fbpx

عن تحديات النساء داخل بيئات العمل في مصانع غازي عينتاب 

0 356

ما أشد المعاناة التي تتعرض لها النساء السوريات، في رحلة اللجوء الطويلة في غازي عينتاب، هذه المدينة التي تستقطب مئات العاملات السوريات الهاربات من الحرب في سوريا، مدينة صناعية ذات ثقل اقتصادي، وهموم عاملاتها الثقيلة، لا سيما السوريات منهن.

سنستعرض معاً قصصاً تحكي عن شروط العمل، في هذه الدراسة الميدانية التي حصلنا فيها شهادات حية من نساء يعملن بصمت منذ سنوات طويلة.

تقول غيد، 40 عاماً من مدينة الرقة، تعيش في غازي عينتاب منذ حوالي 8 سنوات: أنا المعيلة الوحيدة لثلاثة أطفال، أعيش في منزل قابل للانهيار، كل جيراني تركوا بيوتهم ولكن ليس لدي خيار آخر، أعمل 12 ساعة يومياً في معمل ألبسة جاهزة بمستوى أجور مهين، وليس قليلاً فقط، وبدون إذن عمل كيلا يدفع صاحب العمل رسوماً إضافية، ويكون مسؤولاً في حال تعرض العامل للإصابة أثناء عمله.

في مكان عملي أرى الفتيات الصغيرات تعملن دون توقف لمدة 12 ساعة، والسبب الأول والرئيسي هو الحاجة الماسة للمال، أعتبر أن العمل في المصانع في هذه الشروط مناف تماماً لحقوق الإنسان.”

“بيئة العمل التي نعمل ضمنها، لا يوجد فيها إجازة حمل إما أن تعملي بصمت أو تتركي العمل ببساطة ومن المستحيل أن تحصلي على إجازة أمومة، توجد حالات تحرش ليست بقليلة لكن لا أحد يسمع عن تلك النساء وبدون أي محاسبة ومن تتكلم عن الأمر يقال ّ هذا الواقع اذهبي الله معك. فتلك التحديات التي أعيشها هي لا تمثل تجربتي ولكن هي تجربة كل النساء وكل سيد على اختلاف ظروفها.”

ونذكر بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان جاء ليقول في المادة 23 مايلي:

1- لكلِّ شخص حقُّ العمل، وفي حرِّية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومُرضية، وفي الحماية من البطالة.

2- لجميع الأفراد، دون أيِّ تمييز، الحقُّ في أجٍر متساوٍ على العمل المتساوي.

3- لكلِّ فرد يعمل حقٌّ في مكافأة عادلة ومُرضية تكفل له ولأسرته عيشةً لائقةً بالكرامة البشرية، وتُستكمَل، عند الاقتضاء، بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية.

وبحسب الاستبيان الذي أجريناه من أجل الحديث عن بيئات العمل في مصانع غازي عينتاب كانت النتائج على النحو التالي:

تقول صفاء 35 عاماً النازحة من ريف إدلب والتي تعيش في تركيا منذ 9 سنوات “لدي طفل مصاب حرب ويعيش بنصف جمجمة فقط، سكنت في المخيم خمس سنوات متتالية عملت بكثير من الأشغال واحدة منها عملت في محل بيع الأسماك وبسبب المضايقات ذهبت لأعمل في معمل للكمامات في 10 ساعات يوميا” على الأقل، لأني بالكاد أحتمل غلاء المعيشة الحالي من ارتفاع أسعار إيجار البيوت والفواتير، شاهدت العديد من الفتيات اللواتي لم تبقي لهم الحرب أي معيل أو سند وكل حكاية سمعتها منهن هي حكاية ألم لا تنسى بالنسبة لي على الرغم من كل ما أعيشه اليوم من صعوبات في هذه المدينة”

ونضيف من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من البند الثاني من المادة رقم 25: للأمومة والطفولة حقٌّ في رعاية ومساعدة خاصَّتين. ولجميع الأطفال حقُّ التمتُّع بذات الحماية الاجتماعية

تضيف ورد 35 عاماً من مدينة حلب والتي تعيش في غازي عينتاب منذ فترة طويلة “أنا خريجة لغة عربية وعملت متطوعة في المنظمات السورية لكن لم أحصل على وظيفة براتب ثابت، وهذا ما دفعني للعمل لساعات طويلة في معمل صابون.

الأجور غير متساوية بين الرجال والنساء ويستطيع الرجال العمل بساعات إضافية مساء للحصول على المزيد من المال الإضافي.

حجم التفرقة والعنصرية على العمال السوريين والسوريات كبير جداً في بيئة العمل، والانتقاص في المعاملة والتنمر هو مواقف يومية يتعرضون لها بدون أي رادع.

ومع كل ما نمر به كانت الفترة الماضية من جائحة كورونا تأثير كبير على طبقة العمال وسبب لنا الضيق المادي بشكل مضاعف فنحن نأخذ أجورنا بشكل أسبوعي و”اليوم الذي نتوقف عن العمل لا نطعم أطفالنا فيه.”

صادفت الكثير من الفتيات اللواتي تركهن المدرسة وذهبنّ للعمل من أجل مساعدة عوائلهن بمستوى أجور منخفضة مقارنة بحجم المصروف وازدياد الغلاء.

تضيف قصتها سلوى 32 عاماً من مدينة إدلب والتي تعيش في غازي عينتاب منذ حوالي 9 سنوات، أعمل في المصانع منذ سبع سنوات بعد أن هجرني زوجي وذهب إلى ألمانيا، لا يتصل ليسأل عن بناته ولا يرسل لهم أي نفقة، أنا من أعمل لكي يكملوا تعليمهن فلا أستطيع تحمل فكرة أن بناتي يعملن كالكبار ولا يدرسوا مثل البنات اللواتي في نفس عمرهن، أعمل في المصنع نهارا” وأعد المونة والمخللات والحلويات ليلا” لكي أبيعها لمن أعرفهم.

أعاني من تمزق في عضلات الرقبة والطبيب يخبرني أنني يجب أن ارتاح ولكن كيف يجب أن ارتاح؟ 

ومما جاء في أيضاً في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

1- لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية

ومما يبدو لنا من هذه الظاهرة المنتشرة لعمالة النساء لتجلي آثار اجتماعية تخص هذه المرحلة الحساسة من اللجوء وقسرية العمل حيث اضطرت العديد من النساء لتغيير مسارات عملهن والفتيات أيضا” كان لهم النصيب من الشقاء وترك مدارسهن في عمر مبكر وإلتحاق بركب مشاقة العمل في بيئات بعيدة إلى حد كبير لتأمين بيئة إيجابية لاحترام خصوصية النساء والفتيات.

ومن أجل هذه الجانب الاجتماعي يقول السيد صفوان قسام الكاتب والباحث الاجتماعي: 

“واحدة من المعتقدات التي هي أزمات فعلاً هي التي تعتبر بأن المرأة التي تعمل في المصانع هي ذات حاجة اقتصادية ماسة وشديدة العوز وإنها لم تمكن نفسها من العمل في مكان يتقبل وجودها كامرأة على نحو أكبر، دون النظر إلى تجارب العنيفة من الحرب واللجوء والتفكك الاجتماعي والتي زادت بثقل صلب على عاتق تلك المرأة، فما زال قسم من أفراد المجتمع السوري يعتبر أن المرأة هو بيتها فقط ومراعاة زوجها وأطفالها وهذا يضاعف النظرة السلبية لعمل المرأة وهذه العقلية تنتج سلوكا” مستفزا” من التعنيف الكلامي وفي أحيان كبيرة يعرض العاملات للتحرش لأن في تلك البيئات في التحديد هي الهيمنة الذكورية المتضخمة والمؤذية لوجود النساء. بالإضافة إلى تفضيل القوة البدنية للرجل التي تجلب المزيد من الإنتاج والثروة لهذا المصنع فالتمييز هنا يغيب فيه الوعي والقيم لدى رب العمل”.

عندما نتحدث عن عمل النساء فإننا لا يمكن إلا أن نذكر الجانب النفسي والجانب الإنساني وضرورة الإضاءة على شروط العناية النفسية بأبسط مفاهيم علم النفس.

من أجل ذلك تضيف الدكتورة نهلة حاج حسن اخصائية في علم الأمراض النفسية: “إنَّ عدم توفير مكان بيئة عمل ملائم للسيدات من ناحية الخصوصية ومراعاة الثقافة من حيث الاختلاط، أو توفر حمامات ومرافق مريحة للسيدات، ومكان للاستراحة أو الصلاة دورا في شعور العاملات بالراحة في الدافع لديهن للعمل والإقبال بنشاط أو العمل مع بذل مجهود نفسي للاستمرار بسبب الحاجة المادية. كما تؤثر ساعات العمل الطويلة والتعب وآلام الظهر والعضلات على النواحي النفسية، خصوصاً إذا كان العمل مجهداً أو روتينياً لا تنوع فيه.

وقد نشرت منظمة الصحة العالمية دراسة ربطت فيها بين ساعات العمل الطويلة والإصابة بأمراض مزمنة كأمراض القلب والسكتة الدماغية وزيادة خطورة الوفيات نتيجة لذلك.

ويعتبر عدم التناسب بين الدخل والجهد المبذول او الاختلاف بالأجور بين الجنسين، وساعات العمل الطويلة عاملا في شعور العاملات بالغبن والظلم، مما يزيد من الإجهاد النفسي وتدني تقدير الذات والمعاناة اليومية.

في بيئة العمل تتنوع بين المخاطر النفسية والجسدية والتي تؤدي بطبيعة الحال لتراجع في الأداء الاجتماعي والمهني وأعراض نفسية غالبا ما تحاول السيدات جاهدات إخفاءها وعدم الاكتراث بها كون الأولوية بالنسبة لهن هي تأمين أدنى ما يلزم لإعالة أسرهن. هذا دون الانتباه والوعي إلى أن هذا الجهد الإضافي يستنزف طاقاتهن أكثر ويساهم في ازدياد سوء الحالة النفسية لديهن ويبدو مبرراً مناسباً لشعورهن بالذنب أكثر كونهن قد يفكرن بالراحة على حساب أطفالهن مثلاً.

وفي ضوء التجارب والمجهود اليومي الساعي لدعم النساء في كل أماكن العمل والنضال النسائي من أجل تحدي الصعوبات اليومية والعائلية مع الأسرة.

تضيف الأستاذة هبة جحجح مسؤولة الحماية في منظمة كاديف التركية في مدينة غازي عينتاب:

من خلال عملي المتواصل مع قضايا النساء ومن خلال التوعية والجلسات الداعمة للنساء التي تقوم بها المنظمة التي أعمل بها. إن أكبر المشاكل التي تواجه المرأة في الحياة الصناعية، هي أن النساء ليس لديهم مكان لترك أطفالهم وخاصة في أعمارهم الخمس الأولى، وتضاف مشكلة عدم إتقان اللغة التي تواجه النساء اللاجئات، وعدم توفر الإمكانيات للعمل في قطاعات أخرى بسبب الحاجة إلى خبرات معرفية مختلفة مثل إتقان أكثر من لغة أجنبية ومهارات مكتبية وإدارية ومستويات تعليمية وكل هذا يصبح حلم لبعض النساء لأنهن في السابق لم يحصلوا على فرص معيشية واجتماعية مشجعة لتكون ذات مؤهلات للعمل في مكان يكسب دخلاً أكبر بساعات عمل أقل كل هذه التداخلات تدفع النساء للعمل في المصانع على حد معرفتي بكل من التقيت بهن.

توجد آثار في المنزل تتراكم أيضاً تؤدي إلى التفكك الأسري نتيجة الغياب الطويل عن العائلة، إلى ما قد يلحق مشاكل نفسية للأطفال حيث يحتاجون الرعاية والاهتمام المتواصل من الأم.

إسراء المحمد سكرتيرة تنفيذية في أحد مصانع عازي عينتاب تقول “من خلال عملي الإداري في مصنع في غازي عينتاب، إنَّ أكبر المشاكل التي تواجه النساء بُعد المسافات بين مكان العمل والمنزل وعدم توفر المواصلات من العمل ومكان لترك أطفالهم، وإذا كان طفلاً واحداً وصاحب العمل سمح بإحضاره تُحضره الوالدة وهنا المعاناة الأكبر للطفل والأم في العمل، وجود طفل في عمر الخمس السنوات في مصنع لساعات طويلة في مصنع ولا يوجد بديل لعملٍ آخر. بالإضافة إلى نظرة المجتمع لدى المرأة العاملة في المصانع أنها لا تصلح أن تكون زوجة أو أم وهذا يؤثر على فرص الفتيات في الزواج، فلقد كنت شاهدة على قصة فتاة وصمت ” بفتاة معامل ” من شاب تقدم إلى خطبتها وعندما علم بعملها رفض الزواج بها بسبب طبيعة عملها في المصنع. وهذا يضاف إلى تحديات النساء الاجتماعية في مواجهة ثقافة ضرورات عمل المرأة خارج المنزل”.

نجد من خلاصة بحثنا أننا بحاجة ماسة للتفكير بصوت عالٍ من أجل حلول تكون عوناً للنساء اللاجئات في تركيا لكي يحصلن على حياة مهنية أفضل.

تمّ إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”، “صحفيون من أجل حقوق الإنسان” https://linktr.ee/jhrsyr

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني