fbpx

ليس دفاعاً عن “سلطة أمر واقع” كما تعتقد يا صديقي العزيز!!

0 61

أين تكمن خطورة حماس على نضال الشعب الفلسطيني التاريخي؟.

هي نقطة جوهرية، تحدد طبيعة المعيار الوطني الذي يحكم على سلوك حماس، والوظيفة الإقليمية لجميع أشكال الإسلام السياسي الجهادي! 

المسألة الجوهرية التي يتجاهلها الداعمون لمقاومة حماس من الإسلاميين والقوميين هي قضية العسكرة، التي ارتبطت على كامل الإقليم وفي سوريا بالأسلمة، ما عدا تنظيمات PYD، والتي اتخذت شكلاً قومياً – ديمقراطياً!.

في ظل خلل موازين قوى الصراع العسكري لغير مصلحة الشعوب المناضلة من أجل التحرر والدمقرطة، شكلت الانتفاضات والثورات الشعبية السلمية أفضل أدوات مواجهة سلطات أمر واقع، مدججة بالسلاح، ومسنودة بشبكة واسعة من المصالح والسياسات الإقليمية والدولية.

هكذا انتصرت ثورة الشعب الإيراني السلمية العظيمة في طهران خلال شهر كانون الأول 1978، وشكلت حكومة انتقالية ديمقراطية بقيادة صاحب الأغلبية البرلمانية الذي كان ينتمي إلى حزب مصدق نفسه الذي أقام حكومة ديمقراطية في الخمسينيات، قبل أن يقلبه غزو أمريكي وبريطاني وفرنسي عام 1953.

في مواجهة تحديات حراك الشعوب السلمي، التحررية والديمقراطية، شكل أسلوب العسكرة والتطييف أقوى وأكثر أدوات قوى الثورات المضادة للتغيير الديمقراطي والتحرر الوطني نجاعة، وقد تم استخدامه في سوريا بشكل متصاعد ومدروس منذ خروج مظاهرة المثقفين في دمشق، في 15 آذار2011، وبشكل متدرج، ومتصاعد، ومدروس، وقد شكلت التنظيمات القادمة من العراق أخطرها (النصرة، خلال 2011، وداعش، خلال 2013).

قبل الحدث السوري، تم سحق ثورة شعبية عارمة في إيران 2009، بكل أشكال البطش والإرهاب الحكومي، نظراً لصعوبة تحويل الحراك إلى حرب طائفية، لأن محركه الرئيسي كان من الأغلبية الموالية لقادة الحراك الإصلاحيين في النظام الحاكم.

وهكذا تم سحق ثورات الشعوب السودانية واليمنية في المرحلة الأولى من حراك الربيع الإقليمي، كما تم تفشيل ثورات المرحلة الثانية خلال 2019 في العراق ولبنان. وقد حقق أسلوب العسكرة والميلشة نجاحات سابقة عظيمة في مواجهة نضال الشعب الفلسطيني التاريخي:

1- بعد سلسلة من الهزائم التي واجهتها حركة التحرر الفلسطيني المسلحة، التي انتهجت الكفاح المسلح بعد هزيمة 1967، وانطلقت خلال 1968، في الداخل الفلسطيني، وعلى التخوم الرئيسية، خاصة من الأردن، شكلت نتائج غزو بيروت 1982 آخر محطات الكفاح المسلح، وطوت تلك الصفحة من نضال الفلسطينيين، بإنجازاتها السياسية الكبرى التي تمثلت بشرعية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية لحقوق الشعب الفلسطيني السياسية، وبخسائرها العسكرية، التي لم يمنعها صمود المقاومين الاسطوري في بيروت خلال صيف وخريف 1982، وقد فرض ميزان القوى العسكري منطقه لصالح دولة الاحتلال.

2- التقط الشعب الفلسطيني بحسه الوطني المقاوم، ودوافع مواجهة أساليب الاحتلال الإسرائيلي وقطعان مستوطنيه، فحوى دروس انتهاء دور الكفاح المسلح، وأدرك ضرورة ابتكار وتطوير وسائل كفاح سلمية، بعيداً عن العسكرة، التي تشكل الملعب الأفضل لحكومة العدو. في ضوء هذا الوعي السياسي الفلسطيني الشعبي والنخبوي، وفي ظل استمرار سياسات إسرائيل العدوانية على الشعب الفلسطيني، انطلقت انتفاضة الحجارة الأولى 2007، في مناطق محدودة، وكردات فعل على جرائم محددة، لتعم كافة مناطق فلسطين المحتلة، وتوحد قبضة الفلسطينيين وقلوبهم في مواجهة العدو المشترك. شكل استمرار الانتفاضة، وتصاعدها، رغم أشكال القمع التي مارسها جيش الاحتلال أكبر التحديات التي واجهة حكومات الكيان، ولم تكن لتنجح جميع وسائل البطش في وقف تقدم مارد الشعب الفلسطيني، وقد برز دور الشباب في قيادة الانتفاضة/الثورة، وتقديم التضحيات. أمام هذا الخلل الذي أحدثته الانتفاضة السلمية في موازين القوى لصالح الشعب الفلسطيني، اضطرت حكومة العدو لتقديم تنازلات سياسية، وقد برز الدور الأمريكي الوسيط:
خلال غزو لبنان، سعى الأمريكان لاستخدام أوراق الضغط العسكرية لفرض استسلام القوى المقاومة في بيروت، وقد نجحوا في أعقاب حصار خانق، وحرب تدمير شامل.

بينما في مواجهة المارد الشعبي السلمي الفلسطيني، سعى الأمريكان للوصول إلى صفقة مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية المهزومة في تونس من أجل امتصاص غضب الشارع، ووقف الثورة.

ضمن هذا السياق، حصلت اتفاقيات أوسلو، خلال 1993، وعادت قيادة المنظمة مطلع 2004 لتضع اللبنة الأولى في مشروع بناء سلطة ودولة فلسطينية، من خلال إقامة كانتون حكم ذاتي فلسطيني على مناطق غزة ورفح، وكانت تتضمن الصفقة الشاملة التي وافقت عليها حكومة رابين عام 1995، مراحل متتالية لإقامة دولة فلسطينية موحدة على مناطق في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

في خضم انتصارات الثورة الفلسطينية السلمية، بدأت تتشكل خلايا حماس العسكرية الأولى، وبدأت خطوات سيطرتها السياسية على الرأي العام الشعبي الفلسطيني، بما تمتلكه المنظمة الجديدة، الحديثة الولادة (بعكس أكاذيب الإخوان المسلمين، الذين يدعون بمقاومة الاحتلال منذ 1948، ولم يكن لهم أي دور في حركة التحرر الوطني المسلحة، ولا داخل منظمة التحرير الفلسطينية) من دعم مالي وسياسي، تكفلت حكومة صاحب الجلالة، الملك حسين الراحل بتأمينه، قبل أن تنتقل العهدة إلى قطر، وتتحول حماس إلى ذراع ميليشاوي إقليمي!.

3- بسبب تصاعد وسائل القمع الصهيوني، وتراجع الحكومات الإسرائيلية عن تعهدات قطعتها في اتفاقيات أوسلو، حتى التي وافق عليها نتن ياهو، 1996، تجاه استكمال خطوات بناء الدولة، وما تعرضت له السلطة من ضغوط، ووسائل إضعاف، انطلقت الانتفاضة الثانية 2000، على إثر انتهاك المجرم شارون لحرم المسجد الأقصى، واستمرت نضالات الفلسطينيين، وعظمت التضحيات، وتصاعدت التحديات التي واجهت جيش الاحتلال، فاضطر خلال 2005، بعد خمس سنوات من الثورة، للخروج مهزوما من قطاع غزة، وإعادتها للسلطة الفلسطينية.

كانت تلك الخطوة الفرصة الذهبية لحماس وداعميها الإقليميين، التي ركبت نضالات الشعب الفلسطيني السلمية، وخلقت لها مرتكزات اجتماعية، وقواعد عسكرية، بفعل الفارق بين ما يصلها من داعم مالي خارجي غير محدود، مقابل ما تتعرض له السلطة من خناق، وضغوط مختلفة، لتفشيل دورها الوطني، وتحويلها إلى عبء على الفلسطينين.

في هذا السياق، حصلت الانتخابات البرلمانية الفلسطينية في نهاية 2006، وكانت أكثر الانتخابات شفافية وديمقراطية في تاريخ شعوب ودول الإقليم، وتشكل بنتيجتها مجلس تشريعي فلسطيني من 132 عضواً، حصدت حماس أغلبية 74 مقعداً، مقابل 45 لحركة فتح، التي يرأس رئيسها السلطة الفلسطينية، وحصلت قوائم أخرى على نسب متفاوتة، أخذ معظمها حلفاء فتح في منظمة التحرير. في ضوء وقائع الانتخابات، تصرف رئيس السلطة، المنتخب ديمقراطياً 2005 بعد موت الرئيس التاريخي للسلطة، بكل شفافية، وحرص على استمرار العملية الديمقراطية، إدراكا لما تشكله من عامل ضمان رئيسي لاستمرار السلطة الفلسطينية، وتحقيق كامل أهداف التسوية السياسية.

هكذا، استقالت الحكومة التي كان يرأسها أحمد قريع بطلب من رئيس السلطة، وظل رئيساً مؤقتاً لحين تشكيل الحكومة الجديدة، الذي حصل في 19 فبراير 2006.

ماذا حصل لاحقاً، وكيف تحولت حكومة حماس إلى أزمة سياسية وطنية؟ هنا يخفي الداعمون لحماس رؤوسهم في الرمل، ويدعون أن السلطة هي التي انقلبت على حماس. لو كانت السلطة تريد، أو تستطيع الانقلاب على حماس، لألغت نتائج الانتخابات البرلمانية، كما حصل في الجزائر، وشنت حرب استئصال ضد حماس، وكان يُفترض، في منطق مقاومة حماس لإسرائيل، أن تجد السلطة كل الدعم الإسرائيلي، وجميع وسائل الانتصار في الحرب على حماس!!.

ما حصل لاحقاً، أن إسماعيل هنية، والتنظيم الإخواني التابع له، والعراب الإقليمي، وبغض نظر من إسرائيل، (التي تقاطعت مصلحتها مع حماس في تقسيم السلطة والشعب الفلسطيني)، بدأت تعمل على تمكين مؤسسات حماس، على حساب مؤسسات السلطة الفلسطينية التي أوصلتها إلى الحكم.

بعد فترة طويلة من الصراعات بين قيادة السلطة في رام الله، وقيادة الحكومة في غزة، حول أسلوب حكم حماس الفئوي، استخدم الرئيس الفلسطيني صلاحياته الدستورية بحل حكومة حماس، وتكليف رئيس الكتلة الثالثة في المجلس التشريعي، السيد سلام فياض بتشكيل حكومة جديدة.

كان من الطبيعي أن تتمرد حماس، وهي التي كانت تعمل بشكل واع ومدروس، ومنظم، لإحكام قبضتها على القطاع، والتغلغل داخل مناطق الضفة، فرفض هنية قرار رئيس السلطة الفلسطينية الشرعي، المنتخب، وعمل على تنفيذ انقلاب عسكري دموي، ضد رموز مؤسسات السلطة، ذهب ضحيته عشرات الفلسطينيين، داخل أجهزة السلطة الفلسطينية، وخارجها، وأعلنت حماس انتصار الخطوة الأولى في مواجهة السلطة، وفي حرب انتزاع الشرعية والسلطة الفلسطينية التي حصلت عليها نتيجة نضال الشعب الفلسطيني في انتفاضات 1978-1993 و2000-2005.

هكذا نجحت حماس ليس فقط في تقسيم السلطة والشعب الفلسطيني، بل وفي إضعاف الشرعية الوطنية الفلسطينية، ونجحت، قبل ذلك في قطع مسارات الانتفاضات السلمية العظيمة، وقد وضعت لعبة اشتباك عسكرية مع حكومة العدو بين 2007-2024، منعت حصول انتفاضة شعبية سلمية، وحولت نضال الفلسطينيين إلى جولات من الحروب، كلها تؤدي إلى تدمير مقومات الحياة الفلسطينية، وتقويض شروط النضال السلمي.

ماذا كانت أبرز نتائج حروب حماس:

تفكيك واضعاف السلطة الفلسطينية، على الصعد الديمقراطية والوطنية، وإعادة احتلال غزة، مُجهزة على ما حققته الانتفاضات السلمية من نتائج، ومدمرة شروط تجديدها، وكان لانتفاضة ثالثة، لولا دخول حماس على الخط، أن تؤدي إلى تنازل إسرائيل عن القدس الشرقية، وتحويل حلم الدولة الوطنية الفلسطينية إلى واقع.

تؤكد موضوعية تلك القراءة دروس الجولة الأخيرة من الصراع العسكري بين حماس وحكومة العدو.

في منطق موازين قوى الحرب، يستطيع الجيش الإسرائيلي أن يحسم الحرب لصالحه خلال ثلاثة أشهر، كحد أقصى، وهذا ما فعلة في قطاع غزة…وفشل حتى الآن في إنجازه في رفح؟
لماذا؟ بفعل العامل الأمريكي.. كيف؟.

وافقت الولايات المتحدة على خطط الحرب الإسرائيلية لتقويض مرتكزات جيش حماس وسلطتها في القطاع، وقدمت لها كل أشكال الدعم العسكري واللوجستي، وأبقت التدخلات الإقليمية تحت السيطرة، بشرط عدم غزو رفح. وهنا سبب الصراع الرئيسي بين اليمين الصهيوني وإدارة بايدن: في حين يسعى اليمين الصهيوني لتجيير هجوم طوفان الأقصى من أجل تدمير حماس بشكل كامل، سياسياً وعسكرياً، وإعادة احتلال الضفة الغربية واسقاط السلطة، وبالتالي إنهاء لعبة الاشتباك والتخادم مع حماس، فإن حكومته لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح الولايات المتحدة الإقليمية، التي تربطها بأكبر دول المنطقة الإسلامية – السعودية وإيران – وبالتالي خطورة ما قد يشكله سلوك اليمين الصهيوني على استقرار الأنظمة أولاً، وعلى استمرار مشروع التطبيع الإقليمي، ثانياً، الذي تعمل من خلاله الولايات المتحدة على بناء شبكة علاقات اقليمية تصالحية بين أقوى شركائها الإقليميين – إسرائيل وإيران والسعودية.

وفقاً لمصالح الولايات المتحدة، ترى واشنطن انه من الأفضل إنهاء الحرب، مع بقاء قطبي التناحر على الشرعية الفلسطينية، حماس وعباس، وإعطاء المزيد من الوقت والجهد لتحقيق انتصار إسرائيلي نهائي، بات مسألة وقت، بفعل نتائج الحروب المستمرة مع حماس منذ نهاية 2007!.

هي حكاية الشعب الفلسطيني المأسوية، وهي قصة فشل الوعي السياسي النخبوي في فهم حقائق الصراع، وطبيعة أدوار ميلشيات الإسلام السياسي في هزيمة صيرورات التغيير الديمقراطي والتحرر الوطني، وكان من الأستر لآخرته، عوضا عن دعم ميلشيات قوى الثورات المضادة في فلسطين وسوريا ولبنان واليمن، أن يقف على الحياد، في ظروف يجهل طبيعة صراعاتها، ويصر على تلبس أوهامه!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني