fbpx

قراءة في رواية “لها مرايا”

0 273
  • الكاتبة: سمر يزبك
  • الناشر: دار الآداب
  • ط1 ورقيه، 2010م

الرواية سوريّه بامتياز، تتحدث عن لحظة فاصلة في تاريخ سورية الحديث. لحظة موت حافظ الأسد ومراسم تسليم السلطة للابن بشار. تغوص عميقاً في السلطة التي كان حافظ الأسد عمادها، وفي الطائفة (العلويين) دون ذكر الاسم بشكل مباشر، التي كانت عماد السلطة أيضاً، وذلك عبر الضابط الكبير المتقاعد سعيد ناصر وهو شريك مباشر للأسد منذ حركة آذار 1963م ثم 1970م وترسخ الحكم للأسد. حيث أحيل منذ فتره قريبه للتقاعد، هو أحد أركان الحكم أمنياً وعسكرياً. كذلك من خلال مشاركة الممثلة المشهورة ليلى الصاوي بلديات الضابط سعيد وابنة ضيعته أيضاً. من خلال ملاحقة حياتهم، سنقترب بالعمق من الطائفة العلوية والمجتمع والحكم وسورية والتغيرات الحاصلة فيها، ولو بشكل غير مباشر.

تبدأ الرواية من لحظة تلقي سعيد خبر وفاة الرئيس عبر التلفزيون واستغرابه وعدم تصديقه الخبر. الرئيس لا يموت؟!!، يجب ألا يموت، كيف يموت ويترك (جماعته) دون رعاية؟!!. ينهمك سعيد بالاستعدادات للذهاب للعاصمة دمشق، تاركاً بيته الريفي في جبال الساحل. سعيد يعود بذاكرته لجدّه الأول الذي جاء إلى هذه القرية منذ عشرات السنين أيام الحكم العثماني، هارباً من ثأر يطاله، فهو من أنطاكية تزوج ابنة عمه، وعاشا سوية، لم ينجب أطفالاً كان يعلّم ويعمل. سافر إلى اسطنبول، عاد ليجد زوجته قد خانته. يرصدها ويقتلها مع عشيقها. يهرب لهذه القرية، يقبله شيخها ويزوجه ابنته ويصبح واحداً منهم. سعيد سيأتي إلى الدنيا وحيداً عند أهله بعد أن سقطت أخته في الوادي وماتت. سيلتحق بالجيش ضابطاً وينتسب إلى حزب البعث وسيتعرف على حافظ الأسد، ويشاركان معا في حركة آذار 1963م، سيطلب منه الأسد الالتحاق به في حركة تشرين 1970، يفكر للحظه بمنطق الحق والقوة، ويلتحق بالقوة، يصبح ضابطاً مهماً مع الأسد في كل مراحل تطور السلطة في سورية واستحواذ الأسد وعصبته وعائلته على كل مفاصل الدولة. عندما حوّله الأسد للتقاعد لم يشعر بالاستياء، فالأسد يعرف مصلحته أكثر منه. سعيد رجل اختبر الحياة وقرر أن يكون فيها الأقوى، وليكن أياً كان الأضعف والضحية. رهن حياته بالسلطة والجيش والأمن فلم يتزوج ولم ينجب، لكنه كان منفتحاً على كل الملذات وكلها من أدوات سيطرته وسلطته. ليلى الصاوي ابنة بلده والشابة القادمة إلى المدينة حديثاً للدراسة، تحب التمثيل، فمنذ طفولتها كانت تلوث نفسها في الطين معلنة أنها “كونتا كونتي” كناية عن بطل المسلسل المشهور وقتها العبد الأفريقي المطالب بحريته. ليلى حفيدة الشيخ علي ذاكرة القرية، ورجل دينها المنحدر من المجموعة الصغيرة التي استطاعت أن تنجو بحياتها وتقطن في رؤوس الجبال، هاربة من السلطة العثمانية أيام السلطان سليم الأول ومذابحه التي طالت الطائفة العلوية في جوامع حلب. من يومها قرروا ألا يبنوا جوامع لهم ولا يقرّوا بحقيقة اعتقادهم، ويقطنوا رؤوس الجبال وينعزلوا عن الآخرين. يعيشون عقدة القهر والتفوق واختزان الفظائع التي عاشوها، بحيث يكون لديهم استعداد أن ينتقموا في كل وقت وأي وقت من أي أحد. الشيخ علي كان نموذجاً لرجل الدين المحافظ على أصل التدين، وإنه وإن اختلف مع غيره في التأويل والتفسير، لكنهم ينهلون من نبع واحد، خير الإنسان ومصلحته. بالمقابل كان الشيخ الآخر، جدّ سعيد يؤمن بالقوة والمصلحة ولا تهمه الوسيلة، سيختلف الجدّان وتختلف المسارات في الأبناء والأحفاد. سعيد يصنع القوة ويعبدها ويستخدمها لمزيد من السيطرة والمصلحة لا يردعه رادع. أما علي حفيد الشيخ علي، سيدخل السجن، ضد السلطة التي من المفترض أنها تعمل لمصلحة الطائفة، ليلى تحمل في ذاكرتها كل عذابات الجد وواقع سجن أخيها، الذي عاش في القرية منعزلاً بعد سجنه، وكان قد خسر ثقته بنفسه وأفكاره. وقد أصيب في التحقيق على يد سعيد، الذي حاول التفاهم معه، بحوار صريح يخبره به أنه ضد نفسه وأهله وطائفته، وأنه سيكون عبرة لمن يعتبر. ستلتقي ليلى بسعيد في إحدى الحفلات التي تقام على شرف سعيد رجل السلطة القوي. يكتشف سعيد ليلى ويقرر؛ أنها ستكون له. وليلى تنجذب له رغم إرث عداوتها له عن جدها. ستلتقي أقدارهما، سيجد سعيد عندها واحة راحة ومتعة، ومنبع حكايات أيضاً. أما ليلى ستجد به حبيبها الذي افتقدته في حيواتها السابقة، فهي مشبعة بعقيدة التقمص، وأن روحها تلبس أجساداً كثيرة عبر الزمن. وهو اعتقاد سائد عند الطائفة العلوية وغيرها، يحلو لها أن تبحر في ذاتها باحثة عن حيواتها السابقة، ستستعيد مجزرة حلب المختزنة في الذاكرة الجمعية عند العلويين، تارة زوجة تطلب من زوجها قتلها كيلا تُغتصب، وتارة امرأة تموت في مخاضها وهي هاربة مع آخرين من عسكر العثمانيين المطاردين لهم، لقتلهم ونهبهم واغتصاب نسائهم. وها هي تعيش حياة حب ومتعة وجنس مع رجل السلطة. تتعود على الحشيش والمخدرات والمسكرات جميعها. أخوها علي يعلم بأمرها، يأتي إليها من القرية

يبلّغها رسالته المحددة: أن تترك سعيد عدو جدها وسجّانه ومذلّه، يصفه بأنه سارق حقوق الناس كلهم والطائفة العلوية أيضاً؛ التي يعتقد ويدّعي أنه يحميها. لا تستجيب، تكون مسكونة بحب سعيد وسلطته. ويعود علي للقرية لينتحر بعد فترة. يحرق بيته مع تراث جدّه مؤكداً على قناعته أنه لا أمل. يصل إلى ليلى خبر انتحار أخيها، فتعود لها ذاتها وتكتشف أن سعيد قاتل أخيها ومدمرها هي أيضاً. تبتعد عن سعيد وتلجأ إلى الخمر والحشيش والمخدرات. تحاول التهجم على سعيد، الذي دبر لها تهمة مخدرات تودعها السجن لسنوات. تخرج محاولة أن تصل لسعيد ثانية، ولا يلتقيان. هي ذاهبة للقرية لتراه، وهو عائد للعاصمة ليكون قريباً من السلطة بعد موت الرئيس.

هنا تنتهي الرواية، في تحليلها نقول:

الرواية تقرأ مرحلة من تاريخ العلويين لا يدركه إلّا البحّاثه، تجعلنا نفهم عمق القهر المعيش عندهم وجدانياً، والمنعكس سلوكياً في حياتهم، وإن أي تمظهر لهم هو تغطية لبحثهم عن السلطة والقوة والمال والثأر، لا يردعهم رادع، وإن كل اعتقاداتهم التي تلبسوها هي غطاء لهذا الواقع الذي عشناه في سورية في سلطة الأسد الأب والابن، الرواية تؤكد أن هناك رموزاً من رجال الدين، يلتقطون جوهر الأديان خير وحق وحرية. لكنهم ماتوا ونسلهم سجن أو انتحر أو سيق إلى قطيع الجيش والأمن ليحمي السلطة وسيكونون ضحايا بكل الأحوال، طبعاً هذا ليس تعميماً يطال الطائفة العلوية كاملة. لكنه يقربنا من فهم تسلطهم ودرجة الوحشية التي ظهرت في حكم الأسد الأب والابن، قتل البشر واعتقالهم وتشريدهم وتدمير البلد فوق رؤوسهم. خاصة بعد ربيع سورية وثورتها. إنها رواية إدانة الظلم بصفته ضد الإنسانية، وما يستتبعه من نتائج، همجية الظالم ووحشيته، وعقدة المظلوم واستعداده للرد بنفس الأسلوب وأسوأ، الرواية انتصار لإنسانية الإنسان من حيث هو كذلك وحقه بالحرية والكرامة والعدالة والحياة الأفضل، في كل زمان ومكان.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني