قراءة في رواية “السلطان الفاتح” فتح القسطنطينية 1453
الكاتب: أوقاي ترياقي أوغلو
ترجمة: عبد القادر عبد اللي
الدار العربية للعلوم ناشرون
ورقيه، ط1، 2013
قرأنا سابقاً للكاتب نفسه روايات تطال المرحلة العثمانية المؤسسة، عن سليم ياووز وسليمان القانوني.
هذه الرواية لا تخرج عن الطريقة السابقة في كتابة الروائي، بحيث يخلط بنجاح بين الفردي والمجتمعي والذاتي والموضوعي والخاص والعام والتاريخي أيضاً، بحيث يضعنا من خلال الرواية في ذلك العصر وشخوصه وأحداثه ونتحول من قارئين إلى شهود.
الرواية تبدأ من لحظة ولادة محمد ابن السلطان مراد وترتيبه الثالث في إخوته، وكانت تسميته تيمناً بالرسول الكريم محمد ص، وخاصة أن هناك حديث منسوب للرسول ص، عن فتح القسطنطينية على يد فاتح يحمل اسمه، مع العلم أن السلطان حاول فتحها ولم ينجح.
ومع أن فرصة محمد بالحكم ضئيلة، تربى على أيدي رجال دين متصوفة زرعوا في نفسه حب العلم والمعرفة والثقة بالنفس والإصرار على تحقيق الهدف والتواضع للعلماء وأمام الله، زرع في نفسه الإصرار أن يكون ذلك المسمى فاتح القسطنطينية، خاصة بعد وفاة أخويه وتحول الحكم له بعد وفاة والده.
بُنيت في القسطنطينية آيا صوفيا (العالم المقدس) في القرن السادس الميلادي، وكانت المدينة الند لمركز الفاتيكان في روما عاصمة الكاثوليك، واعتمدت القسطنطينية اسم بيزنطة وأنها مركز للمسيحيين الشرقيين.
لم ينس أهلها بعد ما حصل معهم بعد اجتياح الصليبيين لها، وتعاملهم معها ومع أهلها تعامل الأعداء، لم يستطيعوا تجاوز محنتهم، اختلافهم مع عقيدة الكاثوليك حول الأب والابن والروح القدس وصفتهم الإلهية عند روما الفاتيكان وباباواتها، وأن عيسى الابن البشري عند المسيحية الشرقية، صراع عمره مئات السنين.
القسطنطينية – الآن – تعرف أنها متروكة لقدرها وأن الصلح الذي رعاه البابا وإمبراطور بيزنطة بين الكنيستين، ليس إلا تغطية لحقائق الاختلاف ومحاولة للتوحد في مواجهة العثمانيين الممتدين بقوة في كل أنحاء الأرض وخاصة أوروبا.
الإمبراطور قسطنطين يرى أن البابا وبقية الحكام الأوربيين ينظرون لأولوية مصلحتهم مع العثمانيين في التجارة والتنقل على طريق الحرير المؤدي للهند أو في البحر الأسود أو المتوسط.
وأنهم يساعدون القسطنطينية بشكل رمزي وغير جدّي، أمام إصرار العثمانيين على فتحها.
في العام 1453م يستقر القرار للسلطان محمد على حصار القسطنطينية وفتحها، أخذ بكل أسباب النصر والنجاح، أعدّ جنده معنوياً بقوة، وزع مهامهم في البر والبحر وحفر الأنفاق وصنع أسطول السفن الصغيرة المقاتلة والأبراج لاجتياح أسوار المدينة.
كذلك صنع المدفع العملاق الذي كان جديداً ذلك العصر في قوته وتأثيره، وعمل أيضاً على تحييد الأوربيين عن المعركة، عبر اتفاقات تجارية مجزية لهم، ومع ذلك جاء من يدافع عن المدينة، ولو بشكل رمزي.
دام حصار المدينة ما يزيد عن خمسين يوماً، عاشوا فيها دقائق الانتقال من عصر لعصر، حرب البحر وحرب اختراق الأسوار وحفر الأنفاق والحرب النفسية، وإصرار السلطان محمد على الانتصار، وإصرار الإمبراطور قسطنطين على المقاومة حتى الموت؛ وهكذا صار.
استعملت في المعركة كل الأساليب والفنون والمهارات والإمكانات، كانت الغلبة للعثمانيين، ليس لأنهم متفوقين معنوياً فقط، بل وعسكرياً فهم وراءهم الأناضول وامتدادها، أما القسطنطينية فتركت لقدرها، باستثناء بعض القادة وجندهم من بعض المقاطعات المجاورة الذين أخّروا السقوط ولم يمنعوه.
حضر عند العثمانيين في الفتح – بقوة – دور الإيمان واليقين وتحفيز معلمي السلطان والمشايخ المبشرين.
كذلك حضور المسيحية كاعتقاد وإيمان بالنصر عند الآخرين حتى يصمدوا ما استطاعوا أن يصمدوا.
كذلك ما فعله السلطان محمد الذي اشترى الكثير من الحكام ليتركوا القسطنطينية لقدرها فتسقط، والإمبراطور اشترى الكثير من مسؤولي السلطان حتى يثنوه عن الحرب أو يدفعوه لصلح لا تسقط روما على أثره.
وكان رئيس وزرائه منهم، سقطت القسطنطينية أخيراً، لأنها تركت دون مساعدة جدية من الأوربيين.
أعدم السلطان محمد رئيس وزرائه لأنه خان ولم يدرك أنه كان عكس التاريخ، تنتهي الرواية بالفتح حيث أعلن السلطان محمد تسميته نفسه محمد الفاتح، وأعلن اسم المدينة الجديد “إسلام بول”، التي أصبحت مع الزمن اسطنبول.
كان فتحها بداية عصر التوسع للعثمانيين الذي امتد لقرون، وكان بداية الصدمة التي أدت لبداية العمل لعصر النهضة في أوروبا، لتدخل بعدها في عصر التقدم العلمي والتجاري والاقتصادي والحربي، وتتوج نفسها قائدة للعالم وعملت على استعماره، التي أعادت إسقاط السلطنة العثمانية.
ولو لم تستطع أن تسترد القسطنطينية، الأيام دول ومن يمتلك معرفة قوانين الحياة والسياسة والعلم والإرادة والعمل الجاد سيصنع انتصاره ومجده ويرسم مستقبل أيامه.
ما أحوجنا اليوم إلى عقلية محمد الفاتح وإيمانه وعمله وإصراره وحنكته السياسية في معركتنا للانتصار في ثورتنا السورية والوصول لدولتنا الوطنية الديمقراطية، محققين الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل.