fbpx

مرسوم الأسد التشريعي 13.. مكتوب معروف من عنوانه

0 321

تلعب الخدمة الإلزامية للمواطنين في جميع دول العالم دوراً هاماً في تقوية الروابط بين الأفراد وتعميق الانتماء الوطني وتُدعم مفهوم المواطنة، فالقوانين الناظمة للخدمة الإلزامية هي لبنة أساسية مُنجزة ضمن البناء القانوني الشامل المتقن الحضاري الذي يحترم الإنسان ويحترم الوطن ويحقق العدالة الاجتماعية، فالقوانين بطبيعتها ذات رسالة سامية في حياة الشعوب تثبت الاستقرار في العلاقات، وتنشر الأمان وتحمي الحقوق، لذا لا بد أن ترافق كل قانون حزمة من العقوبات الرادعة، لتضمن تحقيق القانون لأهدافه، وحيث أن فلسفة العقاب متلازمة في مسيرة تطبيق القوانين وهي أمر محتم، طالما أن هدف العقوبة الحفاظ على الاستقرار والأمان والازدهار في المجتمع، وعندما تكون القوانين خاضعة لجميع قواعد العدالة وسائدة على الجميع، لا حاكم فوقها ولا محكوم فهي حتماً نبيلة بغاياتها منجزة لمهامها الوطنية والحضارية، وخادمة للإنسان والمجتمع والدولة.

والحديث عن العقوبات المالية في المرسوم التشريعي رقم 31/2020 يحرض فضولنا للحديث عن أهداف النظم الضريبية بمفهومها العام الشامل التي تتلخص بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية على جميع الأصعدة، وغايتها الإنسان أولاً والمجتمع ثانياً بل كلاهما، لأن وجود الإنسان مرتبط بمجتمعه، وازدهار الإنسان مرتبط بازدهار المجتمع، وإن الرسوم والضرائب التي تفرضها الدولة هي أهم ركن من أركان السياسة المالية المسخرة لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بتوزيع الثروات بين الأفراد وتنظيم الدخول ومواجهة الأزمات الاقتصادية، رغم أن سياسة الدولة ونوع الحكم فيها يؤثران في النظام الضريبي وبطرق أداء وظائفه، لكن في جميع أنحاء العالم تسعى النُظم الضريبية لخدمة مواطنيها في بيئة اقتصادية مستقرة، وبيئة اجتماعية فاسحة للإبداع والابتكار.

إلا أن الاستراتيجية الضريبية في الأنظمة المبنية على الاستبداد والمسيطرة على ثروات الدولة تسير في اتجاه آخر لا يعنى بشفافية العدالة، بل تتحكم القوة بإرادة المشرع لتثبيت أركان السلطة وتحقيق مصالحها، لذا لا قانون ضريبي نموذجي تحت سلطة الحاكم المستبد الذي يسخره كوسيلة استغلال للضغط على حقوق وحريات الأفراد، ويصير مفهوم التنمية الاقتصادية والاجتماعية كلاماً رومانسياً لا علاقة له بالواقع.

المرسوم التشريعي رقم 31 الذي صدر بتاريخ 3/11/ لعام 2020 الذي عدل بعض مواد قانون خدمة العلم التي وردت في المرسوم رقم 30 لعام 2007 له رأي مختلف سوف نستعرض بعض التعديلات وليس كلها ((لأن المكتوب سنعرفه من عنوانه)) 

لن نسهب بالشرح حول تفاصيل جميع النقاط التي تناولها المرسوم بالتعديل ويمكن للمهتمين بذلك الرجوع إلى المنشورات الإلكترونية الكثيرة التي غطت وسائل النشر الإلكترونية. 

أولاً: نلفت الانتباه إلى أن هذا المرسوم هو الثالث منذ اندلاع الثورة السورية، حول بدل خدمة العلم، كان الأول في نهاية تموز من العام 2011، وخفض بموجبه البدل النقدي من 6500 دولاراً إلى 5000 دولار، ثم تلاه مرسوم ثان في العام 2013 قضى برفع قيمة البدل من خمسة آلاف إلى 15 ألف دولار أميركي، ولمن كانت إقامته لمدة لا تقل عن خمس سنوات، بدلًا من أربع سنوات.

من أهم التعديلات الواردة بالمرسوم التشريعي رقم 31 تاريخ 3/11/ لعام 2020:

 1- يحق للمكلف بالخدمة الإلزامية الذي تقرر وضعه بخدمة ثابتة دفع بدل نقدي مقداره 3 آلاف دولار، أو ما يعادلها بالليرة السورية حسب سعر الصرف الذي يحدده مصرف سوريا المركزي.

2- يحق للمكلف المقيم خارج أراضي الجمهورية العربية السورية في دول عربية أو أجنبية دفع بدل نقدي وفقاً للآتي:

‌أ- سبعة آلاف دولار أمريكي لمن كانت إقامته لا تقل عن أربع سنوات قبل أو بعد دخوله سن التكليف.

‌ب- ثمانية آلاف دولار أمريكي لمن كان مقيماً مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولم يتم أربع سنوات قبل أو بعد دخوله سن التكليف.

‌ج- تسعة آلاف دولار أمريكي لمن كان مقيماً مدة لا تقل عن سنتين ولم يتم ثلاث سنوات قبل أو بعد دخوله سن التكليف.

‌د- عشرة آلاف دولار أمريكي لمن كان مقيماً مدة لا تقل عن سنة واحدة ولم يتم سنتين قبل أو بعد دخوله سن التكليف.

‌هـ- ثلاثة آلاف دولار أمريكي لمن ولد في دولة عربية أو أجنبية وأقام فيها أو بغيرها إقامة دائمة ومستمرة حتى دخوله سن التكليف.

‌و- ستة آلاف وخمسمئة دولار أمريكي لمن ولد وأقام في دولة عربية أو أجنبية مدة لا تقل عن عشر سنوات قبل دخوله سن التكليف ويطرح منها مبلغ خمسمئة دولار أمريكي عن كل سنة إقامة تزيد عن ذلك وحتى سبع عشرة سنة ضمناً.

3- يُغرّم المكلف الذي يرغب بدفع البدل النقدي وتجاوزت إقامته خمس سنوات بعد دخوله سن التكليف بدفع مبلغ مئتي دولار أمريكي عن كل سنة تأخير.

4- يغرم الموفد الذي يرغب بدفع البدل النقدي بمبلغ مئتي دولار أمريكي عن كل سنة تأخير تلي سنة حصوله على الشهادة.

5- يعتبر الجزء من السنة سنة كاملة.

تلك مقتطفات من المرسوم بما يتعلق بالغرامات أو العقوبات المالية 

ومن المعهود أن يرافق صدور كل مرسوم أو قانون لائحة تنفيذية توضح آلية التنفيذ، لكن رافق هذا المرسوم بيان شفهي أُعلن عنه في وسائل النشر الإلكتروني من رئيس فرع البدل والإعفاء، العميد الياس بيطار، للشبان السوريين في الخارج، إذا لم يقدموا على دفع البدل المستحق لإعفائهم من التجنيد الإجباري سوف يحجز على أموالهم المنقولة وغير المنقولة وجعل الحجر التنفيذي يلاحق أقارب الشخص المكلف كما لو نحن بصدد عقوبات جماعية، وهذا ما لا يصدقه العقل والمنطق وهو مطلب ينافي الشرعية القانونية لمفهوم العقوبة التي هي شخصية محضة، مرتبطة تماماً بالمذنب، إنها سرقة واضحة ورغم تبريرها بهذا الغطاء القانوني الذي يسعى لتجميل القبائح، وأكد رئيس فرع البدل والإعفاء بأن كل مواطن في الجمهورية العربية السورية حتى لو تجاوز عمره 42 سنة ولم يلتحق بالخدمة العسكرية لن يعفى من دفع البدل النقدي وقدره مبلغ ثمانية آلاف دولار أميركي”.

حتى لو كان المكلف بالخدمة يستحق الإعفاء من البدل في قانون خدمة العلم وعنده الموجبات والأسباب للإعفاء، فلن يتمتع بهذا الحق بناء على ما ورد في البيان الشفهي، بل عليه الدفع بالعملة الصعبة، وهذا الإصرار على الدفع بالدولار واليورو يؤكد إفلاس النظام الذي كان يطالب المكلفين الدفع بالعملة الوطنية قبل الثورة.

السؤال الذي يطرح نفسه من هو المسؤول عن إفلاس النظام هل هو الشباب السوري؟

ومن الذي هدرَ أموال الشعب السوري؟

بأي وجه أمام المجتمع المحلي والعربي والدولي يطالب النظام شعبه الذي فر من ظلمه بأن يدفع له بدل الخدمة الإلزامية تحت مظلة الوطن؟

(وكيف يطالب القاتل ضحيته بالتعويض؟)

عود على بدء، ليس من المنطق أن تستغل الدولة النظام الضريبي كأداة لاستمرار سلطتها على حطام الإنسان والمجتمع، وضد مصلحة الوطن العليا التي تستوجب العدالة الاجتماعية والاقتصادية والعيش الكريم بأمن وسلام، تحت مظلة سيادة القانون فهذا يناقض دستورية القوانين ويجعلها باطلة منعدمة الأثر.

في سوريا بعد الثورة، أضحت السلطة التشريعية أداة من أدوات الحرب ضد الشعب السوري، والحديث عن العنف القانوني الذي تمارسه سلطة النظام لا يمكن حصره بسياق واحد، إن النظام استخدم أقصى ما يمكن من استغلال سلطته التشريعية، في ظل عدم فصل السلطات وعدم استقلال السلطة التشريعية والقضائية، فعدلَ وغيرَ بالدستور وبمعظم القوانين الداخلية ليكسب جولته ضد شعبه الثائر المطالب بحقوقه المشروعة على جميع الأصعدة. 

أين نحن في سوريا من الجيش الوطني الذي يضم شباب الوطن تحت مظلة المواطنة والقانون؟، وأين نحن من الانتماء وماذا فعل النظام بالشباب عندما أمرهم بقتل إخوانهم في الوطن بحجة وجود عصابات إرهابية؟

لن أطيل الغوص في تلك المتاهة التي تبدأ ولا تنتهي من معاناة الشعب السوري مع القوانين المدمرة للحقوق، المنتشرة في وسائل التواصل ومواقع الأبحاث والدراسات والصحف الورقية والإلكترونية، التي يعرفها القاصي والداني.

لماذا غادر الشباب سوريا؟ حتماً هم لم يغادروا طلباً للمال وللعمل، بل لأسباب كثيرة واضحة وأهمها في بداية الثورة، كانت الانشقاقات من الخدمة والخروج هرباً من القتل المحتم فمن لا يطلق الرصاص على المتظاهرين سلمياً سوف يُقتل، المجند الذي تفهم الأمر لا يستطع الاعتراض على أمر إطلاق الرصاص لأنه سيعُدم ميدانياً أو سيقتل أهله؟؟

وكم من المعترضين تمت تصفيتهم ميدانياً، وعندما سقطت أكذوبة الجيش الوطني، اضطر المجند السوري للانشقاق والمغادرة هرباً من قتلٍ محتمٍ، فهو يؤمن بأن مهمة الجيش الوطني حراسة الحدود ليحمي الوطن من العدو، وليس ليقتل شعبه بأمر من القائد العام للجيش والقوات المسلحة!؟

كيف يعود من غادر سوريا خوفاً من قتل الجيش له، وكيف يثق بالقائد العام للجيش والقوات المسلحة الذي استباح دمه؟

حتماً لن يعودوا والمقصود من هذا المرسوم الاستيلاء على أملاكهم وأملاك ذويهم.

الشعب السوري شعبٌ جبارٌ وذكيٌ مبتكرٌ، لكن النظام ما زال ينظر إليه بأنه خادم في مزرعته، هؤلاء الشباب الذين فقدوا كل شيء، وقضى معظم ذويهم تحت أنقاض بيوتهم، قد وضعوا الملح فوق الجرح ومضوا يكافحون في بلاد اللجوء من أجل حياة كريمة، لن يدفعوا للنظام ثمن قوتهم وبالعملة الصعبة ولن يمنحوا النظام فرصة استرداد قوّته ليستكمل تدمير الوطن ويمعن باستبداده.

هذا المرسوم يعتبر من أسوأ المراسيم التي تمس كرامة الإنسان السوري، وهو يعكس حقيقة النظرة الدونية للنظام تجاه شباب سوريا، وحرصه الشديد على استغلالهم واستثمارهم لأقصى درجة باسم قانون الخدمة الإلزامية تحت مظلة الوطن، لكن الشعارات المزيفة لم تعد تجدي نفعاً، والوطن ليس تسويقاً أو سلعة استثمارية، الشعب السوري الذي ثار على الظلم ما زال يتمسك أكثر وأكثر بقيم الثورة السورية التي تطالب بالعدالة ودولة القانون واحترام حقوق الإنسان. لقد دمر النظام القيم الوطنية كاملة، وفقد شرعيته منذ أن وجه الرصاص نحو صدور أبنائه، وكل ما أصدره من مراسيم وقوانين فهي منعدمة الأثر، لكنه ينفذها بالقوة وسلطة النفوذ.

رغم أن العقوبات المالية من المخالفات والمصادرات العينية والنقدية ذات أهداف رادعة لمرتكب الجرم وهي شخصية تمسه دون غيره من أسرته، فهي ترجعُ بقيمتها المالية لتصب في مصب التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول المبنية على الديمقراطية، وتتكرر دورتها لبناء المصلحة العامة للمجتمع، فأين المجتمع السوري الحالي الخاضع لجميع أشرعة الاستبداد والاحتلال من هذا المنطق السليم؟.

وأخيراً الشباب السوري ليس مذنباً بموجب هذا المرسوم ولا يترتب عليه واجب الدفع، لخضوعه للقوة القاهرة التي أجبرته على مغادرة الوطن، وهو ينتظر الفرصة القادمة بعد زوال حكم النظام ليبني الوطن على جميع الأصعدة تحت مظلة سيادة القانون وحتمية العدالة الاجتماعية واحترام الإنسان.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني