fbpx

حرب الأيديولوجيا والتكنولوجيا بين إيران وإسرائيل وخطرها على سوريا والإقليم

0 4٬086

لم تكن تتمنّى إيران وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض بفوز شعبي كاسح أعطاه المزيد من القوة، وسيطرة الجمهوريين على مجلسَي الكونغرس أيضًا، وهي التي اعتادت على الليونة أو التخادم مع عهود الرئيس أوباما الثلاثة (فترتي أوباما وفترة الرئيس السابق بايدن).

ومهما قيل عن قوة وتأثير أجهزة الدولة العميقة، إلا أنّ القرار السياسي هو الذي سيكون المرجّح لأيّ خيار تصنعه تلك المؤسسات.

ولم يُخفِ الرئيس ترامب سياسته تجاه إيران منذ حملته الانتخابية، وهو الرئيس الذي كان قد خرج من اتفاق أوباما مع إيران في أيار 2018.

وقبل وصول الرئيس إلى البيت الأبيض، كان الوضع الاستراتيجي لإيران مهتزًّا وتعرّض لضربات قاصمة.

وكان التوجيه الاستراتيجي لآية الله الخامنئي لقادة دولته أنّه يجب أن تكون الحرب العراقية الإيرانية (1980–1988) هي آخر الحروب التي تخوضها إيران بنفسها، بمعنى على أرضها وبجنودها، وذهب الحرس الثوري الإيراني إلى اختراع نظرية الدفاع المتقدّم أو المصدّات والحواجز التي تدافع عن إيران بعيدًا عن أراضيها، بحيث تمكّن من بناء ميليشيا موالية، أغلبها من البيئة الشيعية، ليست بالضرورة أن تحكم الدولة التي تتواجد فيها، ولكنّها تسيطر على القرار السياسي والعسكري والأمني فيها عبر إنشاء دولة ظلّ موازية.

تسعى إيران لامتلاك سلاح نووي منذ بداية هذا القرن، وامتلاك هذا النوع من السلاح هو لحماية النظام الإيراني الديني الثيوقراطي من السقوط، فهو لحمايته أساسًا وليس لحماية إيران، تلك الدولة الشاسعة التي لا يُفكّر أحد في غزوها إن كانت دولة طبيعية.

ولكي يكون تصدير النموذج الإيراني الديني المذهبي ممكنًا، فإلى جانب ما يكتنزه هذا المشروع من أيديولوجيا عابرة للحدود، فإنّه يحمل في جوهره مشروعًا توسعيًّا إمبراطوريًّا فارسيًّا يُخفيه تحت عمائم آيات الله ليكون مقبولًا من غير الفرس، وبالطبع كانت شعارات محاربة الاستكبار العالمي، ونصرة المظلومين في العالم، وتحرير فلسطين وبيت المقدس، كلها شعارات وخطابًا سياسيًّا لدولة ولاية الفقيه لتنفيذ أجنداتها الحقيقية في المنطقة.

ولأنّ الغرب المتمثّل في خنجره في المنطقة، وهو إسرائيل، سيكون حجر العثرة في تلك السيطرة، مع بعض القواعد الأمريكية المتواجدة… فإنّه من المطلوب مرحليًّا التخادم معهم ضدّ عدوّ مشترك، وتقاسم النفوذ مرحليًّا إلى حين الانقضاض عليهم.

لذلك كان امتلاك السلاح النووي ضروريًّا لحماية مشروع إمبراطورية كبرى في قلب العالم…

سعى الحرس الثوري بقيادة قاسم سليماني إلى بناء “الجيوش الستة” التي يدافع فيها عن النظام في إيران، وذلك في العراق وسوريا الأسد ولبنان وفلسطين واليمن، وإحاطة إسرائيل بحلقة أو حزام من النار عبر الوكلاء لتحقيق الردع، وبعد قتل الرئيس ترامب لقاسم سليماني، سقطت التقيّة الإيرانية، وبات الكلام واضحًا عن إخراج القوات الأمريكية من المنطقة.

كانت الحرب الرمادية تدور بين إيران وإسرائيل بإيقاع مضبوط من الأمريكان والروس، وكانت أحيانًا تلك الحرب تدور في طهران ذاتها.

قدّم الرئيس أوباما خدمة العمر لنظام ولي الفقيه، وذلك بالسماح له بتنفيذ أجنداته، وذلك للوصول معها إلى اتفاق 2015 الشهير، والذي يمنع إيران من تخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية، وبالمقابل سمح لها بنمو الذراع الصاروخي البالستي والمدعوم بتقنيات الطيران المسيّر غير المأهول، إضافةً لغضّ الطرف عن تمدد الأذرع الإيرانية في الإقليم وسيطرتها عليه، وكان يراهن على الانضباط الشيعي والدهاء الفارسي الذي يُقدّر المخاطر ولا يُعرّض نفسه للجحيم الغربي.

بالغ الحرس الثوري في تقدير قوته أو بالغ في تقدير عدم أهمية إسرائيل للغرب، وفتح معركة في غزة ولبنان واليمن، فشلت جميعها في أغراضها، بل ثبت عمليًّا أنّ من يريد تهديد حيفا وتل أبيب، فإنّه يُهدّد واشنطن ونيويورك ولندن وباريس وبرلين.

خسرت إيران أهم أذرعها الأخطبوطية، وكانت خسارتها الاستراتيجية الأكبر بسقوط نظام الأسد وانفراط عقد محورها الاستراتيجي، وبات الدفاع عن طهران سيكون من إيران وليس من بيروت وغزة ودمشق وصنعاء.

ضاعت المليارات والجهود والأوهام، وفقد نظام ولاية الفقيه – بعد ثبوت بطلان خياراته في تصدير الثورة والنموذج – الشرعية والمشروعية التي يقف عليها نظام الحكم، والذي ضحّى بكل ثروات بلاده في الجري وراء سراب الأيديولوجيا التي يختلط فيها الدين بالمذهب بالتاريخ والقومية، والتي تخلّت عنها كل الدول التي تسير إلى المستقبل عبر باب التنمية والبناء.

دخلت إيران المفاوضات مع ترامب وهي ضعيفة ومنهكة وبدون مخالب وأسنان للدفاع عن نفسها، وهو ما أضعف موقفها التفاوضي.

ولأنّ إيران الدولة المارقة لن تتخلى طوعًا عن برنامجها النووي، وتريد استخدام المراوغة والدهاء الفارسي والتقيّة المذهبية في الدخول في مفاوضات هدفها التفاوض فقط دون الوصول لأيّ نتيجة، على أمل تغيّر الظروف إلى صالحها وظهور “بجعة سوداء” تفيدها.

منح ترامب (والمعروف عنه عدم تحمّله للمفاوضات الطويلة واللفّ والدوران) مدة شهرين تنتهي في 12 حزيران كحدّ أقصى للوصول إلى رضوخ إيراني كامل للشروط الأمريكية، والتي لا تتعلّق بنسب تخصيب اليورانيوم، إنّما بتدمير المشروع النووي كلّه، وتفكيكه، وتسليم كميات اليورانيوم المخصبة الموجودة في إيران والتي تُقدّرها بعض المصادر بنصف طن، ونزع أجهزة الطرد المركزي، وكل مفردات المشروع النووي…

وخلال مهلة الشهرين، وحصول 5 جولات تفاوضية، لم يحدث أيّ تقدّم، وكان قرار المعركة متخذًا، ولم يبقَ إلاّ تحديد ساعة الصفر والبدء في المعركة، وهو ما حصل فجر 13 حزيران 2025، والذي سيبقى تاريخًا مُخلّدًا لبدء عملية انهيار “الهلال الشيعي” عمليًّا، حيث لم يبقَ من أسس شرعيته وأسباب وجوده شيء يُبرّره.

استطاعت القيادة السورية، بحكمة الرئيس الشرع، من تحييد سوريا أرضًا وشعبًا عن ساحة الصراع، بعد أن سحب سوريا من المحور الإيراني باتجاه دول الخليج العربي وتركيا، وتقديم لغة خطاب عصرية وأفعالًا على الأرض نالت رضى الجميع، والذين منحوا سوريا الفرصة لتنهض سياسيًّا واقتصاديًّا وتتعافى اجتماعيًّا، لتكون دولة طبيعية في الإقليم، بحيث لم تعد سوريا “مَكسر عصا” في المنطقة أو صندوق بريد…

بالطبع، ستكون نتائج الحرب الحالية أفول دور إيران الإقليمي، وسيؤثّر ذلك على منع أو امتناع إيران من العبث بالاستقرار في سوريا والانتقام لخسارتها فيها، حيث كانت إيران هي المُعوّل عليها من تنظيمات دون الدولة المعادية لسوريا عبر دعم من الشرق عبر ميليشيات الحشد الشيعي، أو دعم من الغرب عبر ميليشيات حزب الله لفلول نظام الأسد في بعض البؤر في الساحل السوري، وبذلك سينقطع الدعم المالي واللوجستي والسياسي لبعض من ميليشيات قسد الرافضة للانخراط في مشروع الدولة السورية، كما سيغيب الدعم عن بعض المتمردين في الجنوب والغرب.

بالتأكيد، خروج إسرائيل منتصرة وقوة طاغية تفرض إرادتها على الإقليم سيكون أمرًا محزنًا وخطيرًا، وللحدّ منه لا بد من خطط تكاملية في الإقليم لمنع أيّ هيمنة إسرائيلية عليه…

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني