fbpx

صعاليك؛ لكنهم..

0 40

صحا على شمس نيسان.. مرّت ذكريات الاحتفال بيوم السابع عشر والناس تهزج فرحاً بالاستقلال وجلاء المحتل وهو بعيد. وقف أمام المرآة.. وجه شاحب لهيكل رجل ينتظر القرارات الدولية غير المستعجلة أن تعيده لوطن تجول فوق أرضه الأغراب وتصول.. استولت عليه وحشة.. تنهّد.. سرح خياله…

تذكر يوم أصيبت رجله وتابع زحفاً، أمسكت به يد خشنة لا تعرف رحمة، شدّته من شعره، وجرّته لأقرب حفرة. صوّب صاحبها فوهتها نحوه وأمره بلغة اختلطت عربيتها بعجمة، فهم منها “كافر” وركله بحافر بغل على رأسه فأُغمي عليه…

فتح عينيه.. الظلام يحيط به.. أنصت.. لم يسمع صوتاً. شعر بألم شديد في رأسه، تلمّس جبهته.. تحنّت يده بلزوجة مسحها بثيابه.. تلفّت حوله.. لم يرَ شيئاً وسط الظلمة.. بصعوبة خرج من الحفرة، وزحف بضعة أمتار.. اصطدم برجل ممدّد بلا حراك. ولمّا لاحت تباشير الفجر تأمّل ما يحيط به.. أجساد معفرة ومبعثرة تنتظر الغربان.  

تابع الزحف إلى بقايا جدار مهدّم. أسند ظهره.. تفحّص رجله.. ما العمل؟ سعى إلى أقربهم منه.. نزع غطاء رأسه والحزام.. ضمّد رجله وتوكأ على عصاً، وتوجّه إلى القرية.

هاله ما رأى.. ركام بيوت مكوّمة.. تأوّه وصرخ بأعلى ما يستطيع فردّد الصدى.. انتظر فرجاً من السماء، وقبيل الغروب مرّ به رجال يبحثون عن ناجين…، حملوه إلى أقرب مشفى. سأل… لم يعرف لأهله مصيراً، وساعدوه على الفرار للعلاج لاجئاً…

كفحيح أفعى سمعها: صعلوك.. قف.. أدر وجهك تجاه الجدار.. ضع يديك خلف ظهرك.. كبّله كغيره… ووزّعوهم على خيام، ثم منحوهم سكناً…

سمع طرقاً.. فتح الباب وإذ بسعيد رفيق صباه، الذي سبقه في الاغتراب، يقبل عليه ضاحكاً.. ما الخبر؟!

– أما سمعت؟

– لا، ماذا هناك؟

أمسك سعيد الريموت وضغط.. أقلع التلفاز.. أعلام ورايات وهتافات تملأ الساحات..

تحدّرت دمعة ساخنة على وجنته..

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني