fbpx

غياب أمريكي لافت عن الملف السوري.. إسلاموفوبيا غربية متجددة

0 81

عُقدت في واشنطن في صباح الثامن والعشرين من شهر نيسان 2023 جلسة حوارية في معهد هوفر في العاصمة الأمريكية واشنطن، تناولت القضية السورية ووضعها الراهن وتشابكاتها وبعض المقاربات والتساؤلات حول التطبيع العربي  والموقف الأمريكي منه.

وكان ضيوف الجلسة كلاً من جويل ريبورن المبعوث الأمريكي السابق للملف السوري في عهد الرئيس ترامب، وبدر جاموس رئيس هيئة التفاوض، خلال زيارته الأخيرة لواشنطن. وقد أدار الجلسة رسل بيرمان الزميل عالي المستوى في المعهد. ‎وقد طرح الدكتور هشام نشواتي ممثلاً عن منظمة “سورية طريق الحرية” أسئلة على ريبورن دفعته إلى الإجابة عليها بصورة واضحة، وتمحورت حول أن أمريكا تعتبر بلداً عظيماً بمبادئه وقيمه وأصالته في تعزيز ودعم والدفاع عن الحريات والديمقراطية، ولكن المسؤولين الأمريكيين اعترفوا بشكل متكرر بعجزهم عن بلورة إستراتيجية خاصة بحل سياسي للملف السوري خلال الـ١٢ السنة الفائتة، مع قدرتهم على بلورة إستراتيجية للحالة الأوكرانية خلال فترة وجيزة، وهذا يشكّل عاراً على هؤلاء المسؤولين.

إن كِلا الشعبين والبلدين (سورية وأوكرانية) يشتركان بنفس الأهداف في تحقيق الحرية والديمقراطية والتحرر من العدو الغازي الروسي، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا عجزت الحكومات الأمريكية المتعاقبة عن إيجاد إستراتيجية حيال القضية السورية؟ ولماذا كانت المقاربة في الملف السوري مختلفة عنها في الملف الأوكراني في التعاطي الأمريكي؟ ولماذا تعامل الأمريكيون بجدية مع ملف أوكرانيا قياساً على تعاملهم مع الملف السوري؟ وبماذا ينصح السيد ريبورن السوريين حول مواجهة التطبيع العربي مع نظام الأسد بعد الضوء الأخضر من تحت الطاولة الذي أعطته إدارة بايدن للدول العربية؟..

ريبورن كان صريحاً وواضحاً في إجابته، وتحديداً حول السؤال عن اختلاف التعاطي الأمريكي مع الملفين السوري والأوكراني، حيث أشار إلى وجود الحركات الإسلامية الراديكالية التي برزت في الصراع في سورية من داعش وغيرها، وأيضاً تخوّف الإدارة الأمريكية من نفوذ التيارات الإسلامية وقواها، لأنها غير مقبولة دوليًا، دفع المجتمع الدولي للتخوف، وهذا التخوف غير موجود في صراع أوكرانيا ضد الحرب الروسية عليها.

وأضاف: إن نظام أسد وحلفاءه نجحوا في وصم الثورة بالإرهاب، وقادوا حملة لتشويهها، وأنه هو ومديره السابق جيمس جفري حاولا أن يواجها هذه الحملة ومعاكستها لكسب الدعم للقضية السورية، ولكن لم تتكلل جهودهما بالنجاح. وأصبح الهمّ الأول للمجتمع الدولي هو مكافحة الإرهاب والقضاء عليه أكثر من دعمه للديمقراطية وللسوريين في التحرر.

إن أفضل ما يستطيع فعله السوريون الأمريكيون الآن، حسب ريبورن، هو الاستمرار بالعمل على إصدار المزيد من القوانين الصادرة بحق النظام من الكونغرس الأمريكي، حيث يتواجد دعمٌ عالي المستوى من كلا الحزبين فيه ضد التطبيع مع نظام أسد، وأن هذا سيُحدث صدًى وأثراً لدى إدارة بايدن في البيت الأبيض، ويشكّل ضغطاً عليها بهذا الأمر.

بعد تلك الندوة التقى ممثلو المنظمات السورية الأمريكية وفد المعارضة الذي ضمّ رئيس الائتلاف سالم المسلط، وبدر جاموس رئيس هيئة التفاوض، وأنس العبدة وفدوى العجيلي، عضوَيْ الهيئة، بحضور المحامي أنور البني، وهشام نشواتي، وعصام خوري ممثلًا عن اللقاء التشاوري السوري الأمريكي، وعدد من ممثلي المنظمات الأمريكية السورية. وأشار نشواتي إلى ما أجابه به ريبورن حول جوهر الموقف الأمريكي، الذي لم يرتقِ إلى موقف إستراتيجي، بسبب التخوف من تيارات الإسلام السياسي، لأنها غير مقبولة دولياً.

وبيّن نشواتي أن التخوف الأمريكي من المنظمات الإسلامية الراديكالية هو تخوف مشروع، على اعتبار أن هذه المنظمات تريد أن تتبوأ مكان الصدارة، وتفرض رؤيتها على الشعب السوري بكل مكوناته، وأن هذا الأمر لا يمكن قبوله من المجتمعات الدولية والغربية الديمقراطية، التي ترفض بشدة عدم تبني المعارضة السورية لمبدأ فصل السلطات وفصل الدين عن الدولة، وأنه بذلك يتم تحميل هذه القوى مسؤولية أنها لم تشتغل على المربع الوطني، لمواجهة النظام الأسدي المستبد، حيث بدت المكونات السورية الصغيرة، كالمكون المسيحي، أو الدرزي، أو الإسماعيلي، أو غيرها من مكونات دينية، وكأنها بحاجة إلى حماية في ظل خطاب ديني راديكالي.

والواقع ‎أن قوى الثورة والمعارضة لم تستطع سدّ ثغرات هذه الرؤية، وقد فشلت في استقطاب ممثلي المكونات الصغيرة خارج فئة المكون الأكبر (العرب السنّة)، هذا الفشل مردّه إلى طفو مقولات ورؤى وفكر الإسلام السياسي، الذي يصنّف غربياً على أنه تيار شمولي لا يحترم الديمقراطية ولا يؤمن بها، وهو يشكّل وفق خطابه الديني خطراً قادماً على المجتمعات الغربية والدول الإقليمية والعربية، ناهيك أنه مرفوض حتى إقليمياً وغير مرحب به من قبل هذه الدول العربية.

قوى الثورة والمعارضة معنية باتخاذ خطوات سياسية تبعث بإشارات

مطمئنة عن جوهر الدولة والسلطة في سورية القادمة، على أنها ستكون سلطة منتخبة في دولة مؤسسات ديمقراطية غير قابلة على الارتداد، هذه الخطوات لم تتم بعد، ووجود وفد هذه القوى في واشنطن وبلقاء مع ريبورن ينبغي أن يدفع هذه القوى إلى تصحيح مسارها السياسي، بعيداً عن اتهامها بأنها قوى تسيطر عليها منظمات الإسلام السياسي.

‎هنا يبرز سبب التمايز في موقف الولايات المتحدة من بؤرتي الصراع في أوكرانيا وسورية، فالصراع الأوكراني ضد روسيا المعتدية على الدولة الأوكرانية، بقي وطنياً مقاوماً للاحتلال، بينما أخذ الصراع السوري شكلاً دينياً دفع إليه نظام الأسد، ليقول إن ما يجري ليس ثورة بل إرهاباً من منظمات الإسلام السياسي الراديكالية، وهو بهذا المعنى أراد التغطية على جرائمه بحق السوريين وثورتهم السلمية من جهة، وأراد إظهار حكمه بأنه يحارب قوى إرهابية لم تكن قد تشكّلت بعدُ عام 2011،   وهو بذلك يخدع الغرب، على أنه الجهة الوحيدة التي ستمنع إرهاب المنظمات الإسلامية الراديكالية من الانتشار وتهديد الغرب الديمقراطي.

‎ويبقى من حق السوريين طرح السؤال الأهم: لماذا لم تحاول الولايات المتحدة دعم المكونات السياسية ذات الطابع الليبرالي، والتي تتناقض برؤاها الفكرية والسياسية مع تنظيمات الإسلام السياسي؟

‎كذلك، ما دام مسار قوى الثورة والمعارضة انتقل إلى مربعه غير الوطني السوري، فماذا تنتظر قوى الثورة والمعارضة لتعيد إنتاج بناها التنظيمية بصورة وطنية حقيقية، أي أن تشارك كل المكونات الوطنية في بنية مؤسسات قوى الثورة والمعارضة.

‎المسار السوري لم يعد مسار الشعب السوري، ولا مسار قوى الثورة والمعارضة، وهذا بسبب تراجع الدور الوطني المتكامل عن هذه القوى، مما يستوجب ليس رفع شعارات طنانة لا يمكن تنفيذها، بل يتطلب ذهنية سياسية مؤمنة جدياً بضرورة مشاركة كل المكونات السورية في معركة دحر الاستبداد، وتحقيق الانتقال السياسي إلى دولة مدنية تعددية ديمقراطية، لا تقبل أي ارتداد إلى الوراء.

‎هل هذا المسار الجديد المطلوب من قوى الثورة والمعارضة كفيل بتغيير الموقف الأمريكي من الصراع بين الشعب السوري الطامح للحرية والديمقراطية، وبين نظام ارتكب جرائم كبرى ضده؟

‎وهل تستطيع قوى الثورة والمعارضة أن تنتقل من قيود إقليمية فُرضت عليها، نتيجة سيطرة الإسلام السياسي على قراراتها؟ أم أنها عاجزة، وهذا يتطلب تشكيل إطار عمل سياسي وطني شامل لكل المكونات للخلاص من استبداد نظام الأسد؟

‎وهل سينتصر السوريون في منع الدول اللاهثة للتطبيع مع أسد؟ أم أنه لا بديل ملموس ما دامت قوى الثورة والمعارضة وجيشها الوطني خارج قرارها المستقل.

‎أسئلة بحاجة إلى إجابات، والسوريون ينتظرونها، ليتخلصوا من كابوس نظام دمّر مدنهم، وقتل أطفالهم ونساءهم، ومارس فظائع يندى لها جبين البشرية.

نداء بوست

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني