fbpx

رئيس جمهورية الكبتاغون يعود من مولد المنامة بلا حُمّص

0 5٬289

هل كانت عودة الأسد لشغل المقعد السوري في جامعة العرب في قمة جدة من العام الماضي آخر الفرص التي رأى بعضهم منحها له حتى لا يقال إنهم لم يفعلوا ذلك؟ أم إنها كانت دفعة معنوية على الحساب لإيران بعد إبرام التفاهم السعودي – الإيراني برعاية صينية وذلك لتحاشي خطر الأذرع الايرانية لحروب قد تندلع في المنطقة وأرادوا النأي بأنفسهم عنها (وهو ما حصل على الأرض بعد التوتر الأمريكي – الإيراني والحرب التي اندلعت بعد 7 أكتوبر، ولم يرد العرب أن تنالهم الشرور ويُحمّلوا بالرسائل وخرجوا من صراع تأجل كثيراً بين الغرب والشرق في شرقهم الأوسط.

ولم تتكرّر مرة أخرى تدمير آرامكو واستهداف الحجاز ونجد والإمارات العربية ولم تتعطّل المصالح والتجارة في بحر الخليج العربي، فكانت التحالفات الغربية ضد الأذرع الإيرانية في البحر الأحمر والبحر الأبيض، وانتقل الصراع بين الفرس والعبرانيون من الوكالة إلى الأصالة في 14 نيسان 2024، ولن تكون سردية ملك الفرس العظيم قورش الذي أنقذ السبي اليهودي البابلي قبل 2500 عام تغطي حقيقة الصراع الدائر الآن والذي سيتطور لاحقاً ويأخذ أبعاداً أخطر.

ولا يَخفى على العرب أنّ الأسد هو ذراع إيرانية طائفية وسياسية لا يَعتمُر عمامة، كعمامة حسن نصر الله بل ببدلة رسمية وربطة عنق، ولكن العمامة الفارسية تغطيه وتحميه وتديره لمصالح الولي الفقيه.

ويدرك العرب أنّ ظروفاً معينة ساعدت إيران في السيطرة على عدة دول عربية عبر أدوات متعددة أهمها الميليشيات، ولكن دولاً أخرى لا يمكن السيطرة عليها بتلك الطريقة فلجأت إلى سلاح المخدرات لتحطيمها من الداخل، وكانت الأردن ومصر ودول الخليج العربية الهدف الرئيس لذلك السلاح، وهي حرب حقيقية وليست أنشطة تجارية في المقام الأول، وأحد أركان تلك الحرب الرئيسية هو الأسد نفسه.

وبالطبع مع تهريب المخدرات يتمّ تهريب أسلحة ومُعدّات لوجستية إلى الدول المستهدفة وهي أيضاً لزعزعة استقرار تلك الدول، وليست تهريب قطع سلاح عادية متوفرة في كل مكان وزمان.

وبالمناسبة لم يُقصّر العرب في المساهمة في محاولة إسقاط الأسد وكان لهم جُهد سياسي واضح بزعزعة نظامه عبر مبادرتهم العربية وفصلوه من بيئتهم ورفعوا الأمر للمجتمع الدولي حيث تمّ تقديم كل المبررات الشرعية لعزل الأسد دولياً، كما أنهم ساهموا بدعم كل الأنشطة العسكرية ضدّه قبل غرف الموم والموك والتي شاركوا بها ايضاً، وكان لهم نصيب وافر في دعم صمود الشعب السوري بتقديم الدعم الإنساني والسياسي، وكانوا مُحقّين في تصورهم بأنّ الأسد حديقة خلفية أو جبهة متقدمة للحرس الثوري.

ولكن بعد الصفقة الأمريكية – الإيرانية في عام 2015 التي أنتجت اتفاقاً نووياً مقابل السماح للحرس الثوري التمدّد في المنطقة، والتي تلاها تدخل عسكري روسي مباشر لتغيير موازين القوى، انكفأ العرب عن الملف السوري كونه أصبح خارج قدراتهم في ظل تفاهم روسي – أمريكي في تلك الساحة الملتهبة.

وحصل التقارب العربي مع الأسد برعاية المملكة العربية السعودية في العام الماضي، وتمّ دعوته لقمة جدة بعد تشكيل موقف عربي موحد منه عبر لجنة الاتصال العربية تكون مظلة أو عنوان لأيّ عودة حقيقية لنظام الأسد إلى العرب، فمنحوه خطوة الحضور وهي الخطوة الأولى من جانبهم وقدموا مطالبهم له، وجوهر تلك المطالب سياسياً هو وجود عنوانين للملف السوري نظام ومعارضة يحكم بينهما القرار الدولي 2254، وهذه المقاربة العربية للملف السوري لم تَتغيّر حتى في البيان الختامي لقمة المنامة، وعندما لا يُذكر القرار الدولي صراحةً في البيانات والتصريحات، يتمّ الإشارة إلى عملية سياسية تُفضي لحل سياسي وليس القبول بشرعية نظام الأسد كمنتصر أو عنوان وحيد لسوريا.

خلال عام كامل من الجهود العربية مع الأسد لم يحصل أيّ تقدم (ولن يحصل ذلك على الأغلب) فأوقفوا اجتماعات لجنة الاتصال العربية، بمعنى تجميد كل المساعي تجاهه، وقُبَيل القمة بأيام أعلنت المملكة الأردنية الهاشمية عن كشف عملية كبيرة لتهريب الاسلحة من سوريا (وبالطبع ما لم يُكشف من تلك الأسلحة أكبر وأخطر) وقَدّم القضاء الأردني اتهامات رسمية للإعلام عن مشاركة ضباط سوريون من ميليشيا الاسد بالإشراف على تهريب المخدرات، وبالطبع كانت الخطوات الأردنية بالتنسيق الكامل مع السعودية وتمّ قطع أي محاولة من الأسد لاستمرار عملية اللفّ والدوران لتحصيل ما يريده من الأموال الخليجية، بمعنى ذهب للمنامة بعد سكب (تنكة) ماء بارد عليه وإعطائه حقيقة الموقف العربي منه بكل وضوح، وقد يكون هذا سبب عدم إلقاء الأسد لكلمته في القمة، عم يتكلم؟ إضافةً لعدم تقديمه خطاباً أعلى من سقف خطاب القمة أو أقل منه بما يخص الوضع في غزة، وبالتالي استمراءه لوضع النعامة التي تَدفِنُ رأسها في الرمال.

ويعلن الأسد صراحةً استهتاره بجامعة العرب وقممها ومع ذلك لم يتوانَ عن الحضور عندما رُفِعَ الفيتو عنه.

عَين الأسد على الموقف الأمريكي (والأوربي بدرجة أقلّ) وهو يعلم أنّ من يُعطّل تعويمه هو العم سام، وقد يكون رغب بوساطة عربية له عند الأمريكان، لم يفعل العرب ذلك واستبق الأمريكان أيّ خطوة بذلك عبر قوانينهم ضده، فهو وفقاً للقانون الأمريكي تاجر مخدرات دولي ويُشكّل خطراً على الأمن الإقليمي والدولي.

ماهي الأوراق التي يَملكها الأسد لِيُساوم بها العرب؟

في الحقيقة فقد الأسد كل أوراقه التي يستطيع المقايضة بها، فهو ضعيف ومثخن بالجراح تتواجد جيوش أجنبية خمسة على الأرض والسماء السورية وكلها بالطبع أقوى منه، ونصف الجغرافيا السورية والسكان خارج سيطرته، حتى ورقة حماية الأقليات فقدها، وعليه فيتو أمريكي مُقونَن وليس سياسي مرحلي، وعليه مذكرات قضائية خارجية بتهم يندى لها جبين الإنسانية، حتى ورقة التفاوض على الجولان (التي كان يلجأ إليها في الملمّات) فقدها، فلن تُفاوض إسرائيل مجرماً دولياً وتاجر مخدرات لتوقع سلاماً معه، ولن تُبرم أيّ صفقة سلام مستقبلية إلا مع رئيس سوري متوافق عليه داخلياً وخارجياً، وقد تُحبّذ أن يكون من الأكثرية العربية السنية، التي لها أبعاد عربية ودولية، حتى إنّ رائحة التطبيع السعودي – العبري باتت تُزكم الأنوف ولا أحد ينتظر تغطية من الأسد.

ويعلم العرب أنّ الاسد لا يُسيطر على الأرض في المناطق المفترضة تحت سيطرته، إذ سيتمّ تصنيع الكبتاغون وتهريبه دون أخذ موافقته وليس بإمكانه منع ذلك (لو أراد) وهو غير قادر على منع التموضع الميليشياوي الإيراني على حدوده الجنوبية مع الأردن وإسرائيل، وغير قادر على منع الميليشيات من استهداف اسرائيل من أيّ منطقة أخرى، وهو غير قادر على حلّ مشكلة اللجوء السوري في الجوار لأن لا أحد سيعود من السوريين إلى بلاده طالما كان نظام الأسد في السلطة، وهو غير قادر على إبرام أيّ حل (أو تسوية داخلية على الأقل) ومعروفة نتائج تسوياته في حوران والغوطة وريف حمص الشمالي.

لذلك لم يتبقَّ للأسد من أوراق ليساوم بها، ولم يَعُد له مكان في القطار العربي والدولي، ولم يَعد أحد يهتمّ بإلقاء فتات موائده له، وعاد الأسد من قمة المنامة بخفي حنين أو بلا حُمّص.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني