fbpx

دراسة في أسباب مأزق الحركة السياسية الكردية القومية، وطبيعة المخرج الوطني السوري (3-4)

0 53

يأتي التناقض البنيوي في أجندات تيارات واحزاب وتجمعات الحركة السياسية القومية الكردية- الكردستانية على مستويين:

الأول: في كرديتها السياسية!

1- لاموضوعية ثقافتها وممارستها السياسية، تأتي من وقوفها على أرضية وعي هوية قومية سياسية مُتخيلة، لا تملك شروط تحولها إلى هوية سياسية وطنية، وقد برزت تناقضات وضع أهداف تحقيق الهوية القومية السياسية في مواجهة مع متطلبات الحفاظ على هويتها الوطنية السياسية السورية في أعقاب حراك ربيع 2011، عندما تبادلت نخب انشقاقات الحركة السياسية القومية أدوار الرهان على اجندات القوى العاملة على إجهاض مسارات صيرورة المشروع الديمقراطي السوري، السورية والخارجية[1]، فخسرت رهان الوَهم السياسي القومي، وساهمت في تفشيل مقومات الهوية الأم؛ وقد عبرت عن رؤيتها السياسية القومية المتوهمة نظريا وإعلاميا بالترويج لمفاهيم لا تملك شروط تحققها موضوعيا وذاتيا في حقائق الوقائع السورية، كالقول بحق الأكراد في الحصول على حق تقرير المصير، وصولا إلى قيام الكيان السياسي الكردي المستقل، وعيونها شاخصة إلى نموذج إقليم قسد وكردستان العراق، متجاهلة لحقيقة الوقائع السورية التي تقول بعدم توفر شروط قيام كيان سياسي كردي، وأن توفير الشروط السياسية السورية لضمان حقوق الكرد القومية كاملة في إطار حقوق المواطنة المتساوية، (دون حق تقرير المصير السياسي) لا يمكن أن تخرج عن سياق صيرورة المشروع الديمقراطي السوري، والدولة الموحدة، المتناقض مع أهداف وسياقات ومآلات مشروع إقليم قسد أو إقليم أربيل!.

من المؤسف ان ما حصل من متغيرات في سياق صيرورة الخَيار العسكري لصالح قوى الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي قد عزز تلك الأوهام الاستقلالية عند طيف واسع من نخب التيارات السياسية القومية الكردية، عندما اعتقدت أن قيام روجا آفا في مرحلة الخَيار الأمني العسكري الأولى (2011-2014)، وتحوله إلى إقليم شمال وشرق سوريا، في المرحلة الثانية (2015-2019) يؤكد موضوعية الوَهم القومي، متجاهلة حقيقة أن العامل الرئيسي الذي مكن المشروعين في مسارات الخَيار العسكري، (سواء في مصالح وسياسات النظام السوري الإيراني اولا، أو في سياسات السيطرة الإقليمية الأمريكية، ثانيا، ودائما في طبيعة الطغمة القيادة السياسية والعسكرية المتفرد كرديا في التحكم بمصير المشروعين)، لا يرتبط بتاتا بحقوق السوريين الكرد القومية، ولا يسعى إلى توفير شروط تحقيقها العادلة، بل أتى أولاً، عند محطة الروج، في إطار جهود هزيمة حراك السوريين الديمقراطي، ونتيجة مباشرة لخطط وسياسات سلطة النظام السوري لوضع أهداف وقوى المشروع القومي الكردي في مواجهة المشروع الديمقراطي السوري، وذلك من أجل تقسيم الصف الوطني، النخبوي والشعبي، السوري الديمقراطي، وهزيمة صيرورة حراك ربيع 2011 ثورة ديمقراطية؛ كما وارتبط ثانيا، في جهود وأهداف تحول الروج إلى إقليم في أعقاب تدخل جيوش تحالف الولايات المتحدة خلال 2014، بسعي واشنطن لبناء قاعدة ارتكاز في سوريا في سياق مشروع سيطرة إقليمية، وما تطلبته شروط نجاحه من التشبيك مع قيادة PYD وميليشياتها التي تم تمكينها في سياقات صيرورة الخَيار العسكري، وتستخدم الكرد وقضاياهم الوطنية والقومية المشروعة كيافطة للتمويه على طبيعة سلطتها، وحقيقة ما تقوم به من وظائف لصالح جميع أصحاب مشاريع السيطرة الإقليمية، وطغمة خاصة في قنديل، وكل ذلك على حساب شروط انتصار النضال الوطني الديمقراطي السوري، وما قد ينتج عنه من فتح صيرورة الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي، لمصلحة جميع السوريين المشتركة، وفي مقدمتهم الحقوق القومية الكردية المشروعة.

2- في تمظهرات مأزق الحركة السياسية القومية الكردية يبرز قصور رؤيتها لطبيعة الجهود الأمريكية الساعية إلى توفير عوامل شرعنة وجود وضمان أمان كانتون قسد في مرحلة التسوية السياسية (بعد 2019)، خاصة المتعلقة بربط إجراءات إعادة تأهيل الكانتون سورياً وإقليمياً بإجراءات إعادة تأهيل سلطة النظام السوري نفسها، (وبالتالي، سلطات الأمر الواقع الأخرى) بما يوحد، في السياق، ويربط جدليا بين جهود توفير شروط ديمومة الإقليم كقاعدة ارتكاز أمريكية، وشروط بقاء سلطة النظام، وسلطات الميليشياوي التابعة للنظام التركي، وبما يؤدي في الصيرورة التي إجهاض شروط مسار انتقال سياسي وتحول ديمقراطي سوري شامل، وإلى تثبيت حصص كانتونات الأمر الواقع، وعوامل تفشيل الدولة الوطنية السورية، وبما يدمر الشروط السورية لتحقيق تطلعات الكرد السوريين القومية المشروعة في إطار الدولة السورية الديمقراطية الموحدة- لصالح سلطات الأمر الواقع، والعراب الخارجي!.

3- يرتبط أيضا بغياب الرؤية الموضوعية التي تتجاهل طبيعة الشروط الموضوعية الديموغرافية واللوجستية السورية التي لا توفر شروط قيام كيان سياسي كردي سوري مستقل، وتكشف أبعاد مخاطر العمل السياسي على تحقيقها:

واقع التداخل الديمغرافي، وعدم وجود منطقة جغرافية كردية متصلة وممتدة، كما هو الحال في تركيا أو العراق، يضع أجندات وإجراءات إقامة كيان ذو طابع قومي كردي منفصل، أو في سياق صيرورة انفصال عندما تتوفر عوامل السيطرة الإقليمية، (على غرار إقليم كردستان العراق) في تناقض مع مصالح السوريين الوطنية المشتركة، وفي مقدمتهم الكرد![2].

لماذا؟

طالما تتداخل خارطة تواجد الكرد جغرافيا وديمغرافياً مع سوريين من قوميات أخرى، يصبح من الطبيعي أن تتطلب صيرورة المشروع تغييرات ديمغرافية عنيفة ووسائل سيطرى وحكم قسرية، تحول المختلفين قوميا إلى خصوم، وتجعل من إجراءات وأدوات تأسيس الكيان مشروعا لحروب بينية لا نهاية لها، يكون الكرد الخاسر الأكبر فيها، بما يشكلونه من اقلية عددية، بالمقارنة مع اتباع القوميات الأخرى، خاصة الأكثرية العربية، ويجعل من الصراع الأهلي فرصة لتدخل إقليمي، يضر بمصالح جميع السوريين، ويحول القضية الكردية إلى ورقة يستخدمها الخارج.

ثانياً: يؤكد موضوعية تلك القراءة وما وصلت إليه من استنتاجات ليس فقط واقع الحال بل وما لعبته الأحزاب والتيارات القومية الكردية من أدوار خلال سياقات هزيمة مشروع التغيير الديمقراطي السوري الذي جعل حراك السوريين في ربيع 2011 من تحقيقه إمكانية.

من جهة أولى، سعت سلطة النظام السوري إلى استخدام بعض أدواتها الكردية في مواجهة حراك الكرد الوطني خلال 2011، فبرزت الميليشيات التي قادها حزب الاتحاد الديمقراطي منذ ربيع 2011 PYD كإحدى أذرع السلطة السورية، وقوى الخَيار العسكري في مواجهة القوى الديمقراطية الكردية، وأتت لاحقا في إطار الدور الوظيفي وأجندات قيادة الحزب الخاصة، إجراءات تأسيس كمونة روج آفا قبل 2014، وقبل أن تتحول إلى مشروع إقليم شمال وشرق سوريا، بعد 2015 في سياق تحقيق أهداف مشروع الولايات المتحدة الخاص، المرتبطة جوهريا بالعمل لبناء قاعدة ارتكاز دائمة، وفي التسوية السياسية بعد 2019، وقد ترابطت مصالح وسياسات الولايات المتحدة وسلطة النظام السوري/ الإيراني/ لإعادة تأهيل سلطتي قسد والنظام، في مواجهة مسار تسوية حل سياسي وطني، وخارطة طريق انتقال سياسي وتحول ديمقراطي.

من جهة ثانية، وفي ظل سعي القوى الإقليمية لتشكيل لوبيات خاصة داخل نخب المعارضات السورية، وفي مقدمتها سلطة هولير، خرجت بعض الأحزاب والتيارات السياسية الكردية عن الإجماع داخل هيئة التنسيق الوطنية، وتم تشكيل المجلس الوطني الكردي، لتتحول تياراته الحزبوية إلى أوراق إقليمية في إطار ائتلاف قوى الثورة والمعارضة أو لصالح قيادة الإقليم العراقي، لتلعب أدوارا وظيفية تتناقض مع مصالح السوريين الكرد القومية والمشروع الديمقراطي السوري، وذلك في ارتباطها بمصالح النخب السياسية الكردية الخاصة، وفي ربط أهداف نشاطها بجهد إقليمي ودولي، تقاطعت مصالح أطرافه، وصبت جهودها في سياق تعزيز مسارات العسكرة والتطييف والميلشة؛ وقد أتخذوا منها خَيارا استراتيجيا لقطع صيرورة تطور حراك السوريين السلمي إلى ثورة ديمقراطية كاملة! فلم يخرج نشاط نخب الأحزاب والتيارات والشخصيات السياسية الكردية عن سياق هذا المسار الذي يتناقض مع مصالح السوريين المشتركة، وقد جسدت بذلك بعض أدوات تقسيم الصف الوطني السوري الديمقراطي، وتفتيت الجبهة الكردية، مما همش دور الجميع، وحولهم في السياق إلى أدوات عديمة الوزن والفاعلية في التأثير على صيرورات الصراع، وتنافست عشرات التفريخات النخبوية على امتيازات شخصية، تحت يافطات تمثيل حقوق الكرد القومية!

في خلاصة القول،

في سياق سياسي سوري لغياب سلطة ديمقراطية في المركز، وتوافقات وطنية تشكل مظلة حماية وتقلص فرص لتدخلات من السلطة السورية لتفشيل المشروع، وخارجية إقليمية، وفي ظل تشرذم طبيعة قيادات التيارات السياسية الكردية وافتقادها لقرار موحد (تفتقد بعض الشخصيات المسؤولة في الاحزاب الى الشعور بالمسؤولية تجاه المهام الموكلة اليها، والى روح المبادرة والابداع، وتتمسك بآرائها ومواقفها، وليس لديها استعداد للتخلي عنها او تغييرها اذا بدت لها ان الاكثرية غير مقتنعة، وتدير الحزب بشكل شخصي عبر الاوامر والقرارات دون اي نقاش او تبرير، ليكون الجميع اعضاء ملحقين ب القائد موالين له أو مهمشين ومبعدين – أكرم حسين)، قد تشكل بعض محطات تأسيس الكيان احتمالات كبيرة بإمكانية دخول الأكراد أنفسهم في حروب بينية مدمرة، على غرار ما حصل في شمال العراق في مراحل تاريخية مختلفة – في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وبين 1994-1998، يُفاقم مخاطره أجندات المرجعيات الإقليمية.


[1]– في مواجهة تحديات ربيع 2011 الديمقراطية، من الموضوعي ملاحظة انخراط جميع تيارات واحزاب وشخصيات القومية السياسية الكردية المتنافسة على المكاسب الخاصة (كما هو حال جميع نخب المعارضات السورية)، في العمل لصالح أجندات تتناقض مع مسارات صيرورة الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي.

اليوم يتمترسون في تجمعات متنافسة، تتنازع الشرعية على كيان سياسي كردي قومي غير موجود، يبرز منها رابطة المستقلين الكرد التي تأسست في أورفا التركية 2016، من أتباع أحزاب المجلس الوطني الكردي (التابعين سياسياً للمرجعية البارزانية في أربيل) ومستقلين داخل ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، (المرتبط بأجندات تركيا وقطر)، وتعمل ميدانيا في مناطق السيطرة التركية، في مواجهة أذرع سلطة قسد المدنية والميليشاوية، التي تعمل تحت مظلة الاحتلال الأمريكي، وبالتنسيق والتكامل مع أنظمة سوريا وإيران.

[2]– ثمة رأيان مهمان حول هذه المسألة. الأول ما نُقل عن الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني التركي قوله:

بالنسبة لسوريا، فإن غالبية الشعب الكردي نزحت من كردستان الشمالية. بعضهم يروج لمقولة كوردستان سوريا، إلا أننا لا نعتقد أن هناك معضلة حقيقية في هذا الموضوع. إن هذا الطرح ليس موضوعيا، وهو ليس مفهوم دقيق. والتسمية الأصح هي أن نقول عنهم الأكراد السوريين. فهؤلاء فروا من ظلم واستبداد العثمانيين، والجمهوريات التركية نتيجة مشاركتهم في الانتفاضات التي اندلعت في كوردستان، وبعد سحق الثورات فيها.

عبد الله أوجلان في كتاب سبعة أيام مع أبو- ص 167.

الرأي الثاني، شرحه المناضل السياسي البارز، الصديق عصام دمشقي في الجزء الثاني من حواره مع صحيفة كوردستان، حيث قدم كشف حساب شامل حول رأيه الشخصي وموقف تياره، تيار مواطنة في اهم قضايا الحركة السياسية الكردية:

2- …فيما يخص الوضع السوري تحديداً لابد من الحديث عن الخصوصية المتعلقة بالوضع الكردي والتي يمكن التعبير عنها بثلاثة نقاط رئيسة أذكرها كما وردت في الوثيقة المذكورة أعلاه:

– إن الجزء السوري من كوردستان الكبرى هو جزء طرفي بامتياز، وهو لهذا السبب غير مقرر وتابع في نهاية المطاف للأجزاء الأخرى المقررة وبخاصة في تركيا والعراق، حيث يتقرر هناك مصير الشعب الكردي بشكل عام وهذا أمر يجب الإقرار به والبناء عليه.

– إن الجزء السوري من كوردستان، أو ما يسميه أهله /روج آفا/ هو جزء مبعثر جغرافيا وسكانيا باستثناء منطقة عفرين المتصلة جغرافيا وسكانيا بحق وليس عبثا أقرت القوة المهيمنة بثلاثة كانتونات، ولما كان الأمر كذلك فإن أي شكل من أشكال الكيان الكردي، يجب أن ينطلق من هذه الحقيقة الجلية، وبما لا يتعارض أبدا مع حقوق السكان الآخرين في هذه المناطق، وبما لا يشكل قفزة في الفراغ وبكلمة مأثورة أن يعرف حدوده فيقف عندها.

3-ثمة رفض عنيد وأحمق من قبل الشعوب الثلاثة الأخرى الفرس- الترك- والعرب بدرجات مختلفة إلى حد كبير للاعتراف بحق الكرد القومي (إن الرفض المذكور هو من الخطورة بمكان بحيث يفرض على الكرد – بانتظار نضج الشعوب وتغير الظروف – المزيد من العقلانية والبراغماتية والقبول بأنصاف الحلول المرحلية..

4- الفيدرالية القائمة اليوم التي هي في ظاهرها فيدرالية جغرافية وفي جوهرها قومية حيث السيطرة الحاسمة فيها للكرد وقواهم العسكرية والسياسية ولهذا، ولأسباب أخرى جغرافية وبشرية وسياسية فإن الفيدرالية المذكورة هي في حاضرها ومستقبلها فيدرالية ملفقة أشد التلفيق وغطاء لمشروع الـ PYD لا يغطي شيئا في الحقيقة، وهي قائمة على لصق المتناقضات والتباينات والاختلافات، وبعيدة كل البعد عن الأصالة الضرورية قومياً أو جغرافياً وقابلة للانفجار في كل لحظة طبقا لمآلات الصراع الراهن في سورية وللمآل الذي ستؤول إليه العلاقة بين الـ PYD والسلطة السورية اليوم المبنية حتى إشعار آخر على الحاجة المتبادلة وضغط العدو المشترك والاستثمار التكتيكي الاجرائي وهو في كل الأحوال شكل من أشكال تحالف المكرهين، وتوزيع الأدوار وتقاسم السلطة بانتظار الظرف المناسب لأحدهما أو كليهما للانقضاض على الآخر.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني