fbpx

سيغموند فرويد وعقدة الأب

0 514

ملاحظة: المقصود هنا ليس الأب كأحمد أو زيد أو عمرو، والأولاد ليسوا جورج أو حسن أو شادية. إنه ليس إلا مقاربة متواضعة بين استنتاجات عالم النفس فرويد مؤسس مدرسة التحليل النفسي والواقع على شكل قصة لها حكمة، وبها موعظة سواء كانت من نسج الخيال كأسطورة أو نص ليدعم فكرة ما، مع الاعتذار (أعرضها عليكم بتصرف معتذراً) سلفاً من الدكتور سيغموند فرويد وتلامذته ومحبيه.

حدث (يا أصدقائي) في قديم الزمان، الزمان القديم القديم، في زمان نظام العشيرة البدائية حادثة كان لها الأثر الكبير في النفس الإنسانية، وترتب عليها نتائج خطيرة وهامة في السلوك الإنساني، وجروح واضحة في النفس البشرية، وما زالت آثارها كامنة باطنية تعلن عن نفسها بظروف عدة، وتكشف عن ذاتها بعلاقات الإنسان مع أخيه الإنسان فرداً كان أو جماعة، سواء أدركها أو لم يدركها.

تحكي القصة أن الإخوة اتفقوا على قتل والدهم؛ لأنهم يعتبرونه ظالماً ومتسلطاً، ويكبت حرياتهم، ويقف حاجز عثرة بطريق إبداعاتهم، ويمنعهم من تأكيد هويتهم، وينتهك خصوصيتهم، واضمحلال شخصياتهم، ويريدهم، بل يجبرهم على أن يستمروا بالحركة والدوران بفلكه، ولا يسمح لهم بالخروج عن نطاق جاذبيته. نعم الأبناء اتفقوا على قتل الأب، الأب المتسلط الظالم الطاغي، وتحت سلطة مشاعر غامضة ودوافع غرائز حيوانية بدائية، فعلوا فعلتهم الشائنة، وارتكبوا جريمتهم البشعة بقتلهم الأب.

الجريمة تنتهي مع الزمن؛ لكن آثارها ما زالت باقية في نفوسنا حتى الآن. آثارها ونتائجها ما زالت مستمرة مع استمرار الأجيال على شكل تعويض نقص، أو العمل على الخلاص من الخطيئة والشعور بالذنب.

نعم الكراهية – يا أصدقائي – دفعتهم للقتل، كراهيتهم للظلم والطغيان والاستبداد جعلتهم يكرهون الأب، ويفكرون بالخلاص منه كي يتخلصوا من الظلم، فاختلطت المشاعر، وتشابكت العواطف.

اختلط شعورهم بالحقد على الأب مع شعورهم بالقرابة والأبوة، نعم هو أبوهم وسبب وجودهم، الذي يرعى صحتهم ويعمل على نموهم، وتدريبهم ليكونوا رجالاً، ولكن ظلمه لهم، وهدر كرامتهم، وتقييد حريتهم أمر مهم جعلهم يقتلونه.

دافع الانتقام من أقرب الناس، نعم قتلوه ظناً منهم أنهم قتلوا الظلم وقتلوا الاستبداد.

قتلوه، وسرعان ما انتابتهم نوبة من تأنيب الضمير والندم على فعلتهم الشنيعة، وبدأ جلد الذات والبكاء على خطيئة لا تُغتفر، بعد القتل أدت العواطف السابقة المختلطة إلى تناقضات لا تحصى ولا تعد من الشعور بالندامة، وشعور بالذنب الكبير الذي ارتكبوه بقتل الأب، شعور بالتمرد مع لزوم الشعور بضرورة الطاعة، الشعور بالكره مع الشعور بعاطفة الدم والمسؤولية و… إلخ.

كل ذلك انعكس للشعور بالطاعة لتبرير الذنب المرتكب بحق الأب، ولا بد من التكفير عن خطيئة لا ينفع معها الندم، وأخذت هذه الحالة النفسية تكبر وتكبر، وتتحول وتتغير، وتأخذ أشكالاً مختلفة مع تقدم المجتمعات وتطورها، ونمو الفرد وتطوره، وازداد التناقض بين هوية الفرد ورغباته وبين الجماعة وما تمارسه على الفرد؛ ليكون لاحقاً لهذه الجماعة ومكوناً من مكوناتها لكن على شاكلتها، لذلك مع تقدم المجتمعات وتطورها تدخلت مفاهيم وقيم جديدة، قيم المجتمع وأعرافه وتقاليده؛ لتقمع ما يجول بالشعور وتكبته لينام بالصندوق الأسود بزاوية ليست بصغيرة من زوايا النفس على شكل غرائز بدائية، ودوافع لا شعورية؛ لكنها تفعل فعلها بالسلوك وتوجهه، وكلما سنحت لها الفرصة للهروب من الرقابة رقابة قيم الجماعة والضمير الجمعي؛ تتجلى بتوجيه سلوكنا كما يحلو لها. أستطيع القول: الإنسان بفطرته يريد أن يشبع رغباته الـ (هو) وهي جانب مهم من جوانب النشاط النفسي تولد مع الإنسان، والأب والمجتمع لا يريد لهذه الرغبات والدوافع أن تظهر وتتحقق كما تريد، فيوجد من يقول: لا هذا عيب.. هذا حرام.. هذا لا يجوز، افعل هذا.. لا تفعل هذا “الأنا الأعلى” جانب ثانٍ من جوانب النشاط النفسي، مهمتها ضبط أو قمع الدوافع والغرائز البدائية.

ومن صراع الـ (هو) مع الأنا الأعلى يظهر بوضوح الأنا، وهي الجانب الثالث بالنشاط النفسي، وهو الجانب الشعوري حسب رأي فرويد، وكل ما يمنعه الأنا الأعلى من الظهور والتحقق يكبته الإنسان ويحوله للحياة اللاشعورية لتفعل فعلها من خارج إرادتنا وبدون وعي منا.

ما زلنا منذ آلاف السنين نقتل بعضنا بعضاً، وندافع عن مسببات ومبررات القتل، ونفتعل الحروب لنغذي ما بداخلنا من دوافع غرائزية بدائية حيوانية للقتل.

نعم مع تطور الحضارة وما تحمله من قيم إنسانية نبيلة مشكلة عائقاً أمام الغرائز الحيوانية البدائية، الغرائز العدوانية والتسلط والأنانية، وتحاول منعها من الانطلاق لتحقيق ذاتها، وعندما لا تتمكن هذه الغرائز من تحقيق مشروعها تلجأ لوسيلة واحدة ألا وهي تكثيف الدعم الدائم للشعور بالذنب، ويتحول إلى شعور لا واعٍ بهذا الذنب قابع بداخل كل الناس؛ ولكن لا يعترفون به ولا يدركونه بوعيهم الشعوري.

لذلك – يا أصدقائي – كما يعود أصل المجتمع إلى بنية نفسية كونية مكنت لبناء حقيقة وهمية، حقيقة كونية انطلاقاً من قتل الأب زعيم العشيرة البدائية. من هنا لا نشعر بالذنب بعد القتل بالحرب، ونمجده بصور متعددة، باسم الشهادة، والوطنية، والكرامة، و… إلخ.

والحرب بكل أشكالها مناخ مناسب لتأكيد الطبيعة البشرية الحيوانية المتأصلة بالنفس الإنسانية، وظرف ملائم للخروج من الشعور بالذنب لجريمة القتل الأولى، هنا قد نجد من يقول: لا، الإنسان ليس شريراً بطبعه، وهو طيب بالفطرة أفسدته الحياة الاجتماعية، فليكن هذا الخلاف بل الاختلاف في الرأي، فهو لا يفسد للود قضية سواء كان الإنسان شريراً بطبعه وأنانياً، ويحب السيطرة وتأكيد الذات أو طيب بالفطرة وخير بطبعه، فنحن أمام واقع لا يستطيع أحد إنكاره لا من الاتجاه الذي يقول بالفطرة الطيبة للإنسان، ولا من الاتجاه الذي يؤكد أن الإنسان شرير بطبعه.

واقع يكشف عن نفسه بوضوح تام للجميع الحرب ميزة للعلاقات بين البشر، والقتل خطر يداهم الجميع، القاتل مجرم وأحياناً بطل؛ لكنه في الحالتين قاتل، والمقتول مجرم وأحياناً شهيد، وبالحالتين مقتول.

أصدقائي: القتل مرفوض، والعنف مرفوض، والتعنيف مرفوض، والحرب مرفوضة، والانتقام مرفوض، فحياة الإنسان وحريته وكرامته وما يتعلق بهم، وما ينتج عنهم مبادئ مقدسة، يجب أن نصونها ونحميها وندافع عنها دون أن نلجأ إلى القتل.

في الختام، أما آن الأوان لنؤكد إنسانيتنا بحب واحترام وإخاء وسلام بعيداً عن غرائزنا البدائية؟ سؤال أرجو أن تساعدوني، المساعدة بالبحث عن إجابة مناسبة له.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني