fbpx

دروس وعبر، في ضوء حيثيّات الغزو الروسي لأوكرانيا!

0 141

في ضوء إجراءات غير قانونية بضم مناطق أوكرانية إلى روسيا – لا تختلف عن إجراءات ضم العدو الإسرائيلي للجولان السوري المحتل، ولا النظام الايراني لجزر الإمارات، أو اللواء السليب، وفي ظل دعاية معادية للاستعمار[1]، تحاول إظهاره في عيون ضحايا سياساته من الروس كبطل تحرير قومي – التساؤل الذي يطرح نفسه:

هل يُريد بوتين، تحت وطأة الهزائم المتلاحقة التي يتعرض لها جيشه في مناطق مختلفة من أوكرانيا، أن يقول أن اهدافه من الحرب على أوكرانيا، المستمرة في مرحلتها الثانية منذ شباط الماضي، قد تحققت؟ هل هو فحوى الرسالة التي يُريد الزعيم توصيلها؟.

اذا كان هدف الحرب يقتصر على تحرير تلك المناطق، لماذا دفع زعيم الكرملين بجيشه على دروب غزو شامل، وسعى لاحتلال العاصمة، وتغيير نظام الحكم، على طريقة الغزو الصدامي للكويت، والأمريكي للعراق؟.

بخلاف القيادة الأمريكية، التي خططت مسبقا لمرحلة الغزو، وتعرف اهمية نتائجه في سياق تحقيق اهداف مشروعها الإقليمي، الإيرو أمريكي، فهل حقا تجهل القيادة الروسية الفارق بين محصلة الربح والخسارة في مغامرة الغزو؟.

إذا وضعنا جانبا الخسائر البشرية والاقتصادية الهائلة، لا يمكن أن نتجاهل صيرورة عزل روسيا.. وتهميشها اوروبيا- بما يُعيد التخوم المصطنعة التي فرضتها موازين قوى الحرب العالمية الثانية، واستمرت خلال حقبة الحرب الباردة، وضمنت بقاء أوروبا، بركيزتيها روسيا وألمانيا، مقسمة لصالح سيطرة أمريكية على القارة العجوز، وبما يبقي تحكماً أمريكياً أحادياً في شريان الطاقة، وعالمياً، بما يحول روسيا من دولة عظمى إلى دولة أقل فاعلية وتأثير في العلاقات الدولية، تسعى لطلب الحماية حتى من بعض الدول الإقليمية، كتركيا، وإيران.

إضافة إلى ذلك، هل يجهل السيد بوتين حجم الأضرار التي أصابت مرتكزات وحدة الإتحاد الروسي الجيوسياسية؟.

على أية حال، بغض النظر عن طبيعة الهزيمة التي ستدفع روسيا الدولة، جميع مقومات الدولة الروسية، ثمنها، على جميع الصعد والمستويات، كيف يمكن لنا، نحن السوريين وشركاؤنا الروس، أن نتعلم من دروسها؟.

أعتقد انه في مقدمة ما يجب علينا أن ندركه جيداً، ونحن نخوض غمار حروب متعددة المستويات منذ الاستقلال لبناء مؤسسات دولة المواطنة الديمقراطية، هو القيمة المطلقة لوجود نظام ديمقراطي حقيقي، يحكم في بلداننا؛ خاصة لما يشكله من ضامن واقعي للحفاظ على مصالح الدول العليا.

هل كان بوتين ليستطيع، في ظل نظام ديمقراطي – تعود فيه السلطة الحقيقية، القضائية والتنفيذية، لممثلي مصالح الشعب، المنتخبين ديمقراطياً – أن يتخذ قرار الغزو والضم؟.[2]

ألا يستحق بوتين ويلتسن، وغيرهما من القيادات الروسية، والسوفياتية محاكمة عادلة على قاعدة مصالح شعوب روسيا اليوم، والاتحاد السوفياتي سابقاً، وليكن للقضاء العادل كلمة الفصل.

على المقلب الآخر، يستحق بالطبع قادة الولايات المتحدة تلك المحاكمة العادلة، لكن على قاعدة العدالة الدولية وحقوق الإنسان، ومن منطق مصالح شعوب المنطقة التي ما تزال تدفع ثمن سياسات واشنطن الإمبريالية، خاصة منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، في أفغانستان وإيران والعراق، وسوريا ولبنان، وليبيا.

البون الشاسع بين نتائج ممارسات قيادات الولايات المتحدة وقيادات روسيا هو تماماً كالفرق بين طبيعة النظامين. فمكاسب جرائم الحروب التي ترتكبها القيادات السياسية في الولايات المتحدة حول العالم، وخاصة في منطقتنا، (كغزو العراق – وهزيمة ثورات الربيع العربي) تحقق مصالح طواغيت المال والنفط والسلاح المسيطرة على مؤسسات الدولة الأمريكية، لكنها تحقق أيضاً، وفي نهاية المطاف، مصالح الولايات المتحدة العليا؛ سواء في ضمان سيطرتها، وآليات نهبها، وانعكاسها إيجابياً على حالة الاستقرار والسلام الداخلي الأمني والاقتصادي، وهو جوهر سياسات النهب والسيطرة الإمبريالية، ويبررها المنطق البراغماتي، وتسترها دعايات كاذبة حول الحرص على تعزيز الديمقراطية في منطقتنا، وتبررها ديماغوجيا محاربة الإرهاب؟!.

الطامة الكبرى هي في حالة دول النظام الرأسمالي الطَرَفية، (كمنطقتنا، وروسيا، رغم الفوارق الكمية، حيث منعت أو أعاقت علاقات النهب والسيطرة الإمبريالية إنجاز أهداف الثورة الديمقراطية، وحيث توكل الولايات المتحدة، بمساعدة شركائها في مراكز النظام الرأسمالي العالمي، حكومات وأنظمة محلية لإدارة مصالحها العليا)، حيث تتعارض سياسات الوكلاء، في ارتهانها للعراب، ليس فقط مع مصالح الدول والشعوب، والطبقة الحاكمة، بل وأحيانا حتى في بعض السياقات مع مصالح القائمين عليها، أنفسهم.

ثانياً: في السياق التاريخي العام، إذا كان تعارض مصالح وسياسات الولايات المتحدة، أعظم الدول الديمقراطية، مع خيارات شعوب المنطقة (وروسيا، ناهيكم بشعوب أخرى!) الديمقراطية قد باتت حقيقة ساطعة، لا يمكن إنكارها، فإن الخط الفاصل في الوعي السياسي النخبوي بين القديم، البائد المهزوم، المرتهن، والمستقبل الواعد، المستقل، هو في امتلاك الجرأة والوعي للاعتراف بحقيقة أن كل صيرورة سياسية لا تحترم قيم ومعايير النظام الديمقراطي، وتبني سلطة متناقضة مع نهجه، هي في النهاية، جزء لا يتجزأ من آليات النهب والسيطرة الإمبريالية – بغض النظر عن اليافطة، والشعار، وكاريزما القيادة – وقد أثبتت التجربة التاريخية عدم خروج إنجازات قادة تاريخيين، على الصعيد الروسي والإقليمي – كـ لينين، في روسيا، 1917-1920، وعبد الناصر، في فضاء المنطقة العربية منذ 1954، والخميني في فضاء الإسلام السياسي منذ 1980، وعبد الله أوجلان، على الصعيد الكردي – نظروا وعملوا على قطع صيرورات التغيير الديمقراطي، وتقاطعت جهودهم عند نهج بناء أنظمة معادية للديمقراطية، عن هذا السياق، وصبت جهودهم في النهاية، بغض النظر عن وعي أصحابها، وبرغم تناقض الشعارات الشكلي واختلاف المبررات، في خدمة الطغمة المسيطرة في قيادة النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي، وزعيمته الأمريكية المهيمنة؛ المعادي لتعزيز الديمقراطية وقيمها خارج دول المركز: الولايات المتحدة وبعض أقمارها المفضلين!.

بناء عليه، وفي ضوء حالة الهزيمة الشاملة التي وصلتها شعوب المنطقة ونخب معارضاتها،

تصبح الخطوة الأولى في نضالات الشعوب لتحقيق أهداف التحرر والديمقراطية والعدالة هي مهمة العمل على فرز نخب وطنية ديمقراطية مستقلة، على طريق الخروج من هذا النفق المظلم الذي تعيشه شعوب ودول المنطقة، منذ مطلع القرن العشرين!.

هي مهام أولية على صعيد العامل الذاتي للخروج من النفق، وهي مهمة شاقة، وصيرورة تاريخية، يحتاج بناؤها إلى رجال ونساء من طينة مختلفة؛ ليس فقط بسبب الهزائم التي سببتها الأنظمة الاستبدادية، وبفعل حجم التلوث الذي أصاب النخب المسيطرة، المرتهنة، التي تُفبرك الرأي العام (ولا يختلف في هذه الحالة محاربو اليمين في الإسلام السياسي، الشيعي أو السني عن اليساري – الشيوعي اللينيني/الستاليني، أو القومي، العربي والكردي)، لكن أيضاً بسبب وعي طواغيت النهب والسيطرة التشاركية لأهمية هذا الدور النخبوي، ولإصرار على استمراره، بأي ثمن، وأية أدوات!.

السلام والعدالة لشعوب المنطقة.


[1]– كتب الحقوقي السوري المعروف (النائب العام في محافظة اللاذقية سابقاً)، الأستاذ طه الزوزو، يقول: من وجهة نظر القانون والدستور والقانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان، إن نتيجة الاستفتاء الذي أجراه الرئيس بوتين في عدد من المناطق الأوكرانية المعترف بها دولياً التي احتلتها روسيا، تبقى بحكم المعدومة لا يُعتد بها، وهي والعدم سواء.

إن هدف الرئيس بوتين من هذه العملية استجداء التفاوض مع أوكرانيا والغرب، مثله مثل إعلان النفير العام الجزئي الذي أعلنه الرئيس بوتين في روسيا.

ولئن كان بعض سكان هذه المناطق المحتلة من قبل روسيا من أصل روسي، وهم مواطنون أوكرانيون، فإن رغبتهم بالاستقلال تُعلَن بإجراء استفتاء وفق الأصول القانونية، والدستورية والقانون الدولي وبإشراف الأمم المتحدة.

[2]– قد يعترض بعضهم بالقول، ها هو بوش قد أقدم على غزو العراق، وهو رئيس أعتق الدول الديمقراطية! من حيث الشكل، يبدو هذا صحيحاً، في الواقع، لنتذكر حجم المبررات التي قدمها غزو العراق للكويت، واضطرار الإدارة الأمريكية للانتظار عشر سنوات، عجزت خلالها عن تأمين موافقة داخلية، إلى أن قدم أسامة بن لادن المبرر القوي، 2001 الوضع مختلف، بالتأكيد؛ وهو أكثر تعقيداً في الدول الديمقراطية!! إضافة إلى ذلك، تستخدم قيادات الولايات المتحدة دعايات واسعة، وتصرف الملايين لترويج أفكارها، محلياً، وعبر العالم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني