fbpx

روسيا دولة راعية الإرهاب، الدلالات والآثار

0 217

أعلن الاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء أنه قرر تصنيف روسيا دولة راعية للإرهاب، بسبب هجمات الجيش الروسي المُكثَّفة على أهداف مدنية، بما في ذلك البنية التحتية للطاقة والمستشفيات والمرافق الطبية والمدارس والملاجئ أثناء عدوانه على أوكرانيا، والتي تعتبر انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة.

شهِدت العلاقات الغربيّة الروسيّة ثلاثة مراحل بدأت بالاحتواء ثم انتقلت إلى الردع واليوم بدأت مرحلة الحساب، حيث بدأ الاحتواء الغربي لروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عبر بناء علاقات بناءة معها، ودعم اندماجها في المؤسسات الإقليمية والعالمية والنظام الدولي القائم، على افتراض أن روسيا ديمقراطية وآمنة ومزدهرة يجعلها شريكاً يمكن العمل معه في سبيل تحقيق الأهداف الإقليمية والعالمية المشتركة.

وتحوّل الغرب إلى مرحلة الردع من خلال فرض العقوبات الاقتصادية ضدها بعد ظهور سياستها العدوانيّة التي من شأنها تقويض الأمن ووحدة الأراضي الأوروبيّة وكان أخطرها غزوها شبه جزيرة القرم في العام 2014، ودعم الانفصاليين في الحرب في إقليم الدونباس، الأمر الذي تسبّب بانهيار اتفاقيتي مينسك بسبب قيام روسيا بإرسال مرتزقة الحركة الإمبراطوريّة الروسيّة النازيّة، التي أرهبت الشعب الأوكراني بالإضافة إلى تجنيد المرتزقة الدوليّين وزجهم للقتال في الحرب ضد أوكرانيا، ودعم نظام الأسد، المصنّف كـدولة راعية للإرهاب منذ عام 1979، من خلال توفير الأسلحة التي مكّنته من ارتكاب الفظائع وزجّ الجنود الروس في الحرب ضد الشعب السوري، بالإضافة إلى تجنيد مرتزقة فاغنر بتوجيه مباشر من بوتين تقوم بالمهام القذرة في كل أنحاء العالم مثل ليبيا وسوريّة وأفريقيا وأذربيجان وغيرها من مناطق الصراع.

وكان اعتراف روسيا رسمياً بجمهوريات لوغانسك ودونيتسك الشعبية في شهر نيسان 2022، وإعلان فلاديمير بوتين أن اتفاقيات مينسك لم تعد موجودة، وقيام روسيا بغزو أوكرانيا في 24 شباط 2022 وشّن عمليّة عسكريّة واسعة ضدها وضم الأقاليم الأوكرانية لأراضيها، وإعلان الحرب على القيم الأوروبية في محاولة لتقويض الديموقراطيّة عبر دعم اليمين الأوروبيّ المُتطرِّف التي وصفها الأوروبيون بـ الحملة الصليبيّة الجديدة، الأمر الذي حطّم أيّة آمال متبقية حول استعداد الكرملين للالتزام بالقانون الدولي أو العيش وفقاً لقواعد المؤسسات التي انضمت إليها روسيا في نهاية الحرب الباردة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

ومن مظاهر إرهاب بوتين في أوكرانيا إقامة معسكرات تصفية لاستجواب السجناء وإساءة معاملتهم من قبل الروس بتهمّة باطلة ابتدعها بوتين ضدّهم من خلال وصفهم بـ النازيين الأوكرانيين لتبرير غزوه لأوكرانيا، وإرسال المئات من المرتزقة إلى كييف للقيام باغتيال الرئيس زيلينسكي وأعضاء حكومته، حيث ترقى هذه الممارسات إلى جريمة العدوان، وهو ما أقرّته محكمة العدل الدوليّة، بعد قرار الجمعيّة العامة المؤرّخ في 2 آذار 2022 الذي اتخذته استناداً إلى قرارها 377 لعام 1950 المعروف بـ الاتحاد من أجل السلام لتفادي الفيتو المزدوج الروسي/الصيني السلبيّ الذي عطّل عمل مجلس الأمن الدولي. والذي تضمّن الشجب بأشد العبارات العدوان الروسي على أوكرانيا، ومطالب روسيا بالكف فوراً عن استخدامها للقوة ضد أوكرانيا والامتناع عن أي تهديد أو استخدام غير قانوني للقوة ضد أي دولة عضو.

حيث أصبحت المواجهة الغربيّة مع روسيا أمراً لابُدَّ منه وتحوّلت السياسة الغربيّة من الردع إلى المحاسبة والعقاب التي انطلقت من وصف الغزو الروسي بجريمة العدوان الذي يتطلّب من الولايات المتحدّة وحلفائها الأوربيين إظهار القوة والوحدة من خلال اتخاذ موقف موحّد وبناء القدرة على الصمود والتعاون بشأن أولويات الأمن القومي الأساسية، والحفاظ على العلاقات مع الشعب الروسي ومجتمع الأعمال للحفاظ على إمكانية إقامة علاقة بناءة أكثر في المستقبل. وتجلّى ذلك بقيام حلف الناتو بتعزيز صمود الحكومة الأوكرانية سياسياً وعسكرياً، ومبرره القانوني في ذلك أن الغزو الروسي هو من قبيل العدوان يمنحه الحق بتقديم كل أنواع الدعم العسكري تفرِضه مسؤولية الناتو في ضمان الاستقرار والأمن في منطقة الناتو، وباعتبار أن أوكرانيا هي ضحيّة عدوان روسي، الأمر الذي أغضب الروس ودفعهم للتهديد باستخدام السلاح النووي الأمر الذي أثار قلق المجتمع الدولي ويكاد يتسبّب بدفع العالم نحو حرب عالمية ثالثة وهو أكبر تهديد يتعرض له العالم منذ الحرب العالمية الثانية، ورغم كل الدعوات الدولية الموجهة لروسيا بضرورة الانسحاب والتوقف عن التهديد النووي، فما زالت مصرّة على مواقفها وتصعيدها العسكري ضد المدنيين والمراكز الحيويّة والمستشفيات والمدارس والملاجئ ومحطات الطاقة التي تعمل بالطاقة النووية، وتعتبر هذه الأفعال من الانتهاكات الجسيمة الأخرى لقوانين الحرب وأعرافها المنطبقة في النزاعات المسلحة الدولية، استناداً إلى إعلان لاهاي لعام 1899 ولائحة عام 1907 المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية الملحقة باتفاقية لاهاي الرابعة، وبروتوكول جنيف لعام 1925، واتفاقية لاهاي لعام 1954 وبروتوكوليها، لانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب وأعرافها المنطبقة في النزاعات المسلحة غير الدولية، استناداً إلى المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والبروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977، والبروتوكول الاختياري لعام 1999 الملحق باتفاقية لاهاي لعام 1954، التي تعتبر من جرائم الحرب وفق المادة 8 من نظام روما للمحكمة الجنائيّة الدوليّة، وجريمة العدوان المنصوص عنها بالفقرة د من المادة 5.

وعليه فقد جاء تصنيف الاتحاد الأوروبي رغم رفض الرئيس الأمريكي بايدن تصنيف روسيا كدولة راعيّة للإرهاب للأسباب التاليّة:

  • تقديم الدعم المستمر والمتكرر للجماعات الإرهابيّة المتطرّفة وتنفيذ أعمال الإرهاب الدولي: مثل دعم منظمة الحركةُ الإمبراطورية الروسية وهي حركة نازيّة يمينيّة مُتطرِّفة أسَّسها “ستانيسلاف فوروبييف” عام 2002، التي تربطها صلات وثيقة مع مجموعات النازيين الجدُد، والآريّين البيض في أوروبا والولايات المتحدة وبرزت على الساحة الدَّولية في عام 2014، عندما بدأت في دعم الانفصاليين في أوكرانيا، وإعدادهم وتدريبهم، لمحاربة القوَّات الحكومية الأوكرانية، وجعلت جناحها المسلَّح “الفيلق الإمبراطوري” في خدمة المقاتلين الروس، والتي أطلقت مبادرة عُرفت باسم “الحملة الصليبية الأخيرة” عبر مؤتمر المنتدى الروسي الدَّولي للمحافظين، وهو مؤتمرٌ عنصري آري عن تفوق البِيض، عُقد في سانت بطرسبورغ، ونظمه الحزبُ السياسي الروسي اليميني المتطرف رودينا. وكان من الحاضرين قادةٌ معروفون في الولايات المتحدة، مثل: جاريد تايلور، ومنظمات أوروبية يمينية متطرفة، منها Golden Dawn من اليونان، والحزب الوطني الديمقراطي من ألمانيا، وقيامها بعدة عمليّات إرهابية في أوروبا مثل تفجير مقهًى لبيع الكتب ومأوًى للاجئين ومحاولة تفجيرَ مخيَّم عامٍّ لطالبي اللجوء في جوتنبرج، السويد. وإرسال مقاتلين للقتال في سوريّة في نيسان 2019 تحت ذريعة حمايةُ المسيحيين في البلاد، والقتال إلى جانب الجنرال خليفة حفتر المدعوم من روسيا في ليبيا حيث تم توثيق مقتل عدد من مقاتليها هناك. الأمر الذي دفع الخارجيةُ الأمريكية لإدراجها ضمن المنظمات الإرهابية العالمية وذلك في عام 2020.
  • محاولات اغتيال ناشطين روس على الأراضي الأوروبية مثل محاولة اغتيال الناشط الروسي والمدون اليكسي نافالني، وألكسندر ليتفينينكو التي توفي متأثراً بمادة البولونيوم 210 المشعّة عام 2006، والجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال أو ابنته يوليا اللذين وقعا ضحية محاولة قتل بغاز الأعصاب السام نوفيتشوك عام 2018.
  • تجنيد المرتزقة السوريين ومن بينهم ميليشيا نابل عبد الله، وميليشيا سيمون الوكيل، وفواز ميخائيل جرجس مدير شركة الصياد لخدمات الحراسة، الأمن لصاحبها يسار إبراهيم، وأبو هاني شموّط قائد مليشيا الأحداث العمريّة وشركة السيد لخدمات الحراسة والأمن ومحمد السلطي قائد جيش التحرير الفلسطيني التي أدرجت على لوائح العقوبات الأوروبية بالقرار رقم(CFSP) 2022/1276 المؤرخ 21 تموز 2022.

الآثار القانونيّة والسياسيّة المترتّبة على التصنيف

  • يفرض قرار التصنيف على دول الاتحاد الأوروبيّ، وقف الاستيراد والتصدير من وإلى روسيا، ووقف استيراد وتصدير الأسلحة، وحظر المبيعات الدفاعية والمواد ذات الاستخدام المزدوج، وفرض قيود مالية وغيرها من القيود التجاريّة والاقتصادية والمصرفيّة المتنوعة.
  • فرض العقوبات على الأشخاص والبلدان التي تشارك في تجارة معينة مع الدول الراعية للإرهاب والتي أصبحت حيث انضمّت روسيا الى جانب حلفائها النظام الإيراني والنظام السوريّ.
  • يعني تجريد روسيا من أي حصانة، بموجب قانون حصانات السيادة الخارجية، ومقاضاتها أمام المحاكم الأمريكية والأوروبيّة.

المستند القانوني

إن الأفعال والجرائم التي ارتكبتها القوات الروسية والمرتزقة والميليشيات المُرتبِطة بها بأوامر مباشرة من إدارة الرئيس بوتين تُمكِّن الاتحاد الأوروبي الاستناد على النصوص القانونيّة التاليّة لمحاسبة روسيا:

  • المادة “2” من الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب لعام 1999.
  • وبما أن التفجيرات التي قامت بها هذه المنظمة الإرهابية وقعت على أراضي الاتحاد الأوروبي يمكن للاتحاد اللجوء لتطبيق المادة “2” من الاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل لعام 1998 في إدانة وملاحقة المسئولين الروس.
  • المادة “2” من اتفاقية الإرهاب النووي لعام 2005 بِناءً على قيام المسؤولين الروس بالتهديد باستخدام السلاح النووي ضد أهداف استراتيجيّة أوكرانية وغربيّة.
  • المادة “5” من الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم لعام 1989.

دلالات هذا القرار

بما أن القرار جاء بعد رفض الرئيس الأمريكي مشروع قرار تصنيف روسيا كدولة راعية للإرهاب تقدّم به بعض أعضاء الكونغرس، وجاء بعد توقيع الرئيس زيلينسكي مرسوماً بحظر إجراء أيّة مفاوضات مع روسيا، وبالتزامن مع ارتفاع وتيرة التهديدات النوويّة الروسيّة ضد الاتحاد الأوروبي فإنّه يحمل عدّة دلالات منها أنّه:

  • يدّل دلالة واضحة على نيّة الاتحاد الأوروبي عزل الرئيس الروسي عن المجتمع الدوليّ، وعزله عن أعضاء حكومته والمقرّبين منه في سبيل إسقاط نظامه وإسقاط الحصانات السيادة الخارجيّة وإمكانية ملاحقة رموزه أمام المحاكم الأوروبيّة.
  • كما يدلّ على الردّ الأوروبيّ على المخاوف الأمريكيّة من إدراج روسيا على قائمة الدول الراعيّة للإرهاب وتأثيره على صادرات الطاقة والغذاء، مما يعني أن الأوروبيين قد تجاوزوا مرحلة الخوف من نقص إمدادات الطاقة والغذاء التي كانت روسيا تهدِّد بها العالم وتبتزّه.
  • كما يدّل على نيّة الاتحاد الأوروبيّ قطع الطريق على أية مفاوضات أوكرانية روسية، أو أمريكية روسية، وإعلان القطيعة التامة مع النظام الروسي.
  • زيادة الضغط على النظام الروسي من خلال نظام العقوبات الذي سيتسبّب بأزمات له ولشركائه في “الاتحاد الاقتصادي الأوراسي”، وغيرها من الكيانات والمنظمّات الدوليّة الجماعيّة كمجموعة “البريكس” و”منظمة شنغهاي للتعاون” قد تؤدي إلى انهيار منطقة التجارة الحرة واتفاقيات التعاون الأمني والاقتصادي بينها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني