
في اليوم الدولي للمرأة: المرأة السورية في قلب المرحلة الانتقالية – ضمان العدالة والمشاركة الفاعلة بعد 13 عاماً من النضال
المرأة السورية بين النضال والانتهاكات:
منذ اندلاع الحراك الشعبي في سوريا في آذار/مارس 2011، أثبتت النساء أنهن قوة تغيير لا يمكن تجاهلها، حيث كنّ في طليعة المطالبين بالحرية والعدالة، وشاركن في توثيق الانتهاكات ودعم المتضررين. إلا أن هذا الدور الفاعل جعل النساء هدفاً مباشراً للقمع الممنهج، حيث وثّقت آخر التقارير الحقوقية للشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 16603 سيدات، إضافة إلى استمرار إخفاء 9736 قسرياً، وتعرض 10072 امرأة لحوادث عنف جنسي على مدار 13 عاماً.
واليوم، مع دخول سوريا مرحلة انتقالية بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، يصبح من الضروري الاعتراف بدور النساء وضمان مشاركتهن في صياغة مستقبل البلاد على أسس من العدالة والمساواة، لتجنب إعادة إنتاج سياسات الإقصاء التي همشتهن لعقود.
المرأة السورية في قلب المأساة: انتهاكات ممنهجة ومعاناة متواصلة
عانت النساء السوريات من طيف واسع من الانتهاكات التي لم تكن مجرد أفعال فردية، بل سياسات مدروسة تهدف إلى كسر إرادة المجتمع بأسره. فقد وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تعرض النساء للاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، إلى جانب استخدام العنف الجنسي كسلاح حرب لإرهاب المجتمع وتدمير النسيج الاجتماعي. كما لم تسلم الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان من الاستهداف والترهيب، حيث سجلت 19 حادثة اعتداء عليهن خلال عام واحد فقط. هذه الأرقام المرعبة لا تعكس فقط حجم المأساة، بل تضع مسؤولية تاريخية على عاتق الجميع لضمان عدم تكرار هذه الجرائم في المستقبل.
العدالة الانتقالية: ضرورة لمحاسبة الجناة وضمان عدم الإفلات من العقاب
مع الانتقال إلى سوريا جديدة، لا يمكن تحقيق الاستقرار دون مساءلة مرتكبي الجرائم بحق النساء وضمان حقوق الضحايا والناجيات. ويشمل ذلك:
تشكيل لجان تحقيق مستقلة للنظر في الانتهاكات التي تعرضت لها النساء، وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة.
تعزيز دور النساء في المؤسسات القضائية لضمان عدالة شاملة ومنصفة
إطلاق برامج دعم نفسي واجتماعي لمساندة الناجيات من العنف والاعتقال، ومساعدتهن على إعادة الاندماج في المجتمع.
إشراك النساء في صياغة مستقبل سوريا: ضرورة لا خيار
إن استبعاد النساء من المرحلة الانتقالية سيؤدي إلى إعادة إنتاج الأنظمة التمييزية، مما يهدد أي مساعٍ لتحقيق الديمقراطية والاستقرار. لذا، لا بد من ضمان تمثيل حقيقي للمرأة في:
اللجان الدستورية لضمان نصوص تحمي حقوق النساء وتمنع أي تمييز ضدهن.
الحكومة الانتقالية لضمان سياسات أكثر عدالة وإنصافاً.
المجالس التشريعية لضمان إقرار قوانين تحمي حقوق المرأة وتعزز دورها في المجتمع.
الهيئات القضائية لضمان تحقيق العدالة للضحايا، ومنع إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب.
التمكين الاقتصادي والاجتماعي: بناء مستقبل قائم على المساواة:
لا يمكن إعادة بناء سوريا دون توفير الفرص الاقتصادية والتعليمية للنساء، وهو ما يتطلب:
إطلاق برامج تدريب وتأهيل مهني لضمان اندماج النساء في سوق العمل.
تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تديرها النساء لتعزيز استقلاليتهن الاقتصادية.
إصلاح القوانين التمييزية لضمان حقوق متساوية في العمل، والتعليم، والجنسية، وحماية النساء من العنف.
نحو سوريا عادلة تكرّس حقوق المرأة:
إنَّ المرحلة الانتقالية في سوريا لا يمكن أن تكون ناجحة دون الاعتراف بالدور المحوري للمرأة، ليس فقط كضحية للانتهاكات، بل كقائدة للتغيير وصانعة للسلام.
إن تحقيق العدالة الانتقالية، وضمان مشاركة النساء في صنع القرار، وتمكينهن اقتصادياً واجتماعياً، ليست مجرد مطالب حقوقية، بل شروط أساسية لضمان مستقبل مستقر وعادل لسوريا. إن نجاح هذه المرحلة لن يكون ممكناً ما لم يتم الاعتراف بأن النساء كنّ، وما زلن، في قلب النضال من أجل الحرية، وهنّ الأقدر على بناء مستقبل يليق بتضحياتهن.