fbpx

دور الهيئات المجتمعية في تحقيق الانفتاح الثقافي

0 340

البروفيسور: نعيمة سعدية – أستاذ بجامعة بسكرة

إن موضوع الانفتاح الثقافي على المجتمعات الغربية ومحاولة تصدير الحمولة الثقافية للأمة العربية

من أجل المساهمة في إرساء القيم الإنسانية المثلى يستلزم آليات واستراتيجيات واضحة المعالم.

لعلنا نحاول تحديد بعضها وفق النهج الآتي:

1-العمل على تطوير الذهنيات للمواطن العربي وفتح أفق تفكيره على العالمية بدل الانزواء على نفسه.

2- تشجيع ثقافة العولمة المنضبطة بقيم الدولة المثلى لدى الجيل الجديد، كونه السبيل الأمثل لتحقيق مخرجات فاعلة على المدى الطويل.

3- الممارسة الموضوعية للواجبات بعيدا عن الخوف من القانون، أو الخوف من قوة الردع من السلطة.

4- تقبل الآخر والعمل في إطار مبادئ العيش المشترك، واحترام الخصوصية والقوانين الداخلية.

5-تحييد الصورة القاتمة بين الجماعات والأقليات في المجتمع، خاصة التي تروج للتطرف، أي نبذ خطاب الكراهية والتطرف، وترك الممارسات هي معيار التصنيف، بعيدا عن كل ما يمكنه توليد الحقد والكراهية بين الشعوب وحتى يكون ما سبق ذكره ملموسا في أرض الواقع، ومجسدا بشكل حقيقي.

يجب أن يتوفر لذلك المناخ المناسب وعلى كل الأصعدة أبرزها:

أولاً: على مستوى صناعة القرار؛ من حيث:

  • سنّ قوانين جامعة وموحدة للكتل الشعبية والحفاظ على تماسكها وفق مبدأ الحياة الكريمة، والمصلحة العامة، وتغليب منطق الدولة في كل الممارسات المجتمعية على تنوعها: الثقافية-الاقتصادية- الايديولوجية وغيرها.
  • جعل النزاهة سيدة الميدان لتأكيد منطق الأحقية للكفاءة وهو ما يزيل النظرة الطبقية بين الشعوب

ثانياً: على مستوى الشعوب والهيئات الجماهيرية:

  • أ‌-       التحلي بالعزيمة الكافية والرغبة الكبيرة في خدمة الإنسانية لضمان تحقيق المنفعة العامة.
  • قطع الطريق أمام أصوات الخراب تحت أي تسمية كانت، ولو استلزم ذلك صرامة في التعامل مع محركي النعرة التطرفية بين أفراد الشعب الواحد، أو بين الشعوب.

 نقول إن الثقافة ومبدأ حقوق الإنسان خطان متفقان، فكلما زاد مستوى الوعي الثقافي كان انعكاسه إيجابيا على حياة الإنسان وحقوقه.

وعلى ذلك؛ فإن المثقف-كونه الإنسان المؤتمن على الحياة- يرسخ أسس الثقافة السياسية المتمثلة في الحرية والديموقراطية.

تشهد الكثير من المجتمعات العربية تنامي جهود التربية، والتثقيف في مجال حقوق الإنسان منذ نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي وقد لعبت المنظمات غير الحكومية الحقوقية والتنموية الدور الرئيس في هذا الصدد وعلى الرغم من الجهود الهائلة التي بذلت من خلال تنفيذ أنشطة للتدريب وبناء القدرات، وإنتاج مواد تربوية ودعائية، فضلاً عن منتجات إبداعية وفنية إلا أنا المردود لم يكن على قدر المأمول لأسباب من أهمها المقاومة الثقافية لحقوق الإنسان باسم الحفاظ على الخصوصية الثقافية، حيث دأبت الاتجاهات المحافظة وحلفاؤها على الهجوم على حقوق الإنسان بهدف نزع المشروعية عنها واصفة إياها بأنها أفكار غريبة وغربية وافدة ولا تصلح للتطبيق في السياق المحلي، ولا القومي العربي.

وقد سعى المعنيون في مجال حقوق الإنسان إلى تطوير المنهجيات والوسائل الملائمة لمواجهة المعوقات الثقافية قد شابهها الكثير من أوجه القصور المنهجي، وفي مقدمة ذلك عدم الاستناد إلى المكونات الثقافية المحلية من أجل تنمية وترسيخ الوعي بحقوق الإنسان أن التراث الثقافي الفكري والفني المحلي يشكل مادة ثرية لتعزيز حقوق الإنسان بما لا يتعارض مع طبيعتها العالمية ومن ثمّ، فإنه يجب إثبات أن الخصوصية الثقافية التي هي وسيلة لمقاومة حقوق الإنسان يمكن أن تكون وفق فهم مختلف الوسائل لتعزيز هذه الحقوق من خلال جهود للتثقيف ترتكز على التراث المحلي وحتى القومي العربي.

التثقيف في مجال حقوق الإنسان:

يمكن تعريف خطة عمل البرنامج العالمي للتثقيف في مجال حقوق الإنسان الصادر عن منظمة الأمم المتحدة بأنه: عملية التعليم والتدريب والإعلام الرامية إلى إرساء ثقافة عالمية في مجال حقوق الإنسان. فالتعليم الجيد ينمي المهارات الضرورية لتعزيز حقوق الإنسان والدفاع عنها وتطبيقها في الحياة اليومية ويعزز التثقيف في مجال حقوق الإنسان المواقف وأوجه السلوك اللازمة لضمان تمتع جميع أفراد المجتمع بحقوق الإنسان وينبغي أن تركز أنشطة التثقيف في هذا المجال على القيم الأساسية لحقوق الإنسان كالمساواة وعدم التمييز إلى جانب تأكيد ترابط هذه المبادئ وعدم قابليتها للتجزئة.

إن التثقيف في مجال حقوق الإنسان ينمي قدرات المطلعين بمسؤولية احترام حقوق الآخرين وضمان التمتع بها وينبغي أن تتبلور مبادئ حقوق الإنسان في مضمون التعلم وفي طريقة تعليم هذا المضمون وأن يجري فيهما تشجيع المشاركة وتهيئة بيئة تعلم لا يكتنفها الإحباط والخوف.

وفي عملية التعالق بين التثقيف في مجال حقوق الإنسان والبيئة الثقافية المحلية، سنصطدم بمشكلتين: الأولى تتعلق بالالتباس المتعلق بفهم الخصوصية الثقافية أما المشكلة الثانية فهي تتعلق بتعريف حقوق الإنسان هل هي ثقافة أم قيم أم مبادئ ومعايير.

وقد شهدت الساحة العربية أنشطة نوعية تتعلق بحقوق بعينها كحقوق المرأة والطفل والأشخاص ذوي الإعاقة فضلاً عن الاهتمام بالعلاقة بين الأديان وحقوق الإنسان.

وعليه، فإنّ الهيئة الأوربية الدولية للتنمية وحقوق الإنسان، وهي هيئة مجتمع مدني إنساني دولي غير ربحية، مقرها مدينة ماربورغ-ألمانيا-2022، للهيئة قسمان أو لجنتان، قسم يهتم بالتنمية الثقافية والبشرية، وآخر يهتم بحقوق الإنسان، ويتحقق ذلك عبر مؤسسات ومراكز تابعة للهيئة: مراكز للبحوث الاستراتيجية والتنمية البشرية والتدريب، مركز حوار الثقافات، مراكز تنمية قدرات الطفل، ومركز دعم وتمكين المرأة في المجتمع، لجنة حقوق الإنسان، مركز دعم الشباب، من أجل تعزيز مساهمة الشباب في مسار تنمية أوطانهم، وتبادل الخبرات ووسائل التعاون، وترسيخ ثقافة التميز للشباب الصاعد، وترسيخ ثقافة الاعتذار والتعاون والإصلاح في المجتمع، وغير ذلك، و ستولي أهمية عملية كبيرة بالتنمية البشرية وذلك من خلال إقامة الدورات التدريبية في المجالات التالية:

– دورات تدريبية في مجال حقوق الإنسان للأطفال دون سن الـ 16 وفوق العاشرة.

– دورات تدريبية في مجال حقوق الإنسان للبالغين الراشدين وخاصة للعاملين في منظمات المجتمع المدني في جميع البلدان التي تتواجد فيها الهيئة.

– دورات تدريبية في مجال التنمية البشرية والتدريب وإعادة التأهيل في مجالات الدعم النفسي، والتأهيل، وإدارة الوقت وإدارة الأزمات والكوارث، وإدارة المجتمعات الصغيرة المتضررة كاللاجئين ولاجئي الكوارث الطبيعية وغيرهم من فئات اللجوء. 

– التدريب في المجال الإنساني المهني خاصة للمدرسين والفنيين الذين يقومون بإعادة إعمار المدن والمجتمعات المتضررة.

-التدريب في المجال الأدبي والثقافي من خلال إقامة ورشات العمل المجتمعية والثقافية والأدبية. 

– والهيئة فاتحة أبوابها من أجل قبول المقترحات الأخرى التي تخدم الإنسان، ومن أجل فتح أبواب التدريب في مجالات جديدة مفيدة للمجتمع.

 وقد وضعت الهيئة ميثاق سلام دولي تم إعداده من خيرة رجال القانون، ومازال قابل للتنقيح، والتعديل ويضمن تطبيق هذا الميثاق سلام دولي بعيد عن الصراعات مهما كان نوعها…طبعا سيتم الإعلان عن الميثاق في المؤتمر، ومن ثمّة ستكون حملات عديدة لتوقيع الميثاق من السفارات ومراكز القرار في العالم ومن رجال الدين والمنظمات الدولية المعتمدة. كما يطمح أعضاء الهيئة وسفرائها- وعلى رأسهم الأستاذ أحمد الأحمد –الرئيس- والبروفيسور عواد الجدّي-النائب، إلى تطبيق جميع أهدافها، ونشر مفاهيم السلام والحرية وحقوق الإنسان في كل مكان من هذا العالم.

كما ستهتم الهيئة بعمليات إعادة قراءة التاريخ ومحاولة فهمه لتوظيف الماضي والحاضر والاستفادة منه في بناء مستقبل مزدهر، ترسمه دراسة استراتيجية دقيقة على كل المستويات ووفق كل المعطيات؛ لأن التاريخ قيمة كبيرة، يسهم دوما في حل المشكلات، هو سجل لقيم أخلاقية لمساعدة الإنسان في أن يكون حذرا في أعماله وتفكيره. ويعطي التاريخ للإنسان تصورا دقيقا واضحا عن أحوال العالم القديم وتجاربه ويعد هذا مفتاحا لتجنب الأخطاء التي وقع بها الأقدمون وعلى هذا يحفظ علم التاريخ تاريخ الأمم وتراثها كما أنه يسهم في معرفة الأساليب التي أسهمت في تقدم العقل البشري وكذلك فهو يستعرض التقدم في مختلف العلوم ونظرياتها، فأفكار الأمم السابقة تختلف عن الحاضر لأنها دائمة التطور.

ووحده التفكير النقدي القادر على تحقيق ذلك، وهذا النوع من التفكير لا يتحقق إلا في أجواء تسودها الحرية سواء من الحرية التي يمنحها المجتمع أو التي يتمتع فيها الفرد – حرية عقلية وفكرية – لأن الفرد صاحب التفكير النقدي لا يرضى أن يكون مغمورا ومقبورا في ثقافة غيره؛ فتبدأ العملية النقدية من الفرد الذي يتمتع بالشخصية العاقلة المنطقية العلمية المبرهنة والمستدلة على ما تقول بحجج تحمل البناء وليس الهدم، التقدم للأمام وليس الرجوع للخلف تحمل في طياتها اليسر وليس العسر، تقيم دعائم التعاون والتسامح بكل ما يتعلق في الكينونة الإنسانية. فالنقد الفكري لعله يرتبط بكل ما يتعلق بالمشروع الحضاري الإنساني الذي يهدف إلى الارتقاء إلى جنة الدنيا، وهذا النقد يكون حياً عندما تسود ثقافة قبول الآخر كما هو ما دام ملتزماً بما هو إنساني وبناء.

ويبقى السؤال المطروح، ما الذي ينقص الساحة الفكريّة العربيّة، وخاصة الأدبيّة والنقديّة لبناء نظرية فكر عربيّ خالص؟ خاصة وأنّنا أخذنا ما يلزم من الفكر الغيري؟.

فأصعب حالة يُمكن أن يعانيها الفكر هو القطيعة: القطيعة بين ماضيه وحاضره، والقطيعة بين آناه وسابقه من أجل بناء لاحقه، والقطيعة الكبرى والمرّة بين الأنا والآخر، فأن تُلغي الآخر وتقصيه، فتلك المأساة بعينها، لأن الفكر يجب أن يبنى على مبدأي: التكامل والاحترام-التأثّر والتأثير. وقد قلنا ذلك في مقال سابق.

وعلى كل باحث أن يفكر، ولا يقوم بتعطيل الميزة الإنسانية فيه، وأن يعيش المشكلة بكل وعي ومسؤوليّة، بعيدا عن الإسقاط الجنوني، أو التقليد غير الواعي، لأننا بحاجة ملحة إلى بداية عقلانية صحيحة.

كل هذه الآليات سيعمل على تنفيذها الشباب وستستهدف الشباب، فهم رهان الاستمرار والقوة الفاعلة لذلك، وكي تنجح هذه القوة يتوجب عليها التحكم في الآليات الاستراتيجية للتفكير السليم، من أجل زيادة نسبة الوعي الفردي والجماعي، في ظل الحرب التكنولوجية القادمة، وهي حرب إعلامية ذكية، لطمس الهويات خدمة للهوية الواحدة، وهذا أخطر بكثير من الحروب السابقة.

ونحن عندما نطرح الانشغال نريد – معشر القراء الباحثين – أن نمارس هذا الفعل بمنتهى الوعي والفطنة والمغامرة لتحقيق البداية الصحيحة بعد مراجعة الذات فيما أنجز، لأن بناء فكر عربيّ، متوقف على نقطة نظام منّا نسترجعُ ونراجعُ منجزاتنا السابقة وما يفرزه الآخر بمنتهى الوعي والإدراك والصدق، وعدم تبني الآراء تبني الأبناء، فلا قداسة لفكر بشري أيّ كان، ولا تجاوز له إلا بدليل؛ وفي لحظة المراجعة هذه نقوم بعمليات نقد وتقويم للمنجز العربي المعاصر واستنطاق الموروث في منتهى الاحترام النصي.

الكلام في هذا الموضوع لا يمكن حصره في بضع أسطر، ولكن حقيقة لا حياد عنها، وهي أنّ يساعد التاريخ يساعد في معرفة الأحداث وتحديد زمن حصولها وما صاحبها من تغيرات مختلفة، وتقديم معرفة بأحوال الأمم والحضارات السابقة سواء في عصر القوة أو الضعف، وبحث العوامل التي أدت إلى اندثار الأمم وذلك من أجل تجنبها، “فـمن لا يعتبر من التاريخ أعاده”.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني