fbpx

قراءة في رواية “الذين مسّهم السّحر.. من شظايا الحكايات”

0 196
  • الكاتبة: روزا ياسين حسن
  • الناشر: منشورات الجمل
  • ط 1، ورقية، 2016م

روزا ياسين حسن: روائية سورية متميزة جداً، هذه أول رواية اقرؤها لها، بدأت بنشر قصصها ورواياتها مطلع الألفية الثانية، حازت على بعض الجوائز الأدبية.

الذين مسّهم السّحر رواية منشورة حديثاً 2016م، تتحدث عن الثورة السورية بدءاً من آذار 2011م مغطية سنتين تقريباً من أحداثها. الرواية تكاد تكون تسجيلاً تفصيلياً للحراك المجتمعي بدءاً من الربيع السوري وما تلاه.

الناشطون السلميون وتطور أدائهم والتحول لاحقاً للعمل المسلح، جيش حر ثم الأسلمة ثم داعش والنصرة. المجتمع بتنوعه الطائفي والمواقف المختلفة مما حصل، والسلطة وأفعالها، لجوء النظام للعنف والطائفية والقتل والاعتقال، داعموه وأدوارهم، السلطة المستبدة القاتلة بصفتها صانعة الحدث اليومي للذي يحصل في سورية التي تحولت لمقتلة يومية وبكل الطرق، تدمير البيوت والمدن، القتل العشوائي، الهروب في كل اتجاه، الحياة التي رخصت عند النظام أصبحت عند الناس مطلباً عزيز المنال، لا فرق بين من هم مع الثورة أو من هم ضدها، الفرز الطائفي بدأ مبكراً خاصة في معسكر النظام، لم يسمح للعلويين المختلفين مع النظام أن يظهروا، حاربهم النظام بشدّة، استجلب جيشه وأمنه ومعهم متطوعين من الشبيحة لقتل الشعب السوري، قرر النظام، أن لا علوي على الحياد الكل مع جيش النظام وخدمته. ووصل الناشطون العلويون مع الثورة إلى مرحلة مؤلمة من الاتهام بالخيانة من أبناء طائفتهم، وعند الثوار قد يكونوا اختراقاً للثورة، والأغلب رفض التعامل معهم خاصة بعد الأسلمة والتحول للتسلح. أبطال الرواية كثر وبتتبع حركتهم عبر السنتين الأوليين للثورة تكتمل صورة ما حصل بدقة أقرب إلى الطابع التسجيلي الدقيق.

تبدأ الرواية من بلدة جرمانا في ريف دمشق التي تتميز بأنها تحوي التنوع الطائفي والديني لسورية، فيها المسلم السني والعلوي والدرزي والمسيحي والكردي.. الخ. في سورية الانتماء الطائفي أو الديني لوحده لا يحدد الموقف السياسي للمنتمين لدين أو طائفة، هناك معارضون للنظام وذاقوا ويلات اعتقاله من كل الأديان والطوائف، وكذلك أنصار النظام. في جرمانا في إحدى أبنيتها يسكن صلاح العلوي المعتقل السابق لسنوات في سجون النظام، ينتمي للحراك الثوري الذي بدأ في سورية مطلع 2011م، رغم أنه أحس أنه مهمّش وعاجز أن يفعل شيئاً. في البناء يسكن العميد العلوي وأسرته الذي ومنذ اللحظة الأولى للثورة السورية كان وعائلته كاملة منتمين للنظام قولاً وفعلاً، العميد كان سكنه في مساكن الضباط المجاور للمعضمية، عندما بدأت الثورة وحراكها السلمي، كان للأمن والجيش وابنه وأخ زوجته منهم، دور في قمع التظاهر في المعضمية ولهم دور في قتل المتظاهرين واغتيال الناشطين. ووصل الحال إلى مستوى دفع ناشطي المعضمية أن يحملوا السلاح لحماية أنفسهم.

أما العميد فقد قرر الانتقال وعائلته إلى جرمانا الأكثر أمناً والتي لم يتورط الناس فيها بالتظاهر والالتحاق بالثورة. في البناء أيضاً أسرة حمصية تنتمي للحراك الثوري تتابع ما حصل ويحصل في كل سورية تطور حراك الشباب المطالب بالحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل، والنظام الذي قرر إنهاء الثورة وإبادة الناشطين والشعب معهم إن وجب.

في جرمانا يلتقي الناشطون وكأنهم في الخطوط الخلفية للتباحث عن خطط عملهم كل يوم وكل أسبوع في تطور مسار الثورة. إلى أي حي يجب أن يذهبوا، ومن أي جامع سينطلقون هذه الجمعة. الناشطون والناشطات من جيل الشباب لا خلفية سياسية لهم، مشتركين بتعطشهم للحرية والكرامة والعدالة ومحاربة الظلم والفساد واسترداد الدولة لتكون للشعب، منهمكين في نشاطهم الإعلامي بداية ثم الإغاثي والصحي بعد أن يقرر النظام قتل الشعب السوري.

مسلمون ومسيحيون، من كل الطوائف، لم يستطع السياسيون المخضرمون المعارضون أن يجدوا قناة تواصل مع الثوار، إلا ما ندر ودون الفعالية المطلوبة، عنف النظام وضرورة الحركة المستمرة والتصرف المباشر، لم يعط لأحد قدرة التوقف لبعض الوقت والتفكير.

الأسلمة كانت بداية استجابة الشباب من خلفياتهم العقائدية لاحتمال الموت، من المساجد خرجوا والله أكبر نداؤهم، والشهادة مطلبهم، لكن بعد حين أصبحت الثورة مسلحة وتدخلت الدول والمانحون، أصبحت الثورة مطيّة للكل، الثوار لم يكونوا يعتقدون أنهم تورطوا بالتسلح فقد كان التسلح بالنسبة لهم المخرج الوحيد في مواجهة حرب الإبادة من النظام وحلفائه. وعندما بدأ يأتي إليهم الدعم المالي والسلاح مقترناً بالفكر السلفي والمقاتلين العرب والأجانب مقترناً مع القاعدة وفكرها وامتدادها النصرة وداعش. لم يكن الناشطون قادرون على مواكبة ما يحاك لهم دولياً وإقليمياً. كانوا منهمكين بأدوارهم الميدانية، التظاهر والنضال السلمي ثم التسلح والدفاع عن الشعب ثم محاربة النظام عن ضعف وعجز لكن بإيمان وعزيمة، أصبح الجهاد فرض عين والاستشهاد واقع معيش.

أبطال الرواية منهمكون بأدوارهم الإنسانية مع الثورة، إعلاميون يستمرون بدورهم حتى الشهادة أو الاعتقال ثم الشهادة، وآخرون انتقلوا للعمل الإغاثي والطبي، أصبحوا جزءاً من المستشفيات الميدانية على قلتها ونقص إمكانياتها وعجزها عن مواكبة القتل المستمر للشعب السوري.

واكبت الرواية تطور حراك الثورة في دمشق وريفها.

حمص وكيف تمت صناعة المجازر الطائفية من قبل النظام، وكيف تورط الثوار بالعمل المسلح، ثم كيف تم تدمير حمص حياً بعد حي وتم تهجير أهلها إلى كل مكان.

كذلك حماة وحراكها السلمي الرائع وكيف حصلت مجازر دخول الجيش إليها وإجهاض حراكها الثوري.

كيف تحول الثوار للأسلمة ومن ثم صراعهم البيني، تبعيتهم لمانحي المال والسلاح.

الصراع بينهم على الزعامات والمغانم وبسبب الأجندات المختلفة، عدم نضجهم السياسي، تحول بعضهم لمرتزقة على حساب الشعب الذي من المفترض أنهم ثواره ويحمونه، ظاهرة الخطف والفدية التي لم يسلم منها أحد. النتائج الكارثية لفعل النظام. عشرات آلاف الشهداء استفحال الصراع الطائفي، إجبار الطوائف الأخرى على اختيار الحياد والتزلف للنظام، الأسلمة المقصية للغير والمتناقضة مع أصل الثورة. القتل وتدمير المدن والتهجير. أصبحت سورية بلاد القتل اليومي في كل مكان، لا يهم النظام أن يموت كل العلويين ليستمر في حكمه. لا يهمه أن يموت كل السوريين وإن تشردوا داخل سورية أو خارجها، لا يهمه أن يثكل كل بيت وكل أسرة بعزيز أو أكثر. الأطفال والنساء والكهول أكثر الضحايا ظلماً في معركة النظام لإبادة الشعب السوري.

تنتهي الرواية بعد أن أصبحت سورية مستباحة لفعل النظام وأعوانه، واستدعائه للقوى الخارجية حزب الله وإيران وروسيا لمساعدته في قتل الشعب السوري، واستشهاد أو اعتقال أغلب الناشطين الثوريين، وغياب بوصلة الحراك عمن تبقى يقود الحراك الثوري على الأرض في سورية. إنها لحظة تأسيس حضور القاعدة وداعش والنظام القاتل كلاعبين أساسيين.

والشعب السوري وثواره الناشطون والثوار المسلحون ضحايا قتل مجاني وتشرد دائم.

في تحليل الرواية نقول:

إننا أمام رواية تكاد تكون تسجيل دقيق أشبه بكتابة تاريخ لواقع الثورة السورية والنظام من جانب عملي بكل الدقائق والتفاصيل والمسارات. روعة الرواية هي في أن تدمج بقدرة أدبية فائقة بين الحدث التاريخي وما يحصل مع السوريين مع أبطال وأشخاص وحياة سوريين جعلتهم مشخصين للحالة السورية بكل تفاصيلها وتعقيداتها وروعتها ومأساتها. روعة الرواية أنها تعطيك الصورة للحالة العامة منسوجة من حياة كل شخص في الرواية. للحب دور والتوق للحرية دور، للوطنية والانتماء دور، تنتصر الرواية لحقيقة الشعب السوري وأنه واحد على تنوعه، توحد على مطالب الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل. قدم كل ما يستطيع والأغلى: الروح كل الوقت..

لذلك الثورة السورية ستنتصر ولو بعد حين.

شكراً روزا ياسين حسن، أنت تخلدين ثورة خالدة من خلال عمل أدبي مهم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني