في نقد قراءة الدكتور الأستاذ لؤي صافي لطبيعة الحل السياسي
تم شرح هذه القراءة خلال مشاركته الكريمة في الندوة التي أقامتها أمارجي – لجان الديمقراطية السورية، بتاريخ 13 تشرين الثاني 2022، تحت عنوان:
النظام السوري، وإشكالية التأهيل والتغيير.[1]
مما جاء في مداخلة، الدكتور:
إذا انتقلنا الي المصلحة السورية، المصلحة السورية، هي باختصار في الوصول الى حل سياسي وفق القرار 2254. هذا القرار أعتقد يحقق ما نريد. يدعو الى تشكيل هيئة حكم انتقالي، يدعو الى دستور، يحترم التنوع السوري، يدعو الى نظام ديمقراطي، السوريون فيه متساوون.
إذ أتفق مع الدكتور على ان المصلحة السورية هي في الوصول إلى حل سياسي، ألا يحق لنا أن نتساءل حول واقعية أن يشكل مسار جنيف عموما، ومحطة القرار 2254، ورغم كل ما يدعو إليه من أهداف نبيلة، مسارا واقعيا لتحقيق حل سياسي، يتوافق مع تطلعات السوريين والأهداف التي يدعو إليها؛ في ضوء ما صنعته مراحل الخَيار العسكري الطائفي من وقائع منذ ربيع 2011، وما واكبها على صعيد مسار جنيف، من فشل ذريع في تحقيق دعواته؛ باعتراف أصحابه، قبل خصومه!.
بمعنى، هل يملك مسار جنيف – بدءاً بنقاط كوفي أنان، حزيران 2012، وانتهاء بآخر اجتماعات هيئة التفاوض واللجنة الدستورية – بحيثياته وبآلياته ومصالح القوى التي تقف خلفه، وفي خطواته المتساوقة مع ا الخَيار العسكري الطائفي، إمكانيات التحقق، كمسار لحل وانتقال سياسي؟ وإذا كان الجواب الواقعي، في ممارسة قوى الخيار العسكري وفي المخرجات، هو بالنفي، فما هو سر استمراره، على صعيد الإعلام، وفي هيئات اللجنة الدستورية و هيئة التفاوض، وعلى صعيد الوعي السياسي والثقافي النخبوي المعارض؟.
الجواب واضح، لأن مسار جنيف، بخلاف جميع جهود الحل السياسي السابقة لتاريخ 4 شباط 2012، لا يشكل في أحسن الأحوال سوى مساراً لتسوية سياسية بين سلطة النظام وسلطات الأمر الواقع، التي باتت عملياً، ووفقاً لموازين القوى، تشكل معارضات سلطة النظام الوازنة، وما تقوم به النخب السياسية في الهيئات الرسمية الأممية، (كمندوبين لقيادات قوى الخَيار العسكري الدولية، التي تتحكم بنشاط مجلس الأمن، ولشركائهم الإقليميين)، ليس سوى غطاء، يحاول إخفاء حقيقة الفارق (الذي يبدو أنه انطلى على معظم النخب الثقافية!)، بين صيرورة مسارين متناقضين، مسار حل سياسي وآخر للتسوية السياسية، والفارق نوعي؟[2].ألا يؤكد صحة هذه القراءة، وما تصل إليه من استنتاج، انتهاء وظيفة هيئة التفاوض و اللجنة الدستورية خلال 2023، بعد دخول سلطة النظام بمفاوضات مباشرة مع شركائها في قسد و هيئة إدلب، (في سياق هذه المرحلة من التسوية السياسية الشاملة) وغير مباشرة مع ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، من خلال الحكومة التركية!؟.
أولاً: في بعض التساؤلات المشروعة!
إذ يعول الدكتور المحترم، ونسبة 99% من نخب وتيارات المعارضة السورية، على قدرة مسار جنيف عموماً، والمحطة الأهم فيه، القرار 2254، على الوصول بالصراع إلى حل سياسي، يتوافق مع آمال السوريين وحقوقهم المشروعة بحصول انتقال سياسي وتحول ديمقراطي، فقط لأنه يدعو إلى ما يحققها، فليسمح لنا الدكتور، وجميع أقلام ومنصات الترويح، بالتساؤل:
1- هل يكفي أن يدعو القرار 2254؛ الذي تحول إلى قبلة النخب السياسية والثقافية المعارضة، ومبرر خمولها الثوري، وأكبر رهاناتها خسارة الحل سياسي ونظام ديمقراطي، لكي نستنتج انه الطريق العملي لتحقيقهما؟.
2- ألا يلاحظ الدكتور البون الشاسع بين الدعوة والتنفيذ، وما بينهما من آليات تنفيذية مناسبة، ومصالح دول، تتوافق او تتعارض مع سياسات، ونتائج التنفيذ؟!
فهل أدت دعوات قرار المجتمع الدولي ومجلس أمنه المصون، الخاضع كليا لإرادة سياسات ومصالح واشنطن وموسكو، وفقا للقرارات 242/ 338، قبل عقود، إلى تنفيذ انسحاب إسرائيل من الاراضي العربية المحتلة، وعودة اللاجئين الفلسطنيين؟!.
3- ما هي الجدوى العملية من الأهداف والدعوات، دون ان تترافق بآليات مناسبة لتنفيذها، وبإرادة حقيقية لمدبجيها، ترتكز على المصالح، وتؤكدها السياسات؟.
فهل من مصلحة للولايات المتحدة وروسيا، عرابي القرار 2254، أن يتم تنفيذ بنوده، بما يؤدي إلى تحقيق الهدف المركزي لنضال السوريين التاريخي ولحراك ربيع 2012 – الانتقال السياسي، والتحول الديمقراطي، وإطلاق صيرورة بناء مقومات المشروع الوطني الديمقراطي؟ هل هي حقيقة الأهداف التي تعمل واشنطن وموسكو على تحقيقها منذ ربيع 2011؟.
4- لنفترض بامتلاك خطة كوفي انان، التي أتت في نقاطه الست وشكلت قاعدة لبيانات جنيف والقرار 2254، إمكانية التحقق خلال المهلة الزمنية التي حددها كوفي أنان في حزيران 2012 للبدء بوقف إطلاق نار وتهيئة البيئة الآمنة لخطوات الانتقال السياسي اللاحقة، فهل كانت ما تزال تمتلك نفس الإمكانية في خريف 2015، توقيت اتخاذ القرار 2254، رغم ما حصل من تغيرات على صعيد قوى الثورة والثورة المضادة، وهل ما تزال تمتلك بعد ربيع 2020، في ضوء ما صنعته حروب مسار الخيار العسكري، الامني بين 2015-2020، وفي ظل موازين القوى الحالية، حيث لا تملك الأطراف السورية التي لها مصلحة بقيام حل السياسي اية أوراق قوة بالمقارنة مع القوى التي انتصرت عبر مسار الحرب، محلياً وإقليمياً ودولياً؟.
5- لماذا نتجاهل حقيقة أن نهج مسار جنيف، والقرار 2254، (المتجسدة في قيام مفاوضات مع سلطة النظام التي يوجب الحل السياسي حدوث انتقالها إلى هيئة حكم انتقالية مستقلة ومفوضة، كخطوة أولى، وشرط لبدء مسار حل سياسي)، وأن آليات العمل، (التي تشترط موافقة حكومة سلطة النظام الشرعية على أية توافقات محتملة)، تحول عمليا وواقعيا مسار جنيف إلى مسار تسوية سياسية، تتكامل خطواته وإجراءاته مع تقدم مسار الخَيار العسكري الطائفي الموازي؟.
اذا كان تنفيذ أية خطوة من القرار العتيد، 2254، كوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين، أو التوافق حول شروط انتقال سياسي، يحتاج إلى موافقة الحكومة الشرعية، فهل ثمة عاقل يتوقع أن توافق الحكومة الشرعية على خطوات تحد من سلطتها، في ظل موازين القوى الحالية، وبعدم امتلاك الميسر الأممي أية أوراق ضغط؟.
لو توفرت الحدود الدنيا من إمكانية إعطاء الحكومة موافقتها على خطوات إصلاح سياسي، هل كنا لنعيش في أتون حرب مدمرة منذ 2011؟.
أليس التعويل على خطوات وإجراءات حل سياسي، تتطلب موافقة سلطة النظام، يتناقض مع أطروحات الندوة، التي تؤكد على عدم إمكانية دخول النظام بأي عملية سياسية، ضحلة، أو معمقة، وعلى عدم إمكانية إصلاح النظام، فكيف تستنتجون بواقعية الاعتماد على قرار، يضع آليات تنفيذه على احتمال ان يقبل النظام بأضعاف سلطته، في ظل غياب أوراق قوة، وآليات ضغط فعالة؟.
1- ولماذا لانبحث عن أسباب ودوافع ومصالح وأهداف القوى التي وضعت النهج، والآليات، التي تجهض إمكانيات قيام حل سياسي!.
فهل من مصلحة، ويتوافق مع أهداف واشنطن التي تحققت في نهاية 2020 في سياق صيرورة الخيار العسكري أن تدعم جهود قيام حل سياسي، كان سيقطع صيرورة الخيار العسكري التي أتاحت لواشنطن تحقيق أهدافها؟.
ثانياً: ما هي الأسباب الموضوعية والذاتية التي تبين استحالة أن يكون القرار 2254، أساساً، وطريقاً لتحقيق حل وانتقال سياسي و هيئة حكم انتقالية مستقلة؛ لأسباب عديدة جداً، أهمها:
1- التوقيت! تمت الموافقة عليه في 18/12/2015، بعد مضي ثلاث سنوات على انطلاق مسار الخَيار العسكري الطائفي، وبعد كل ما صنعته حروب قواه من وقائع[3] خلال مراحله المتتالية[4] تتناقض مع شروط قيام حل سياسي، وقد دخل خيار الحل العسكري بعد آذار 2020 في مرحلة تحقيق أهداف التسوية السياسية، بين قوى الخَيار العسكري، وتشكل خطوات التطبيع، وجهود تأهيل متزامن لسلطات الأمر الواقع – سلطة النظام ولهيئة وقسد – أبرز معالمها!.
2- حيثيات القرار: القرار 2254 هو مشروع أمريكي، وقد صاغته الولايات المتحدة الأمريكية بالتوافق مع روسيا، وكانت نتيجته الأبرز الاعتراف بشرعية تمثيل سلطة النظام التي اعتبرها القرار 2254، المعتمد على نقاط كوفي أنان وبيانات جنيف، محاوراً رئيسياً؛ بما يتناقض مع بنود خطة السلام العربية الثانية، وما دعت إليه جميع وثائق المعارضة خلال 2011، من ضرورة البدء بخطوة الانتقال السياسي، وتشكل هيئة حكم انتقالية مستقلة ومفوضة، تملك مشروعية تنفيذ خطوات حل سياسي!.
على أية حال، كان من الطبيعي أن يعبر القرار في الأهداف والآليات عن مصالح القوى الدولية التي تقف خلف إصداره، الولايات المتحدة، التي أكد الدكتور لؤي، وهو على حق، أن سياساتها واضحة: ببقاء الوضع على حاله! ألا يعني بقاء الوضع على حاله إجهاض الخطوة المفتاحية في مسار حل سياسي، يجب أن يبدأ بالانتقال إلى سلطة جديدة، تمثلها هيئة حكم انتقالية؟. أليس هو جوهر ما طرحه الدكتور لؤي:
وأنا أقول لكم هذه الدول (الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا)، لن تقدم حلاً، أصلاً فكرة أن دولة تقدم حل، لا يصدر عن أي شعب!! فكرة على المستوى السياسي ليس لها أي معنى، طالما الناس في أي بلد لم يكن عندهم مشروع وطني، مَن سيقدم مشروعاً وطنياً؟ أحد من الخارج، يستحيل!. نعم، هي الحقيقة بعينها!.
إذا كان هذا فعلاً ما يعتقده الدكتور لؤي صافي، وهو على حق، وقد أثبتت هذا القول تجربة السنوات العشر العجاف، فكيف يناقض نفسه عندما يعتقد أن القرار 2254، (الذي هو مشروع خارجي صاغته قوى خارجية، ووقعت عليه قوى خارجية، ولم يحضر اي من السوريين، في السلطة والمعارضة، او يُستشار، بما ورد فيه)، يشكل طريقا لتحقيق حل سياسي، ومشروع وطني؟.
3- الآليات! عندما طالبت في النقطة الثانية من القرار 2254 كل الأطراف الالتزام بوقف القتال والتوصل بشكل عاجل إلى وقف فعال للعنف المسلح بكل أشكاله، ودعت الحكومة السورية أن توقف على الفور تحركات القوات نحو التجمعات السكنية وإنهاء استخدام الأسلحة الثقيلة داخلها وبدء سحب التمركزات العسكرية داخل وحول التجمعات السكنية؛ وأن تتعاون مع المبعوث للتوصل إلى وقف دائم للعنف المسلح بكل أشكاله من كل الأطراف، ولم تحدد، عن سابق إصرار ووعي، آليات فعالة، قادرة على فرض تنفيذ هذ الالتزام على النظام، وهي مدركة تماما بعدم وجود مصلحة للنظام بتحقيق هذه الخطوات، وقد بذلت سلطته قصارى جهدها لتفشيل جهود مماثلة، قام بها المراقبون العرب!.
لماذا تهرب القرار من تحديد آليات فعالة للتنفيذ، واكتفى بإشارة غامضة، لم ينتج عنها اية إجراءات فعالة حتى اللحظة، كالقول، مع وجود آلية إشراف فعالة للأمم المتحدة، دون ان يحددها، بل اكتفى بتكليف’ الأمين العام بالتوصل إلى رفع تقرير للمجلس حول أنجعها!. ودعى إلى الالتزام بالتعاون مع المبعوث في عملية سياسية.
4- الوقائع: خلال حراك 2011-2012، وفي مواجهة استحقاقات إصلاح ديمقراطي، تكاملت جهود دفع الصراع السياسي على مسار الخَيار العسكري الطائفي، وقد نتج عنه تدمير الشروط السورية، الذاتية والموضعية، لقيام حل سياسي وطني، وفقا لآمال السوريين المشروعة التي عبرت عنها مشاعر المشاركين في الحراك السلمي، وتلبية لأهداف التغيير الوطنية الديمقراطية الإصلاحية التي أتت في رؤى ووثائق المعارضات السياسية السورية خلال 2011-2012، (وثائق هيئة التنسيق ووثيقتي العهد الوطني القاهرتين، وبنود بخطة السلام العربية الثانية)، التي تمحورت حول هدف توفير شروط بيئة آمنة لحصول انتقال سياسي، كخطوة أولى، وشرط سياسي أساسي لإطلاق صيرورة التحول الديمقراطي؛ بدءاً بهيئة حكم انتقالية مستقلة ومفوضة وعبر خارطة طريق بناء مؤسسات النظام السوري الجديد – الوطني الديمقراطي.
رابعاً: في طبيعة العملية السياسية التي عمل على تحقيقها الجهد السياسي والدبلوماسي المرتبط بالخَيار العسكري، ومراحله المتتالية:
لماذا يتجنب الدكتور الاشارة إلى ما اثبتته السنوات التالية لإطلاق مسار جنيف، في أيار 2012
مسار الحل السياسي الأممي، بجميع محطاته، بدءاً بنقاط كوفي أنان، وبيان جنيف 2012، ووصولاً الى آخر اجتماعات للجنة الدستورية وهيئة التفاوض، وإلى ما شاءت مصالح وسياسات واشنطن وروسيا، لا يملك آليات تنفيذ حل سياسي، وقد اعتمدته الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا كمسار لتسوية سياسية بين قوى الخيار العسكري، بعد تفشيل مسار الحل السياسي، الذي طرحته المبادرة العربية/التركية، في 4/2/2012، الذي دعى إلى انتقال السلطة إلى نائب الرئيس، واضعا بذلك الآلية العملية لإطلاق صيرورة حل سياسي؛ لو توافقت أهداف المسار ومآلاته مع مصالح وسياسات الولايات المتحدة وروسيا!.
بناء عليه، كل جهد سياسي ودبلوماسي بعد ٤ شباط (إسقاط خطة السلام العربية الثانية)، وصيف 2012 (تموز – اغتيال قادة الجيش السوري، الذين يُفترض أن يشاركوا في تشكيل هيئة حكم انتقالية كبديل للسلطة القائمة، وتجسيد لخطوة الانتقال السياسي!) لا يمكن أن يأتي في سياق حل سياسي، تم قطع مساره، وانتصر على جثته الخَيار المضاد، بل يرتبط بأهداف الوصول إلى تهدئة مؤقتة أو مستدامة، تشكل في إجراءات وخطوات تحقيقها صفقة (تسوية سياسية) بين قوى الخَيار العسكري الخارجية – الولايات المتحدة وروسيا وحكومات أوروبا الديمقراطية – وأدواتها السورية والإقليمية الميليشاوية؛ التي دخلت في صراع دموي على السلطة في المرحلة الأولى بين منتصف 2012-2014، وفي حروب تقاسم الحصص ومناطق النفوذ، بين 2015-2020، وتبلورت في نهاية حروبها وقائع السيطرة الجيوسياسية الجديدة، التي رسمتها خارطة الرئيسين الروسي والتركي في تفاهمات متواصلة بين نهاية 2019، وربيع 2020.
موضوعياً وذاتياً، لا يخرج عن عوامل السياق العام للتسوية السياسية، ما سُمي بمسار جنيف، بدءاً بنقاط كوفي أنان، وبيان جنيف1 وانتهاء بالقرار 2254؛ ولا يمكن لآليات عمله وأهدافه التي تتوافق مع خطط وسياسات السيطرة الإقليمية والسورية للولايات المتحدة وروسيا الأمريكية وروسيا أن تشكل مساراً لحل سياسي، لسببين رئيسيين:
أ- يفتقد مسار جنيف لأهداف وآليات الحل السياسي، التي أكدت عليها خطة السلام العربية الثانية، ووثائق المعارضات خلال 2011، بما يجعل منه مشروعاً لقيام تسوية سياسية وليس حلاً سياسياً.
ب- لم يتضمن مسار جنيف آليات تحقيق خطوة الانتقال السياسي، وبالتالي خارطة طريق تحول ديمقراطي، وتمحورت أهدافه وجهود في العمل على تيسير قيام مفاوضات بين السلطة القائمة، وبين معارضات لا تعبر عن أهداف الحل السياسي، كما صيغت في وثائق معارضات 2011، وتأخذ بعين الاعتبار ضرورة موافقة الحكومة السورية الشرعية، ومعارضاتها التي تفتقد للشرعية الوطنية أية توافقات قد تصل إليها مفاوضات غير متكافئة، في شروط تحددها أجندات قوى الخَيار العسكري الخارجية، ولا تخرج عن سياق جهود التسوية السياسية النهائية!.
خامساً: في طبيعة المرحلة الراهنة!
3- منذ ربيع 2020، حين أعلنت وثيقة اتفاقيات الرئيسين التركي والروسي وقف إطلاق النار، ووضعت خارطة توزيع السيطرة الجيوسياسية السورية الجديدة بين قوى الخَيار العسكري الخارجية وأذرعها السورية، التي باتت تشكل سلطات أمر واقع، كل ما يحصل من إجراءات وجهود وخطوات سياسية ودبلوماسية على الصعيدين السوري والإقليمي، تأتي في سياق تحقيق أهداف وخطوات التسوية السياسية الشاملة، وكل وعي سياسي أو ثقافي يعمل على تجاهل المرحلة، وطبيعة العلاقات والإجراءات، وسقفها السياسي، يؤدي موضوعياً إلى تضليل الرأي العام السوري، ويمنع على السوريين امتلاك الوعي السياسي الموضوعي، الذي يشكل أداة فهم الواقع، والمساعدة في تغييره!.
[1]– الدكتور لؤي صافي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة حمد بن خليفة القطرية.
[2]– في الوعي السياسي الرائج، عملت دعايات الجميع على الخلط بين مفهوم وشروط وسياق الحل السياسي والتسوية السياسية، وقد قدمت وعياً سياسياً منفصلاً عن حقائق الواقع، وساهمت في إبعاد السوريين عن دائرة الوعي السياسي الموضوعي والفعل الوطني!.
بداية لابد من التأكيد على حقيقة أن مسار الحل السياسي يقطع مسار الحل العسكري ولا يوازيه أو يواكبه، بينما يوازي ويواكب مسار التسوية السياسية الخيار/الحل العسكري، الذي تفرض موازين قواه في نهاية الصراع شروط قيام تسوية سياسية نهائية.
في مواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية سورية خلال 2011، كان يمكن أن ينطلق مسار حل سياسي، قبل نجاح جهود التطييف والعنف، وعبر مفاوضات واتفاقيات بين قوى وطنية داخل قيادة النظام من جهة، وبين قوى وشخصيات ديمقراطية، تمثل حراك السوريين السلمي، وتعبر عن تطلعات الشعب السوري في حصول انتقال سياسي وتحول ديمقراطي، وتكون أداته هيئة حكم انتقالية مستقلة ومفوضة تضم شخصيات قيادية من النظام والمعارضة، تهيئ الشروط الوطنية لقيام انتخابات ديمقراطية، وتطلق صيرورة الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي من خلال بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية.
المحاولة الأكثر جدية لدفع الصراع السياسي في نهاية 2011 ومطلع 2012 على مسار الحل السياسي تجسدت بخطة السلام العربية ٢، التي طرحتها الجامعة العربية في خريف 2011، بدعم تركيا، وتكامل مع جهود لجنة المراقبين العرب؛ والتي لم تجد دعماً فعالاً أو تبنياً من قبل الولايات المتحدة التي كانت إدارتها مشغولة بعقد مؤتمرات الصداقة مع الشعب السوري، وإطلاق التصريحات النارية، لتأجيج الصراع، وكان سفيرها في دمشق روبرت فورد منهمكا في ضمان عدم وصول الحراك النخبوي الديمقراطي المعارض إلى تشكيل جسم سياسي، قد يُمثل الخيار البديل، ومشغولا بترتيب صفقات وتفاهم مع أبرز شخصيات المعارضة، وتسهيل سفر بعضهم إلى الخارج، بالتنسيق مع نظرائه الأوربيين.. فكان من الطبيعي أن يتم إسقاط الخطة عند طرحها للتصويت في جلسة مجلس الأمن، بتاريخ 4 شباط، بفيتو روسي/صيني.
لقد بات تحقيق حل سياسي شبه استحالة، بعد ما حصل من تغيرت في طبيعة الصراع، وادواته، قوضت شروط الحل السياسي؛ وقد تم هزيمة الحراك، وقواه وجمهوره، ونجاح جهد سوري إقليمي في تحويل الحراك الشعبي السلمي إلى ثورة مضادة، طائفية، وارتباط أدوار المعارضات السورية التقليدية بأجندات قوى الحل العسكري؛ وهي الشروط التي تجعل من المستحيل حصول حل سياسي، هذا لو افترضنا أن للولايات المتحدة مصلحة في تحقيقه؛ ناهيكم بحقيقة أن القرار 2254، الذي مازال البعض يطالب بتنفيذه، والذي دبجت بنوده الولايات المتحدة بالتنسيق مع روسيا، لم يتضمن اية آليات فعالة للتنفيذ، واقتصر على بعض التوصيات، وحصر دور الأمم المتحدة بالوسيط الميسر واشترط الموافقة المسبقة للنظام على اية تفاهمات مستقبلية، وهو ما يجعل منه مسار تسوية سياسية وليس حل سياسي!.
[3]– الأولى، بين ربيع 2011 ومنتصف 2012 المواجهات الأمنية وخطوات وجهود التطييف والميلشة والعسكرة، وتفشيل قيام حل سياسي وتشكيل قيادة/جسم سياسي وطني ديمقراطي معارض، خاصة من خلال دق إسفين في وحدة الصف الوطني، العربي/الكردي، وما نتج عنها تغيير في طبيعة الحراك، وتحويل جمهوره إلى مجاهدين لقد شكلت المرحلة الأخطر في تفشيل جهود الحل السياسي، الذي يعني قطع مسار الخيار العسكري، ودفع الصراع على مسار خارطة طريق انتقال سياسي، بين شباط وتموز 2012، (إسقاط خطة السلام العربية الثانية في مجلس الأمن 4 شباط، واغتيال ضباط خلية الأزمة في 18 تموز)، وشكلت أخطر مقدمات دفع الصراع على مسار الخيار العسكري، الذي استمر بمراحله الحربية حتى آذار 2020، وما بات مطروحا منذ حزيران 2012 بدءاً بنقاط كوفي أنان الست، لم يكن سوى في إطار تسوية سياسية بين النظام و المعارضة.
والثانية، بين منتصف 2012-2014 وانتهت عند تدخل جيوش الولايات المتحدة وتحالفها الدولي؛ وقد نتج عنها سيطرة ميليشيات قوى الثورة المضادة على كامل مساحة سوريا، وقد شكل أبرز نتائجها الحفاظ على سلطة النظام واستمرار شرعيتها الدولية، وحصول ميليشيات حماية الشعب على سيطرة واسعة في محافظات الحسكة وحلب.
المرحلة الثالثة، بين منتصف 2015 وربيع 2020 مرحلة حروب إعادة توزيع الجغرافيا السورية إلى حصص ومناطق نفوذ بين قوى الثورة المضادة الرئيسية، وقد كان أبرز نتائجها تبلور سلطات الأمر الواقع، خاصة سلطات النظام، وقسد و الهيئة، ومناطق السيطرة التركية المباشرة، التي فرضها عسكريا الجيش التركي وأذرعه السورية من ميليشيات قوى الثورة المضادة، في مواجهة حروب روسيا والولايات المتحدة وإيران لتقاسم الحصص؛ المرحلة الرابعة، والأخيرة انطلقت صيرورتها بعد توقيع اتفاقيات 5 آذار بين الرئيسين التركي والروسي، وهي مرحلة التسوية السياسية الشاملة، وتتمحور حول هدف وإجراءات الوصول الى اعتراف متبادل وتهدئة مستدامة بين سلطات الأمر الواقع، تشرعن واقع الحصص، وتسمح بإعادة التأهيل على الصعيد السوري، والتطبيع، إقليمياً وعالمياً.
[4]– وفقاً لخريطة السيطرة العسكرية التي يُصدرها مركز جسور للدراسات بالتعاون مع منصة إنفو رماجين لتحليل البيانات، فإن نِسَب سيطرة القُوَى على الأرض هي حتى نهاية 2021 على النحو الآتي
– حافظت فصائل المعارضة على نسبة سيطرتها وهي: (10.98%) من الجغرافيا السورية، وتتوزع مناطق سيطرة المعارضة في إدلب وشمال حلب، وفي منطقة تل أبيض ورأس العين في الرقة والحسكة، وفي منطقة الزكف والتنف (المنطقة 55) في جنوب شرق سورية.
– حافظ النظام السوري على نسبة سيطرته وهي: (63.38%) من الجغرافيا السورية، وهي سيطرة شِبه تامة على محافظات الساحل والوسط وجنوب سورية، وسيطرة على أجزاء من المحافظات الشرقية ومحافظة حلب. وتحولت سيطرته على محافظة درعا إلى سيطرة شاملة بعد عملية تصعيد بدأها النظام على درعا في تموز/ يوليو 2021 وانتهت باتفاق السيطرة الشاملة على المحافظة في 1 أيلول/ سبتمبر 2021، بينما بقيت سيطرة النظام على محافظة السويداء سيطرة هشة مقتصرة على الفروع الأمنية ومؤسسات الدولة دون دخول الجيش إليها.
– حافظت قوات سورية الديمقراطية قسد على نسبة سيطرتها وهي: (25.64%) من الجغرافيا السورية، وهي نفس النسبة المسجلة منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وتشمل أجزاء واسعة من محافظة دير الزور والرقة والحسكة، وأجزاء من محافظة حلب. وأصبح من الممكن تقسيم مناطق سيطرة قسد وَفْق انتشار القواعد العسكرية للتحالف الدولي أو للقوات الروسية، فقواعد القوات الروسية تنتشر بشكل أساسي في المناطق التي انسحبت منها قوات التحالف، إضافة لقاعدتها الرئيسية في مطار القامشلي.
أولاً في سورية لا يوجد نظام، وكل من يسمي عصابات إجرامية نظام يخون الشعب السوري والفكر الإنساني خيانة عظمى. العصابات الإجرامية تحال فوراً للقضاء ولا يسمح لها أن تتحول لنظام.
ثانياً لن أستمر بقراءة هذا التضليل الخالي من أي تحليل علمي.