قراءة سياسية شاملة لتطورات المشهد السوري في ظل التقدم العسكري للثوار والتحولات الدولية
تشهد الساحة السورية تطورات عسكرية وسياسية متسارعة، حيث تمكنت قوات المعارضة ( الثوار)، خلال الأيام القليلة الماضية، من تحقيق تقدم ملحوظ في العديد من المناطق الاستراتيجية، بما في ذلك محافظة حلب، ومحافظة حماة، ومدن محورية مثل معرة النعمان، خان شيخون، وصوران. هذا التقدم العسكري يأتي في سياق إقليمي ودولي شديد التعقيد، تتشابك فيه مصالح دولية وإقليمية، ما يجعل من الضروري تحليل أبعاده السياسية والاستراتيجية بشكل عميق.
أولاً: الضغط الإسرائيلي على إيران ومليشياتها
تعد الضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة على مواقع المليشيات الإيرانية وحلفائها، بما في ذلك “حزب الله” اللبناني و”زينبيون” و”فاطميون” عاملاً أساسياً في إضعاف القوة العسكرية للنظام السوري وحلفائه.
الأهداف الإسرائيلية:
تقليص النفوذ الإيراني في سورية، ومنع استخدام الأراضي السورية كقاعدة لإطلاق الهجمات على إسرائيل.
إضعاف “حزب الله” كقوة عسكرية تهدّد أمن إسرائيل على الحدود الشمالية.
النتائج:
تشتت تركيز المليشيات الإيرانية بين الدفاع عن مواقعها ومواجهة ضربات الثوار.
تآكل الدعم العسكري المباشر للنظام السوري، مما أتاح للثوار فرصة للتقدم في الجبهات المفتوحة.
ثانياً: الضغط الروسي/التركي على نظام الأسد لتطبيق القرار الدولي 2254
يشكل القرار الدولي 2254 الإطار القانوني المعتمد دولياً لحل الأزمة السورية، إذ ينص على الانتقال السياسي عبر هيئة حكم انتقالية وصياغة دستور جديد وإجراء انتخابات بإشراف الأمم المتحدة.
الدور الروسي:
تحاول روسيا الموازنة بين دعمها للنظام السوري وضغوط المجتمع الدولي لتنفيذ حل سياسي.
ترغب موسكو في تحقيق استقرار سياسي يضمن مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية في سوريا.
الدور التركي:
تدعم تركيا المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً، وتعمل على حماية مناطق نفوذها في الشمال السوري.
الضغط التركي على روسيا والنظام السوري مرتبط أيضاً بمخاوف أنقرة من تدفق اللاجئين والمخاطر الأمنية على حدودها.
نتيجة الضغوط:
تزايد الحديث عن ترتيبات جديدة تهدف إلى فتح مسار للحوار بين المعارضة والنظام، تحت إشراف أممي.
ثالثاً: العمليات العسكرية للثوار وحدودها
الأهداف العسكرية:
استعادة السيطرة على المناطق الاستراتيجية، وفرض واقع ميداني جديد يُجبر النظام وحلفاءه على التفاوض.
إضعاف البنية التحتية العسكرية للنظام، خاصة في مراكز المدن الكبرى.
حدود العمليات العسكرية:
يبدو أن الثوار يخططون لتحديد سقف معين للعمليات، بناءً على التفاهمات الإقليمية والدولية.
الهدف النهائي لا يتمثل في تحقيق انتصار عسكري كامل، بل في تعزيز موقفهم التفاوضي على طاولة الحوار.
رؤية مستقبلية: الجلوس على طاولة الحوار
مؤشرات الحل السياسي:
تزايد الاجتماعات الدبلوماسية بين القوى الكبرى والإقليمية المعنية بالأزمة السورية.
تصاعد الضغوط الدولية على النظام السوري لتقديم تنازلات سياسية ملموسة.
التحديات:
استمرار الخلافات بين القوى الكبرى حول شكل الانتقال السياسي.
مقاومة النظام السوري وحلفائه لأي خطوة تُضعف قبضتهم على السلطة.
الخاتمة
إن التطورات العسكرية والسياسية الحالية تُظهر أن الساحة السورية قد تكون على مشارف تحول كبير. التقدم الميداني للثوار يضع النظام وحلفاءه في موقف صعب، فيما تتكثف الضغوط الدولية لتطبيق القرار 2254 وفتح الباب أمام حل سياسي شامل. ومع ذلك، فإن الطريق نحو تحقيق الاستقرار الدائم في سوريا يظل مليئاً بالتحديات، ويتطلب توافقاً دولياً وإقليمياً حقيقياً.
ونتمنى السلامة لكل الشعب السوري وتجنيبه إراقة الدماء السورية بأي شكل من الأشكال.