حلول ترمب السحرية للأزمات الدولية: واقع أم وهم انتخابي؟
منذ بداية حملته الانتخابية الرئاسية، يقدم دونالد ترامب وعوداً قوية حول إرساء السلام على الساحة الدولية فور توليه منصب الرئاسة. من بين تلك الوعود: إنهاء الحرب الأوكرانية في يوم واحد، وتحقيق السلام في الشرق الأوسط. لكن في ظل تعقيد الأزمات الحالية، يطرح تساؤل جوهري حول مدى واقعية هذه الوعود وما إذا كان يمكن تحقيقها بسهولة.
في أوكرانيا، الصراع ليس نزاعاً محلياً بل ميداناً لتصفية حسابات القوى العالمية. روسيا ترى في السيطرة على أوكرانيا جزءاً من مشروعها الإمبراطوري لإعادة تشكيل توازن القوى العالمي، والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تعتبر انتصار روسيا تهديداً مباشراً لأمنها القومي وللنظام الدولي. تتعارض هذه الرؤى مع سياسة ترامب “إعادة أمريكا العظيمة”، والتي تركز على تعزيز مكانة أمريكا كقوة منفردة في العالم. وعلى الرغم من تصريحاته حول قدرته على إنهاء الحرب بصفقة، يبقى التساؤل: هل هو مستعد للتنازل أمام طموحات روسيا؟ أم سيضطر في النهاية إلى اتخاذ خطوات أقوى، قد تؤدي إلى تصعيد عسكري أكبر بدلاً من إحلال السلام.
أما في الشرق الأوسط، فالوضع أكثر تعقيداً. بالنسبة للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، وبعد أكثر من سنة من المواجهات، إسرائيل ملتزمة بتحقيق انتصار نهائي في غزة بإضعاف حركة حماس. إنهاء الحرب لا يعني فقط التوصل إلى وقف لإطلاق النار؛ بل يتطلب من وجهة النظر الإسرائيلية إزالة حماس كقوة مؤثرة سياسياً وعسكرياً. يبدو من السذاجة افتراض أن مجرد تولي ترامب للرئاسة سيؤدي إلى تحقيق هذه الأهداف، خاصة في ظل دعم دولي وإقليمي لحماس ورغبة قوية لدى المجتمع الفلسطيني في المقاومة. بالإضافة إلى ذلك، ترامب لم يقدم حتى الآن أي خطة واضحة لمعالجة جذور الصراع بشكل عادل.
فيما يتعلق بلبنان، فإن الصراع يتداخل مع مصالح إيران وإسرائيل، إذ يعتبر حزب الله أحد أذرع النفوذ الإيراني، ويسيطر على جزء كبير من لبنان عسكرياً وسياسياً. يمثل حزب الله تهديداً طويل الأمد لإسرائيل، التي أصبحت ترى في إنهائه هدفاً استراتيجياً لمنع إيران من بسط هيمنتها على المنطقة. تصاعد هذا الصراع بشكل واضح بعد أكتوبر 2023، حين أطلق حزب الله عمليات أوسع تحت شعار “وحدة الساحات”. وعلى الرغم من أن ترامب قد يضغط لتحقيق “الاستقرار”، فإن النفوذ الإيراني يعقد المشهد، ويجعل من الصعب تحقيق أي تسوية دون صراع.
إيران نفسها تمثل تحدياً آخر، حيث تطمح إلى تعزيز قدراتها النووية، وهو ما تراه إسرائيل والدول الغربية تهديداً خطيراً. يعد تحجيم قدرات إيران النووية هدفاً أساسياً للسياسات الأمريكية، لكن الحلول الدبلوماسية لم تُؤتِ ثمارها بعد. ترامب قد يحاول فرض عقوبات جديدة أو تعزيز العلاقات مع حلفاء المنطقة مثل إسرائيل، لكن تبقى المخاطر كبيرة إذا لم يتم التعامل مع الملف بحذر.
ختاماً، يبدو من الواضح أن التعهدات الكبيرة بإنهاء الصراعات وتحقيق السلام العالمي قد تكون مبالغاً فيها، خاصة عندما يواجه الرئيس عقبات جيوسياسية معقدة تتطلب تنازلات وتفاهمات قد تكون بعيدة المنال. ترامب قد يلجأ إلى استخدام “العصا السحرية” المتمثلة في القوة العسكرية والدبلوماسية، إلا أن التجربة تشير إلى أن السلام المستدام يحتاج إلى أكثر من مجرد وعود انتخابية. إن الحديث عن “السلام السريع” قد يكون ساذجاً في ظل تعقيدات المشهد العالمي الحالي، حيث تحتاج الولايات المتحدة إلى استراتيجية مدروسة تتجاوز الدعاية الانتخابية وتعالج الأسباب الحقيقية للصراعات.