fbpx

نحو وحدة وطنية: الإسلام يُعلِّمنا رفض الفتنة الطائفية

0 89

في خضمِّ المأساة السورية، برزت الفتنةُ الطائفية كأداةٍ لتفتيت النسيج الاجتماعي، تُحوِّلُ الاختلافَ الديني أو المذهبي إلى ساحةٍ للكراهية والعنف. لكنَّ النصوصَ الشرعيةَ وتجاربَ التعايش الإنساني في سوريا تُثبت أن هذا المسار ليس قدراً محتوماً، بل انحرافاً عن جوهر الإسلام وقيمه الجامعة.

الإسلام يحذِّر من أدوات التفرقة

لا يُخفي دعاةُ الفتنة أدواتهم: إثارةُ الخوف، وتزييفُ الحقائق، ونشرُ الإشاعات لتحويل “الآخر” إلى عدوٍّ يُستباح دمُه. لكن القرآنَ يحذِّرنا بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (الحجرات: 6)، فكيف يُبرِّر بعضهم اليومَ التكفيرَ والاتهامات المسبقة؟ حين يُوصم السنيُّ أو العلويُّ أو الدرزيُّ بالكفر، تُهدر إنسانيتُه، ويُنسى أن الإسلامَ جمعنا على أصلٍ واحد:َ {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (الحجرات: 13)

حرمة الدماء: خطٌّ أحمر شرعي

لا لبسَ في موقف الإسلام من سفك الدماء: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} (المائدة: 93). حتى التحريضُ اللفظي على القتل يُجمع العلماءُ على تحريمه، فالنبي ﷺ قال: «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ…» والأشدُّ وقعاً أن القرآنَ يبرئ البريءَ من جريمة الغير: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (فاطر:18). فلماذا نُحمِّلُ جماعاتٍ أو مذاهبَ وزرَ أفعال أفراد؟

سوريا: شواهد التعايش تُفحم المُحْرِضين

في ذروة الأزمة، قدمت قرى درزية وعلوية ملاذاً آمنًا لعائلات سنية نازحة، دون أن تُسجَّل حوادث اعتداء. وفي الساحل السوري، عاش النازحون السنّةُ بسلامٍ بين الإخوة العلويين، كما احتضنت السلميةُ الإسماعيليةُ إخوةً من كل المذاهب. هذه النماذجُ ليست استثناءً، بل دليلٌ على أن الانتماءَ الوطني قادرٌ على تجاوز الانقسامات حين نُعلِيه فوق العصبيات الضيقة.

المواطنة الجامعة: الخروج من النفق المظلم

الحلُّ يبدأ بإعادة تعريف الولاء؛ {فـإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: 13). التقوى هنا ليست شعاراً طائفياً، بل التزامٌ بالعدل والتثبت: {فَتَبَيَّنُوا قبل الحكم، ولَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} قبل الإدانة. المواطنةُ التي تقوم على تكافؤ الحقوق والواجبات هي الضامن الوحيد لسوريا المستقرة، فلا يُكرَمُ إنسانٌ إلا بأعماله، ولا يُهانُ إلا بجرائمه الشخصية.

خاتمة: الخيار بين الشجرة المثمرة والرماد

لن تُبنى سوريا بالخطاب الطائفي الذي يُحوِّلُ التنوعَ إلى نقمة، بل بالعودة إلى نصوص الإسلام التي تُكرِّم الإنسانَ وتحفظ دماءه، وباستحضار ذاكرة التضامن السوري التي أثبتت أن التعايش ممكن. الوحدةُ ليست شعاراً، بل ضرورةٌ وجودية؛ فإما أن نكون شجرةً واحدةً تُظلِّل الجميع، أو نتحول إلى رمادٍ تذروه رياح الفتنة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني