fbpx

قراءة على منصة الإنسانية

0 84

فيما كنت أصعد درج الطائرة وقع بصري على كابتن الطائرة في مقصورته وكان شاباً بملامح صينية في الثلاثينيات وإلى جانبه فتاة أوروبية، وكانا منهمكين في قراءة اللوحات في المقصورة، يستعدان للإقلاع..

الكابتن يملك مصائرنا ونأتمنه دون سؤال على أرواحنا وأموالنا وأقدارنا…

نحن لا نعرف شيئاً عنه، لم يصافحنا على باب الطائرة، لم يعرفنا بنفسه ولم يشهد له عدول القوم ووجهاء البلاد، لا نعرف اسمه، ولا رسمه ولا جنسيته ولا دينه، ولا أباه ولا أمه ولا خاله ولا عمه، ولا نعرف مكانه في الجرح والتعديل ولم يشهد له ابن معين ولا ابن راهويه، ولم يثبت أنه يشاركنا توحيد الله ولا الدار الآخرة… ولكننا مع ذلك نأتمنه على أرواحنا….. لأننا نثق بقيم الحضارة وشروطها، ونسلّم دون أدنى تردد ودون أي معرفة بنظم الأياتا الدولية واتفاقات تقاسم الفضاء، ونعلم أن هناك اتفاقيات ومعاهدات تمت في مكان ما وأن اختبارات دقيقة تراقب هذا الطيار وأن النظام الملاحي أقره في مكانه فهو أهل للثقة….

لا تخطر على بالنا أبداً فكرة المؤامرة الكونية وأن الطيار ومساعدته ماسونيون مأجورون لإهلاكنا وامتصاص دمائنا، ولا نطالبهم باعتقاد ما نعتقد ولا التزام ما نلتزم، وندرك أننا إخوة في الإنسانية ولو اختلفت ألواننا وأوطاننا وأدياننا، وندرك بيقين أنهم يقومون بعملهم بمهنية عالية ولو كانوا لا يقيمون الصلاة ولا يؤتون الزكاة ولا يصومون رمضان.

في الطائرة نفسها هناك من يتحدث عن الحضارة العمياء والعرجاء والفكحاء، والمائتة والمدمرة، ويحذرون من مكر الكافرين والمشـركين، ولكنهم مع ذلك يركبون طائرة الكفار بثقة وحبور، ويصفقون للطيار في قيامه وهبوطه، ولن يقبلوا أبداً أن يتقدم غير متخصص لقيادة الطائرة مهما كان معروفاً بالثقة والاستقامة والصلاح والتقى، مهما كان ضليعاً بالفقه والتفسير وآيات الآفاق والأنفس والإعجاز القرآني والنبوي….

إننا في هذا العالم عائلة واحدة، واسرة إنسانية واحدة، نشترك السفينة إياها ونعمل معاً من أجل حياة أفضل، نتفق ونفترق، ولكننا جميعاً مسؤولون عن السفينة، ولا يمكن لراكب في السفينة أن يأذن بخرق فيها حيث يغرق الجميع.

هكذا يتغير العالم… ونشعر أننا في القافلة مع أننا نلعنها، وعلى المركب مع أننا نخونه ونزدريه..

متى ينتهي هذا الفصام… ونعتمد العلم وحده معياراً ودليلاً… وندرك جميعاً أن الإنسان أخو الإنسان وأن الخلق جميعا عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعباده..

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني