fbpx

معرفة الذات شرط النجاح

0 164

السيرورة الإنسانية انطلقت من الجهل إلى المعرفة، عبرها أنتجت المفاهيم التي استخدمت في بناء صروح معرفية متعددة تطورت وتبدلت وتجادلن وتكاملت الحرية والاستبداد من هذه المفاهيم، فبقدر مت هو الاستبداد مُنتَج معرفي بقدر ما هي الحرية مُنتَج معرفي أيضاً، والحرية والاستبداد مفهومان متناقضان متجادلان كل منهما يستوجب الأخر ولا يستقيم إلا بوجوده هذا هو جدل الحياة ولكن من المفهومين المتناقضين المتجادلين مناخه الذي ينمو من خلاله، لاستبداد وليد الجهل والتخلف، بدأت مسيرته مع بدايات المسيرة الإنسانية وتطور عبرها.

فب القديم كان العديد من القبائل البدائية ترى بلحم الإنسان الألذ من بين اللحوم، وكانت تستمتع بأكله….

والقبائل الإفريقية البدائية التي أطلق عليها ول ديورانت (الملاحدة البدائيين) لم تكن تعرف الله، وفي ذات الوقت لم تكن تعرف قيمة الإنسان، ولا تعطي أي أهمية لوجوده أو موته، وهذا يوصلنا إلى نتيجة مفادها أن المفاهيم منتج إنساني والوسط الاجتماعي الاقتصادي المعرفي هو من يعطي لهذا المفهوم أو ذاك قيمته وضرورته. فالاستبداد كما الحرية كلاهما يبدأ فكراً وتعكس نفسها في ذات الإنسان. الإنتاج المعرفي هو حصيلة جدل الفكر مع الواقع أينما كان، ويتوقف هذا الإنتاج على ميزان القوى بين الحدين المتجادلين المتناقضين.

كلما كان الإنسان عارفاً للواقع الذي يتجادل معه ويتحرك فيه، كلما كان الإنتاج أكثر وأفضل كماً ونوعاً والعكس صحيح أيضاً.

الإنسان مفهوم وقيمة، ومعرفة المفهوم تتحدد بمعرفة القيمة، وأدراك الإنسان لقيمته هو إدراك لذاته،

العقل الإنساني هو وسيلة الإدراك، فكلما نما العقل الإنساني وتطور، أدرك الإنسان أهمية وجوده، وتعزز دوره، ونمت ذاته الإنسانية، واتسعت دائرة عمله العقلي، وفي المقابل كلما انحصر العقل ومنع من العمل، اتسعت دائرة الجهل ونما الاستبداد وشرعن ذاته لذاته، والجدل لا يقتصر على حدّي التجادل في المفهوم الواحد بل إن دائرة الجدل أشمل وأوسع لان أغلب العمليات تقوم على الجدل والتجادل، خاصة منها العمليات العرفية التي بقدر ماهي وليدة الجدل بقدر ماهي صانعة له ومتجادلة مع بعضها بعضاً، مفهوم الحرية هو ثمرة وعي إنساني تاريخي نما في رحم الاستبداد ليتجادل مع الذات الإنسانية ويصبح ماهية العقل ومكملاً له، وهو المناخ الذي يمكنّ العقل من ممارسة عمله والانتقال إلى دائرة الفعل الصحيحة والسليمة، فالعقل والحرية مفهومان متكاملان، وجود وتطور كل منها يستوجب وجود الأخر وتطوره، كما للعقل الإنساني مناخه وشروط نمائه، فالحرية نمت في رحم الاستبداد كما أشرت وهي متجادلة معه على أرضية التضاد، ومتجادلة مع العقل على أرضية التكامل، وإذا كان مناخ الحرية هو المناخ الصحيح والسليم لحركة العقل الصحيحة والسليمة، فإن مناخ الجهل هو المناخ المناسب لحركة الاستبداد ولسيادته وإمكانية تبرير وجوده.

ومفهومي الحرية والاستبداد كل منها معيار الأخر ومبرر لوجوده، وكل من هذين المفهومين ينموان في ذات الإنسان الفرد وفق المناخات التي هي من صنعه ومن إنتاجه، ويظهران إلى العلق عبر الفعل، مثلهما مثل أي من المفاهيم الأخرى. ويتجلى هذا الفعل في الذات الجمعية حيث تظهر معالمه بصورة واضحة وجلية.

فالإنسان الذي يرى طريق الوصول إلى الفضيلة بقهر الذات التي يعبّر عنها بقهر النفس تقوده تلك الطريق إلى بداية نماء العنف الذاتي الذي يؤسس لأشكال متعددة من الاستبداد نرى وجوهه تتجلى في مجتمعاتنا هنا وهناك.

إذا كان الاستبداد يشرعن وجوده عبر أنظمة وقوانين، وتحت مظلات وذرائع عديدة هذا لا ينفي بأنه يبدأ فكراً وينمو في مناخ مواتٍ كما أشرت، أي أنه لا يأتي من خارج ولقعه لينتزع حرية الناس، ويستبد بهم، بل يتولد من الجهل ويزول بالمعرفة.

والحرية لا تنتزع من المستبد بعد أن تدرك من الإنسان والمجتمع لأنها أيضاً تبدأ فكراً وتنمو في حاضنة فردية اجتماعية متجادلة كما الاستبداد وكما أشرت أيضاً، فإذا عرف الإنسان قيمة الحرية هذا يعني بأنه عرف تجادلها مع ذاته الإنسانية الجمعية المانعة لنمو الاستبداد والكاشفة لظلمة الجهل عبر أنوار المعرفة الإنسانية.

فالحرية والاستبداد كل منهما ينمو في وسطه وفي جوه المناسب وأي ثمار لأي منهما هو في ذات الوقت نفي أو انحصار للأخر. لذلك نقول بأن الحرية لا تؤخذ قسراً، ولا تتحقق اجتماعياً دون أن تدرك قسمتها فردياً، فهي عملية إنتاج إنساني وقيمة إنسانية تتحدد مساحتها بمستوى هذا الإدراك لأن الحرية الفردية هي أساس الانطلاق الإنساني وهي مفهوم كلي كباقي المفاهيم الكلية تنمو وتتسع دائرتها في السيرورة التي تجمع بين العمل والمعرفة على أرضية التجادل والتكامل، وهي لا تتجزأ كما يقال “بممارسة الحرية في الإطار السياسي دون الاقتصادي” وكل من هذين المفهومين تجليا في الذات الفردية لينتجا ذاتين متناقضتين ومتعارضتين، الذات الإنسانية التشاركية، والذات الإنسانية الفردانية. الذات الأولى هي منتج (عقلي إنساني) منتج الحرية، والذات الثانية هي منتج جهل الاستبداد، وهي التي تسوغ له لأنها أساس وركيزة بنائه الاجتماعي والسياسي والمعرفي، نحن الآن نعمل للانتقال من ذات فردانية أنانية إلى ذات إنسانية تشاركية بكل تجلياتها الفردية والجمعية.

في المراحل السابقة وحتى الآن كانت الذات الفردانية هي المتحكمة في ثقافتنا ومعارفنا وسلوكنا العام والخاص على الصعد كافة، فردية كانت أم جمعية وما نراه الأن على أرض الاقع في ساحاتنا السورية وغيرها من الساحات من قتل وتدمير للإنسام والوطن من فعلها.

إن الذات الفردانية هي البنت الشرعية للتخلف والتردي والتأخر المعرفي وملحقاته (اقتصادي، سياسي، اجتماعي.. الخ) وهي المولّدة لكل أفعالنا الخاصة والعامة وهي المعيار في تجلياتها كافة في الفرد والجماعة كونها ثمرة تاريخ طويل من مغادرة الإنسان لذاته التشاركية.

نصبو لبناء ذات إنسانية تقوم على أسس ومعاير جديدة تنشأ على تربة جديدة في وسط جديد نوفر لها المتطلبات الضرورية واللازمة للوصول إلى إنبات سليم، لتشكل أساساً ومرتكزاً لإنباتات متعددة، متجادلة متناقضة متوافقة متباينة، لكنها في إطار الوحدة المنتجة بين حدي الجدل الأساسين المادة والفكر.

لنرى الجدل بعلاقاته وتناقضاته المنتجة المولّدة لما هو جديد، وأن نوفر لهذا الجدل كل المناخات التي تساعده على الإنتاج الصحيح والسليم “كماً ونوعاً” وبذلك نكون قد وضعنا قدمنا على سكة التطور الجامع بين اللاإرادي والإرادي ونرى العلاقة بين العلة والمعلول بين السبب والنتيجة، أن الحياة وسيرورتها هي نتيجة لجدل العقل مع الواقع وهي جدل الإنسان العاقل والحامل لهذا العقل مع الطبيعة أينما وجدت، فالإنسان بقدر ما هو ابن الطبيعة بقدر ما هو فاعل ومنفعل فيها (الانفعال الإيجابي وليس السلبي) بقدر ما هو منتج لها بقدر ما هو مُنتَج فيها وهنا يمكن دورنا في توفير المناخ لهذا الإنبات كي يكون إنباتاً سليماً وصحيحاً وصحياً، بالذات الفردانية هناك شكل من أشكال التماهي بين الفكرة وصاحبها بين الحزبي والحزب بين المتدين والدين لأن العلاقة بينهما علاقة غير جدلية علاقة تابع ومتبوع.

لأن الجدل يقوم على فعل الحدين المتجادلين وليس على وجودهما فقط، والناتج هو نتاج فعلهما، والإنسان هو اللبنة الأولى في أي بناء جمعي، وعلى فاعلية هذا الفرد تتوقف إيجابية هذا الفعل أو سلبيته، والعملية المعرفية طيلة المرحلة السابقة أخذت بأهمية الجماعة، وانطلقت منها أكثر من الفرد بل كان الفرد مغرّب عن ذاته ومستلب العقل لصالح الجماعة، ديناً كان أم سياسة، ولم يكن الجدل الذي أشرت إليه قائماً في هذه العلاقة. جل أعمالنا السابقة استندت لتجارب ونظريات أنتجت خارج الواقع المعيش وبأرض غير أرضنا وبأدوات غير ناسنا وذلك في الوجهين ماضياً كان أم حاضراً، فالإنسان في مثل هذه الحالة يكون وعاءً ناقلاً فاقداً لقدرة الفعل لأنه متلق وناقل فقط، ولما كان غير مسموح له بالنتاج المعرفي أو إدخال معارف جديدة أو مناقشة ما يؤمن به لابدّ أن يتحول إلى إنسان غير منتج لذاته قبل أن يكون منتج لغيره، لأن الحرية كما وصفها هيغل ماهية العقل والعقل المحاصر والممنوع يتحول فعله وإنتاجه إلى أساليب وطرق تتنافى مع لذات الإنسانية، وتبدأ في تكوين الذات الفردانية، وفي بناء معايير جديدة وخلق الأشكال من الصراع وتشويه المفاهيم واللعب في دلالاتها أو الوقوف موقف العاجز أمام بعضها ورفعها إلى مصاف المقدس، وتتسع دائرة ذلك وصولاً إلى عبادة الفرد ورفعه كما هو جارٍ في مجتمعاتنا إلى مصاف الآلهة عند العديد من الناس، ويصبح الجهاد من أجلها كما الجهاد وفق المفاهيم الدينية المتزمتة. وهذا يتجلى في الدين وعند المتدينين كما يتجلى في السياسة والسياسيين وفي أوجه أخرى عديدة.

فالإنسان المستلب والمغّرب عن ذاته كما وصفه ماركس، هو إنسان تتقاذفه أهواء الفردانية ومنظوماتها الدينية والسياسية ومصفوفاتها المعرفية التي تقوم على صنمية الفكرة وبولدة العقل، ويصبح الإنسان ابن هذا الواقع وجزء منه وأداة من أدواته العاملة على استمراره والموت حياله. إن إنتاج الذات الإنسانية التشاركية التي يتلازم فيها الأنا والآخر وبأن الآخر هو الأنا والأنا هو الآخر على أرضية التشاركية الإنسانية، والتناقض والاختلاف هو الحالة الصحية والضرورية للإنتاج لأنه يقوم على مبدأ الوحدة والتضاد، هذه هي حقيقة الجدل غير النافية لأي من الحدين المتناقضين، وتؤدي إلى التكامل لأن الحياة الإنسانية لا تقوم على ركيزة واحدة، ولا تنتظم في سياق واحد بل هي أشكال لا تحصى وهذا سر تكاملها.

إن الذات الفردانية ترى بالآخر المختلف عدو، لا يمكن التعايش معه ولا ترى من الصراع إلا الجانب التناحري، لأن استمرار وجوده خطر عليها. وهي تجعل من ذاتها المحور لنشاطها والمعيار لسلوكها.

بينما الذات التي أطلقنا عليها التشاركية تنمو بنماء الآخر المتخلف، والاختلاف نعمة بدلاً من النقمة، الحياة تقوم على الاختلاف لأنه المولّد لها على كل الصعد الحياتية وخاصة منها المعرفية التي تشكل الحاضنة الأساسية للإنتاجات الأخرى.

وحتى لا نذهب في الخيال وتسيطر علينا الرغبات وتعيدنا من حيث أتينا، وكي لا نعتقد بأننا وجدنا البلسم الشافي لكل أمراضنا، لابد في أوقات كثيرة تتلبسنا ولا نستطيع الانفكاك منها لذلك علينا ونحن من نرغب في المساهمة في بناء الذات التشاركية الإنسانية أن ننطلق من ذواتنا وبالتجادل مع عملنا العام، وأن نعرف وبدقة متى وكيف نمنع تأثيرها على عملنا وسلوكنا وإنتاجنا. (وفق الإمكان) وإذا ما شعرنا بمخاطرها لابد أن نحد من تأثيرها، ومحاصرتها في ذواتنا وذوات الآخرين، إن هذه البداية لا تنتهي في غاية واحدة، بل هي أساس لإنتاجات عدة لأي بناء مستقبلي يعتمد العقل.

نبدأ من لإنسان لتحقيق الذات الإنسانية لنضع قدمنا على سكة التطور والتقدم فعلاً صحيحاً وليس وهماً، ولنلتحق بركب الشعوب لمتحضرة وتغادر دائرة التخلف، لننتج هويةً جديدة لها تمايزها وتجادلها مع هويات الشعوب، هوية يشكل الإنسان والقيم الإنسانية جوهرها، لنتخلص من النظرة الأحادية التعصبية المتخلفة وغير الصحيحة، لننظر إلى الجانب الإنساني في تراثنا ونرى أنفسنا في هذا التراث، وأننا جزء من إنتاجه بل نحن من انتجناه، في سلبه وإيجابه، لأن العقل المنتج ينتج الخطأ كما ينتج الصواب، وليس هناك من إنتاج دون خطأ، ونعطي لهذا التراث هويتنا حتى يكون قابلاً للتجديد ونزيل عنه صفة المقدس المانعة لحركة العقل والمشوهة له.

إن بناء العالم الإنساني يتم عبر الإنسان ومنه وبه وله كما ورد في المعتقد التوحيدي، منه الانطلاق وهو الوسيلة والغاية لأن العالم عالمه. وهو الكائن العاقل الوحيد أو كما وصفه ديكارت هو الكائن المفكر، وكما وصفه فراس السواح هو الكائن الوحيد المتدين، وكما وصفه أصحاب النظرية الفنية هو منتج الفن وهو من يتذوقه ويدرك قيمته، وهو من صنع الاله عبر الزمن وهو من أدرك ضرورته، وهو من قال إن الله لا يعرف إلا بالعقل وبإن مقاصده إنسانية، لأنه هو من غرس النور في ذواتنا، والنور فيض منه الوحدة والإنسانية في معاني الدين وحدة متحققة في النوع الإنساني لان الله أبدع العقل وعقّل به لبشرية جمعاء.

إن إدخال الدين في هذا السياق هو للقول بأن السيرورة المعرفية هي خلاصة لكامل الجهد الإنساني وعلى الصعد كافة، وبأن لا وجود في الحياة للإيجاب المطلق أو السل المطلق وهذا ما يقوله لما الجدل وعلى أرضية هذا التكامل تقوم الحياة. وحتى لا نتوهم أيضاً بأننا نحن من نقوم في بناء هذه الشخصية، إننا بلا شك نشارك بقسط لا أعلم ما مداه ولكنه مهم لأننا نضع قدمنا حسب اعتقادي على السكة الصحيحة للسيرورة ليس أكثر، وإنها ستحقق فائدة وأساساً سليماً لما نرغب عمله في حقول متعددة وخاصة منها المعرفية بالإضافة إلى الصعد الأخرى.

نعم نحن نؤسس لبناء جديد بكيفية جديدة يشكل الإنسان حجر الرحى في بنائه وغاياته لأننا ننطلق من رؤيتنا إلى وحدة الشكل والمضمون ووحدة الظاهر والباطن، ولأن الإنسان يكتنزه في ذاته ويحققه عير صراعه المتجادل مع حركة الواقع المعيش.

إن ما نفعله ليس ببسيط إذا ما وضعناه على المسار الصحيح لأننا وغيرنا نملك طاقات وحالة معرفية متميزة وغنية وما نحتاجه الآلية التي عبرها نوظف هذه الطاقات، نحسن استخدامها، لأن الحرية تقوم بالأساس على حرية حركة الفكرة وحرية حركة المفهوم (الحرية في إنتاجه) فلندع أفكارنا أو الفكرة التي نطلقها تسبح في سماء المعرفة يقلبها العارفون كيف ما يشاؤون، ولندع الصراع في الإطار المعرفي، وفي وسائل وأساليب معرفية بعيدة عن التماهي معها، بل نرافقها من أجل بلورة ما نريد وصولاً إلى بناء معرفي ذاتي متجادل مع حركة الواقع ومع من حوله من الأبنية المعرفية الأخرى، والجدل يتضمن الأوجه كافة من تناقض واختلاف وتباين وتوافق، فليكن الصراع المعرفي تنافسياً محفزاً للإنتاج ومكملاً لبعضه بعضاً بعيداً عن التعصب، لأن التعصب جهل في كل المعايير.

إن ما هو مطروح الآن هو العمل من أجل توحيد جهود المعارضة.

أولاً: فلنتفق ماذا يعني هذ المفهوم وأي شكل نريد أو بتعبير آخر كيف لنا أن نجمع بين جهود هذه المعارضات.

ليكن الانطلاق بهذا المفهوم من كل من يرفض ما يجري على ساحتنا السورية من قتل وتدمير وصولاً إلى الحد الذي يتنافى مع الذات الإنسانية التشاركية أو المعيار الذي يجب أن يكون الفيصل وهو محورية الإنسان حاضراً ومستقبلاً.

وأن ننطلق مما هو متفق عليه ونحافظ على الاختلاف والتباين ونجعل من وحدة الجهود مناخاً حراً للاختلاف.

وليس من خلال حقه بل من خلال معرفتنا الكاملة بأن الاختلاف حالة صحية في سيرورتنا على الصعد كافة.

ومفهوم الاختلاف مثل باقي المفاهيم له مجموعة دلالات ومعاني بالإضافة إلى المعنى المركزي المعروف لدى الكل، غير أن ما نقصده بالاختلاف في عملنا هو الاختلاف المحفز لبلورة المفاهيم والعمل من أجل الوصول إلى ثقافة ديمقراطية إنسانية الطابع والمقصد، أن نعمل على وجود آلية تحافظ على هذا الاختلاف إلى وحدة الجهود. هذا ما يضعنا على السكة الصحيحة لعملنا. دون أي عداء أو نفي أو اتهام أو الأخذ بالعقلية التآمرية التي كان لها ضررٌ بالغ في فكرنا وعملنا السياسي. إن الأخذ في الأسلوب العلني المنطقي الصحيح الصادق بدءاً من ذواتنا الفردية إلى ذاتنا الجمعية إلى الحاضنة التي نتوجه إليها إلى الأطراف المستهدفة سيكون له أثر بالغ في النفوس وسيجد المؤيدين والمريدين وبالتالي لن نترك الساحة لتلك الجهات التي يسخرون كل ما في وسعهم من أجل تحقيق غاياتهم وتشويه الدين والسياسة وأخذنا إلى غابر الأزمات تحت حجج وذرائع غير واقعية وغير صحيحة. وإذا كانت جلُّ الأطراف المتصارعة المتقاتلة على ساحتنا السورية التي لا تأخذ بأسلوب نفي الآخر فقط بل قتل الإنسان بداخله إذا بقيا على قيد الحياة بحجة الوطن والوطنية وبذريعة الممانعة ومعاداة إسرائيل والإمبريالية والاستعمار… إلخ أو تحت ذريعة الدين والصراع الديني أو الجهاد والجهادية لإنقاذ الأمة من الإلحاد ووضعها على سكة الدين الصحيح إن هذه القوى التي تتقاتل تحت هذه الذرائع والحجج تتشارك في الجذر بعقلية واحدة وتأخذ الأمة والوطن إلى اتجاه واحد إلى الهاوية (إن من يدمر الإنسان والأرض ليس بوطني ولا صلة له لا بالوطن ولا بالإنسان ولا بحقيقة الصراع العربي – الإسرائيلي) إن ما تخشاه إسرائيل الآن ليس هذا الطرف أو ذاك بل ما تخشاه تحرر الشعب السوري من كابوس الاستبداد وتحقيق ذاته الوطنية الصحيحة والهوية الجامعة (هوية المواطنة).

إن جوهر الصراع العربي – الإسرائيلي إنساني، والقيمة الفعلية لأي أرض تتحدد بقيمة الإنسان المقيم عليها وهو من يعطي قيمة لها ولغيرها فما دام الإنسان غير مدرك لذاته سيبقى وسيلة عند هذه القوى ومثيلاتها مستلب الإرادة مغرب عن ذاته فإن كل ما يقال على هذه الصعد هو كما قال علي بن أبي طالب (كلمة حق يراد بها باطل) وانطلاقاً من الصدق مع الذات وحتى لا أجمع قسراً بين القاتل والضحية وأساوي بينهما، أقول بأن الطرف الذي يتحمل المسؤولية الأولى هو النظام الذي استقطب واستقدم القوى المضادة له والتي هي على شاكلته. ولابد من الفصل بين بدايات الحراك في سوريا وبداية تحرك المعارضة التي عرضت على النظام أن يقود هو عملية التغيير الديمقراطي في بيان صدر في 25 شباط2011 أي قبل انطلاق التحرك بدرعا بـ20 يوم والدراس للحراك في سوريا وظروفه وبداياته والفعل الذي حصل، يصل إلى نتائج كثيرة الوضوح في تحديد المسؤول.

ولكننا لسنا في صدد محاسبة المسؤول الآن ولابد للمستقبل أن يحاسب كل من أخطا بحق الشعب والوطن فلندع ذلك إلى المستقبل وهو الذي يحدد ذلك شكلاً ومضموناً وزمناً حتى لا نعود إلى الاختلاف والاقتتال على كل الأطر والساحات.

إننا ندرك بأن عملنا هذا إذا أحسنا للقيام به سيثير حفيظة كل القوى وعلى رأسها النظام. لأننا نعمل على إقامة أساس معرفي نقيض لما هو قائم محوره الإنسان، ومناخه الحرية، تحت مظلة الوطن الموحد، وبهوية جامعة (المواطنة)، بكل مكونات الشعب السوري، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، (واحد واحد الشعب السوري واحد) لنضع هذا الشعار الذي رفعته قوى الثورة السورية على أرضه السليمة ونعمل تحت رايته.

إن الأسس المعرفية التي تعطي لهذا النظام مبررات وجوده موجودة في الساحات السورية كافة وفي الإطارين (موالي ومعارض)، وهي السائدة في السويداء، كما في غيرها من المحافظات، فيها يكمن خطر تقسيم سوريا لأنها مصفوف ذوات جوهرها فرداني تقوم على التعايش بدلاً من الذات الوطنية الواحدة المتركزة على الذات الإنسانية التشاركية. إن طريقنا ليست سهلة، ولكن لا من الولوج فيها رغم صعوبتها. إن الوطن بحاجة الآن إلى العقلاء ورجال الفكر المخلصين من أبنائه بالإضافة إلى المقاتلين الشرفاء أبناء الثورة الحقيقيين، للعمل على إنقاذه بما هو فيه من حرب عبثية تدار بعقل ماضوي ثـأري أو تكفيري لضرب أي توجه ديمقراطي تحديثي يصع سورية على سكة التطور والتقدم في ظل نظام ديمقراطي حامي للحريات العامة ولحقوق الإنسان.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني