fbpx

رغيف الخبز الذي كان غذاء الفقراء تحول إلى عملة صعبة وطوابير لا تنتهي في دمشق

0 225

أثناء مروري بساحة باب توما صادفت رجلاً يحمل ربطة خبز طازجة لكن ما أثار حيرتي أنه كل ما مر شخص من أمامنا كان يهتف قائلاً (نيالو اشترى خبز)، سمعت ذات الجملة من أربع أشخاص فتساءلت هل الشعب حقاً فقد عقله ليحسد إنساناً على ربطة خبز تساوي 100 ليرة سورية ظروفنا صعبة أجل لكن لم نصل إلى هذه الحالة بعد، وبعد أقل من 200 متر عرفت تفسير تلك الحالة فقد وصلت إلى مخبز باب توما وشاهدت تجمعات مخيفة من البشر تتجمع على الفرن ومنهم من خانته قدماه فافترش الرصيف، شبان وشيوخ أطفال ونساء بعضهم قد مضى على وقفتهم تلك 3 أو 4 ساعات ومنهم أكثر في انتظار ربطة الخبز المخصص لهم وقد قامت نينار برس بالحديث إلى بعضهم.

أخبرتنا السيدة شذى وهي موظفة في وزارة الشؤون الاجتماعية أنها تتأخر يومياً عن عملها لتستطيع جلب الخبز مع أنها تخرج من منزلها في الـ 6 صباحاً ومع ذلك تأتي وترى الطابور ذاته وأخبرتنا أن راتبها الذي يبلغ 40 ألف ليرة سورية لا يخولها أن تشتري ربطة الخبز السياحي الذي أصبح سعرها 1500 ليرة سورية بالإضافة إلى صغر حجم الأرغفة التي لا تكفي لوجبة واحدة لأبنائها.

وبدأت أزمة الخبز منذ بدأ سريان قانون قيصر أي منذ الشهر السادس تقريباً، وعندها لجأ النظام إلى إدراج الخبز المدعوم على البطاقة الذكية وسمح لكل عائلة بربطة خبز للعائلة الصغيرة واثنتان للكبيرة ويبلغ الحد الأقصى ثلاث ربطات إذا كان عدد الأفراد أكثر من 10 وكالعادة لم يحصل المواطنون على مستحقاتهم كاملة فكانت الأفران تقوم ببيع ربطة واحدة فقط وتصل رسالة للمواطنين بأنهم استلموا اثنتين أي يقوم أصحاب الفرن بسرقة ربطة من كل مواطن بالإضافة إلى بيع الربطة بـ 200 ليرة سورية بدل السعر الرسمي 100 لسرة سورية، ومنذ حوالي الشهر زادت الأزمة سوءاً فحتى الربطة الواحدة لم يعد بقدرة الناس تأمينها فتارة تتحجج الحكومة بانعدام الوقود اللازم لتشغيل الآلات، وتارة بانقطاع الطحين اللازم، كما أنها – أي الحكومة – قللت كمية الطحين الوارد إلى الأفران كما حدث في قدسيا وضاحيتها، أما السبب الحقيقي فهو فرض روسيا على النظام توقيع اتفاقيات على استيراد القمح الروسي الرديء وبأسعار عالية وقد وقعت اتفاقية للحصول على 200 ألف طن وتأخر هذا القمح بالوصول فقد كان المفترض وصوله منذ شهرين. 

وقد صرح وزير التجارة الداخلية طلال البرازي أنهم كانوا بصدد توفير حوالي 3 مليون طن لكنهم فوجئوا بأنهم استطاعوا تأمين مليون طن فقط بسبب قيام قسد بمنع وصول القمح إلى مناطق النظام وعزوف الفلاحين عن البيع للنظام وأعلن البرازي أن الحاجة الشهرية من القمح 200 ألف طن بالإضافة إلى تصريحه أن القمح السوري قاس ويصعب تحويله لطحين، لكن أخبرنا قصي وهو شاب يقطن في مناطق النظام في المنطقة الشرقية أن النظام فرض على الفلاحين بيع محصولهم له وأن من الذي يرفض البيع أو يقوم ببيعه لجهة أخرى يعتقل فوراً بتهمة الخيانة وتصادر كل محاصيله، وأتبع قائلاً: إن القمح ليس شحيحاً كما يروج النظام والدليل أن الخبز السياحي غير المدعوم متوفر بكثرة في الأسواق، ومازالت هناك أفران قيد الإنشاء فلماذا يستطيع أصحاب الأفران الخاصة تأمين الطحين بينما تعاني أفران الدولة من قلته، وقد شاهدنا أثناء مرورنا من قرب أحد أفران العاصمة وجود عساكر يقومون ببيع الخبز للمواطنين مقابل 1000 ليرة سورية للربطة الواحدة، فمن أين يحصلون على الخبز..؟

وليست الصورة التي انتشرت لأفران ابن العميد ووضع الناس في أقفاص كالعبيد إلا تجسيد فعلي لما يحصل للمواطنين في طوابير الخبز فهم يُحبسون بأقفاص ويتعرضون للتشبيح والضرب أحياناً من رجال الأمن وللإهانة من العاملين في الأفران فهم أسرى فعلاً لرغيف الخبز الأساسي للحياة دون وجود من يحميهم أو يحفظ كرامتهم فأصبح الخبز كابوساً يؤرق ليل المواطنين وينغص حياتهم وكالعادة الحكومة والمسؤولون يرددون ذات الأسطوانة المشروخة أن على المواطنين التحمل والصبر والوقوف في وجه المؤامرة التي تتعرض لها سوريا وأنه يجب على الجميع التضحية، هكذا هي الأزمات دائماً في سوريا تضيق الحياة على المواطنين وتزيد من تصريحات المسؤولين ولا حلول أو حتى أمل في أي حل قريب. 

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني