fbpx

قراءة في رواية “التيه”

0 340
  • المؤلف: ماجد مرشد
  • الإصدار: هارماتان/كاتبوك – باريس
  • نسخة إلكترونية 2017

ماجد مرشد كاتب سوري، وروايته التيه تنصب على الربيع السوري وتدور حوله، ما قبله وما بعده، وضمن المتغير الدولي والإقليمي ومخططات الدول العظمى الاستعمارية عبر قرن وأكثر، وتستشرف مستقبلها لعقد قادم.

تبدأ الرواية من عبد الرحمن الشاب السوري الهارب من جحيم ما يحصل في سورية، حيث تداخل الصراع بين النظام وحلفائه من الروس والايرانيين وحزب الله والمرتزقة الطائفيين، وثوار يسمون جيشاً حراً، والدولة الإسلامية في العراق والشام داعش، التي تصرفت مع الشعب السوري كما النظام قتلاً وذبحاً وتشريداً، وكذلك النصرة ممثلة للقاعدة، التي وإن تسترت انها مع الشعب السوري وثورته، فإنها أكدت أن لها مشروعها الخاص، وتتعامل مع الشعب السوري والجيش الحر والنظام وداعش؛ لكن بتقية أكثر، اختلطت الأمور على عبد الرحمن، وأصبح يشك بأن ما يحصل ثورة أم حرب أهلية أم صراع بالوكالة بين القوى الدولية والإقليمية، أم كل ذلك.

عبد الرحمن قرر مغادرة سوريا، خرج قبل عائلته ليؤمن لهم ظروف لجوء مناسب، ومن ثم سيعمل لأخذ زوجته وطفليه.

سنتجول مع عبد الرحمن في رحلة لجوء تطول عبر مهربي البشر من دمشق إلى تركيا، ومنها إلى السودان، ومنها لمصر، لعله يسافر الى أوربا ومقصده ألمانيا مستخدماً فيزا صحيحة، لكن المصريين يمنعونه من السفر ويتهمونه بتزوير الفيزا ويعيدونه إلى السودان مجدداً، ليعود مع مهربه للتفكير بطريقة أخرى للوصول إلى أوروبا، وسيكون البديل جواز سفر إيطالي مسروق توضع بيانات عبد الرحمن عليه يسافر من خلاله إلى مقصده، ولكي تنجح العملية لابد أن يسافر من بلد إفريقي لا يدقق كثيراً مباشرة لأوروبا، ويطلب اللجوء في ألمانيا.

سينتقل عبد الرحمن إلى موريتانيا ومنها إلى أكثر من دولة أفريقية ليصل للدولة المطلوبة ومن ثم يسافر لأوروبا.

رحلة عبد الرحمن ممتلئة بحالتين يعيشهما سوية في عقله ووجدانه ومشاعره، رحلة اللجوء بكل مصاعبها ومفاجآتها، ورحلة استعادته الذهنية لما حصل معه شخصياً في سوريا وما حصل مع السوريين جميعاً.

فهو يعمل صحفياً في إحدى جرائد السلطة السورية، ويصنف أنه معارض (نسبياً) لأنه لا يمكن لمعارض أن يظهر بشكل سافر دون عقاب، فما بالك أن يكون محرراً في جريدة رسمية، مثقف مطلع ويعرف تفاصيل المجتمع السوري، وتفاصيل السلطة السورية وهيمنة الجيش والأمن على كل مفاصل الحياة، ووجود شبكة فساد تطال كل مناحي الحياة، عبد الرحمن يدرك أن ظروف الواقع، وما فعله النظام؛ من ظلم ومفاسد وتخريب مجتمعي وهيمنته على كل مناحي الحياة دفعت الشعب السوري أن يقوم بثورته كما حصل مع الربيع العربي بدءاً بتونس.

سيتوقف كثيراً عند وصول سوريا إلى ما وصلت إليه، الشهداء والجرحى والمصابين والمعتقلين بمئات الآلاف إن لم نقل بالملايين، ملايين من الشعب السوري مهجرون ونصف البلاد مدمر، والقوى الإقليمية والدولية تتصارع على سوريا وفيها بدماء أبنائها، النظام لم يعد يحكم عملياً إلا أجزاء قليلة من سوريا، وبفضل إيران وحزب الله والمرتزقة الطائفيين والتدخل العسكري الروسي، وداعش تمتد لتأخذ مدناً وتتحول لسلاح يقتل الشعب السوري أيضاً، والجيش الحر يسيطر على بعض البلاد، والكل محكوم من داعميه قوة وضعف، امتداد وانحسار، سوريا أصبحت مسرحاً لصراع إقليمي ودولي، والسوريين (نظام وثورة) لم يعودوا متحكمين بمسار الصراع على الأرض بل أدواته وضحيته.

يفكر عبد الرحمن بمسار الصراع وهو يسعى في طريق اللجوء، يتذكر الكثير من المجازر ومنها مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية والمعضمية، التي راح ضحيتها آلاف الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ، يتذكر التدمير بالطيران والصواريخ والقصف، يسكن في صحنايا وهي ضاحية قريبة من دمشق، أغلب سكانها من أبناء المدن المجاورة، تقع بين داريا والمعضمية وجديدة عرطوز، يتحدث عن داريا والمعضمية، وهول ما حدث بالمدينتين، تدمير وتهجير شامل طال كل داريا واغلب المعضمية، يومئ إلى أن صحنايا التي لم يحصل معها كما حصل مع داريا والمعضمية، وأنها سلمت من القصف والتدمير؛ وبقي السؤال معلقاً لماذا؟.

سيتحدث عن أفعال داعش والنصرة والإسلاميين المتشددين، وسيعلن عدم قبوله بهذه الحرب التي أوصلت سوريا لما هي عليه الآن.

في رحلة اللجوء سيلتقي في إسطنبول بفتاة اسمها فاطمة، سيذكرها بكونها كانت تأتيه في أحلامه كحبيبة سابقة له، حيث كان يعيش معها في إسطنبول في حياة سابقة، ستكون حفيدة تلك المرأة، وسيكون هو (بثوبه الجديد) جسمه الجديد الذي حلت به روحه المتنقلة من جيل لجيل، (وهو اعتقاد التقمص الذي يؤمن به بعض الناس وبعض أصحاب المعتقدات الشرقية وفي سوريا أيضاً، ويوقنون فيها، ويتعاملون معها كإيمان، في سوريا العلويين والدروز يعتقدون بذلك)، وعدنا عبد الرحمن أن يكتب عملاً آخر عن حياته السابقة في إسطنبول.

في رحلته الإفريقية على طريق اللجوء لأوروبا، يلتقي بمجموعة من الطلبة الموريتانيين، ويتناقش معهم عن الربيع العربي وأسبابه وتداعياته، سيتوصلون إلى استنتاجات مختلفة، تدور حول حق الناس بأن تحصل على حقوقها وتعيش الحرية والعدالة والحياة الافضل، وأن هذه الأنظمة تمنع ذلك لمصالحها الخاصة ومصالح القوى الدولية ومصلحة (إسرائيل) على رأسها، لذلك منع الربيع العربي من النجاح ومنع الربيع السوري من الانتصار، وحول ليكون مقدمة لخراب سوريا وتجزئتها وضياعها كدولة أيضاً، بعضهم أرجع ما يحصل إلى ما يزيد عن قرن وابتداء من محاولات نابليون أن يحتل مصر وفلسطين وخلق كيان يهودي تابع للغرب ومانع العرب من التوحد والتقدم، سيتم الحديث عن وثيقة كامبل التي كتبت في 1907، وظهرت حديثاً لأسابيع واختفت، كامبل رئيس وزراء بريطانيا الذي جمع علماء عصره ليجيبوا عن سؤال محدد: كيف نمنع انهيار الحضارة الغربية؟، وكيف نسقط الأعداء ونمنعهم من النصر علينا أبداً؟، وعبر سنتين ستكون النتائج باعتبار العرب والمسلمين أعداء الغرب وأوروبا، وستنشأ توصيات تمنع عنهم العلم والتوحد، وتخلق كيان يهودي في فلسطين، يمنع التواصل الجغرافي بين آسيا وأفريقيا العربيتين، وسيتم العمل على التجزيء وخلق الصراعات الطائفية والدينية والإثنية، يرصدوا عبر دراسة أحدهم كيف حصل مؤتمر بازل في سويسرا أواخر القرن التاسع عشر، ومن بعده مؤتمر كامبل، وبعده وعد بلفور 1917 بإعطاء فلسطين وطن قومي لليهود، وتراجع البريطانيين عن وعودهم للشريف حسين بإعطائه الجزء العربي من الخلافة العثمانية ليكون ملكاً عليها، وتنفيذ تقسيم سايكس بيكو لبلاد الشام لأربعة دول فلسطين والعراق للإنكليز ولبنان وسوريا للفرنسيين، ومن ثم خلق دولة (إسرائيل) عام 1948، على جزء من فلسطين واحتلالها لبقية فلسطين وبعض الأراضي العربية بعد 1967، يتحدثون عن تدمير المفاعل النووي العراقي في الثمانينيات، وعن احتلال العراق 2003 وعودة الحروب الصليبية على لسان بوش الرئيس الامريكي. وقبله غورو القائد الفرنسي عند احتلال سوريا في أوائل القرن العشرين، ويعملون على تقسيم المنطقة طائفياً وعرقياً، وفق مصلحة (إسرائيل)، وتنفيذ خطة كامبل الاستراتيجية.

سيصل عبد الرحمن إلى ألمانيا ويندمج في مشاكل اللاجئين السوريين فيها وفي أوروبا عموماً؛ التأخر بقبول طلبات اللجوء، وتأخر لم الشمل، واستمرار الأوضاع سيئة في سوريا، والضحايا يزدادون يوماً بعد يوم، سيعمل عبد الرحمن مع غيره من اللاجئين لتفعيل قبول اللجوء وتسريعه، وتسريع لم الشمل، يصل صوتهم للمسؤولين الألمان واعتصموا لأقل من شهرين ويستجاب لمطالبهم نسبياً، ويصل لعبد الرحمن خبر مقتل أسرته في صحنايا فيقرر العودة إلى سوريا، لقد ندم على لجوئه، وضميره يؤنبه كيف ترك عائلته وغادر قبلهم.

وعلى مستوى آخر سنتابع لورين الشابة الألمانية التي تسكن جوار عبد الرحمن، والتي لم ترتح له بداية، شابة تعيش علاقة مع صديقها دانيال، وسكنت عنده بعد وفاة أمها، وهي بالأصل لا تعرف أباها، ستجد بعبد الرحمن أبا لها يغدق عليها الاهتمام والحب والحنان، ستجده دائماً بجوارها يقدم لها يد المساعدة دوماً، أعجبت به، تفانيه وثقافته واهتمامه بشؤون السوريين ومساعدتهم على حل مشاكل اللجوء عندهم، صحيح أنها تختلف معه حول فلسطين (وإسرائيل) التي تحبها، لكنها ستفتقده عندما يترك كل شيء بعد موت عائلته وعودته إلى سوريا، ستبقى تذكره، وتتطور علاقتها مع دانيال ويتزوجا يقضيان شهر العسل في تل أبيب، ويعودان لحياتهم الطبيعية وتبقى ذكرى عبد الرحمن لا تفارقها، ستمر عليها السنون، وتنجب طفلة بعد خمس سنوات، وبعد مضي 11 عشر سنة على عودة عبد الرحمن لسوريا، سيعودان مرة أخرى لتل أبيب وهم يفكرون بزيارة دمشق والبحث عن عبد الرحمن، في (إسرائيل) التي أصبحت دولة من الفرات إلى النيل؟!، سيذهبون لدمشق ويبحثون عن عبد الرحمن في صحنايا فلا يجدوه، وفي قريته في اللجاة جوار السويداء فلا يجدوه أيضاً، لقد أصبح قصة لإنسان متميز ومحبوب ولكنه غير موجود.

تنتهي الرواية بقصيدة شعر كتبها عبد الرحمن.

في قراءة الرواية نقول: إننا أمام عمل روائي ينصب على واقع ما حصل في سوريا، ويكاد يكون في بعض تفاصيله رواية تسجيلية تتابع الحدث بكل تفاصيله، لتتحول إلى شهادة تاريخية عن هذه المرحلة في سوريا، والرواية أيضاً محملة جداً بالقراءة الفكرية والسياسية لواقع يمتد لأكثر من قرن، وبغض النظر عن الاتفاق والاختلاف مع مضمون هذه القراءة، لكنها تحول الرواية لعمل فكري وسياسي يقرأ الماضي وتستشرف المستقبل من خلال الحديث عن توسع (إسرائيل) بين الفرات والنيل، يضعف الرواية ببنائها الفني ويزيد من الحمولة الفكرية السياسية.

وفي مستوى آخر تتغافل الرواية عن طرح تفسير تحويل الثورة لحرب أهلية ومن ثم صراع دولي وإقليمي بالوكالة؟ ولم تجب عن عدم مشاركة مكونات الشعب السوري بنفس النسب في الثورة أو الحراك ضد النظام المستبد؟ ولا عن الأسلمة وما أسباب حصولها؟ ولا عن الالتحاق شبه الكامل من الطائفة العلوية بالنظام، إلى درجة شكلت له غطاء، واستخدم أغلب ابنائها أداة لقتل بقية الشعب السوري؟.

يعني من الآخر أننا كنا ننتظر من الرواية أن تحمل مسؤوليات وأن تغوص بالعمق أكثر وتقدم شهادة للتاريخ نحتاجها كلنا.

كل ذلك لا يلغي ما قدمته الرواية من متابعة شأن الحدث السوري وتبعاته دولياً وإقليمياً وعلى الشعب السوري، سيظهر أنها الآن وهنا تقول المعروف والمتداول والمنشور؛ لكنها في سياق الزمن والمستقبل هي شهادة تضاف لشهادات أخرى تظهر مأساة الشعب السوري، وإجرام النظام المستبد المجرم وأعوانه، وصمت العالم كله وتآمره على سوريا والسوريين الآن وللتاريخ.

إنها رواية تقرأ عار العالم المجسد بدم السوريين المهدور وضياعهم وتدمير مستقبلهم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني