
في زمن التحولات: لا وطن يُبنى بالكراهية
في زمن التحولات تتكشف المعادن وتظهر النوايا وتصبح الكلمات مسؤولية والمواقف ميزاناً للضمير الوطني. في مثل هذه الأوقات لا يجوز أن نقيس المواقف بالمزاج ولا أن نصوغ الوطنية على هوى الكراهية أو ردّات الفعل الآنية.
لقد أرهقنا التخوين وأضنانا تمزيق النسيج الاجتماعي وشوّهنا صور بعضنا بعضاً لأننا فقط اختلفنا في الرأي أو الموقف. أما آن الأوان لأن ندرك أن الاختلاف لا يُقصي الوطنية بل قد يعززها أن التنوع ليس خيانة بل ثراء.
الخطاب الطائفي ليس وجهة نظر بل سمّ بارد يتسلل خلسة إلى العقول يحوّلها إلى أدوات انتقام لا أدوات بناء. والتخوين ليس حجة بل ضعف متنكر في ثوب القوة ومستقنع أخلاقي يغرقنا جميعاً في مستنقع الانهيار. أما الانتقام فليس عدالة إنه وجه آخر للظلم يفتح أبواب الخراب ويغلق نوافذ الأمل.
الوطن لا يُبنى بالحقد ولا يُحمى بالإقصاء ولا يُطهّر بالتحريض. الوطن يُحمى حين نحمي إنسانية المختلف قبل أن نطلب اتفاقه. يُحمى بالعدل بالصدق، بالتعدد وبالاعتراف بحق الآخرين في الصوت والمكان.
إن الفتنة حين تُؤجَّج لا تترك منتصراً. هي نار تأتي على الجميع لا تفرّق بين مَن أشعلها ومَن حاول الهرب منها.
في هذا المفترق نحن أمام خيارين:
إما أن نكون جسداً واحداً يختلف دون أن يتفكك أو أن نسمح للفرقة أن تفتك بنا حتى آخر حلم وطني مشترك. دعونا نختار ما يبقي الوطن حياً.