيرانيين الكبيرين في المنطقة، فإنه سيحتم على السوريين سلوك مسار الحل الشامل بدعم ومؤازرة الشعب الإيراني لتحرير نفسه من استبداد وإرهاب نظامه، لتكون سوريا الجديدة مناره لطريق الحرية لشعوب المنطقة والذي على اجيال السوريين سلوكه.

الطائفية وكل ما بذلت من أجله إيران وحلفائها من الشيعية سيكون مجرد هدر مجاني على حساب الشعب الإيراني الجائع والثائر الآن في كل المدن ضد نظام ما قبل تاريخي، نظام ديني طائفي كريه يكره الإنسان وحرياته ويريده عبداً مطيعاً لنظام مبني على وهم عودة (المهدي المنتظر) أي في انتظار غودو.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني