ثلاثة أسباب رئيسية وراء الانهيار السريع لنظام الأسد
1- بالطبع لم يسقط نظام الأسد خلال أحد عشر يوماً فقط وهو الذي جثم على صدور السوريين لأربع وخمسون عاماً خَلَت، بل إنّ هذا الانهيار ثمرة نضالات مريرة وقاسية خاضها الشعب السوري وخاصةً في الثلاثة عشرة عاماً الماضية منذ 15 آذار 2011.
كان الصمود أثناء سِنيّ الثورة أسطورياً لم تتسلل الهزيمة لنفوس الثوار وحاضنتهم الشعبية ولم يعرف اليأس والإحباط إلى عزائمهم سبيلاً، كان مطلب إسقاط النظام بكل رموزه وأشكاله ومرتكزاته مطلباً رئيسياً لم يتمّ التساوم عليه أو تأخير أهميته إيثاراً للواقعية السياسية في ظل دعم غير مسبوق للنظام وانفضاض أغلب داعمي المعارضة عنها.
إضافةً للتمسك بثوابت الثورة وعدم التضحية بدماء الشهداء والحَيد عن طريقهم، كانت الثورة تمتلك أرضاً في داخل سوريا مُحررة من سلطة الأسد وعلى صغر مساحتها إلا أنها كانت من أهمّ عوامل النصر الأخير، وكانت تمتلك بنى عسكرية معقولة لحماية حواضنها والانطلاق للتحرير عندما تحين الفرصة، وكانت دولة جارة كبرى هي داعم وحامي للسكان وأبنائهم من العسكريين ولتجربة حياة شبه طبيعية لمن آثر النزوح على أن يبقَ تحت حكم نظام الأسد حيث كانت هناك مدارس وجامعات ومراكز طبية وأمن يسهر على حماية السلم الاجتماعي وبعض مقومات الحياة الأخرى، وكان العسكريون من الثوار في الشمال السوري حريصون على الاستمرار في التدريب والجاهزية وتطوير قدراتهم انتظاراً ليوم ما وقد أتى هذا اليوم فجر السابع والعشرين من تشرين الثاني 2024..
2- ومن عوامل النصر المؤزر الذي حدث أيضاً هو هشاشة الخصوم، حيث لم يلتفت نظام الأسد إلى الاهتمام بقواه الذاتية وتعويض الفاقد البشري والمعنوي خلال السنين الماضية من حربه على الشعب السوري، فكان جيشه في أردأ حالاته المعنوية رغم امتلاكه تفوقاً بشرياً وتسليحياً على الثوار الذين هاجموه. فلا المجند حارب ولا المتطوع الذي ينتمي لحاضنته الصلبة كذلك، ولا ضباطه المترفين الذين نخرهم الفساد والغرور كانوا بحالة تسمح لهم بالحرب ولو دفاعاً عن النفس، كان انشغالهم بتصنيع وتهريب المخدرات والتعفيش والسطو والتشليح لما تبقى من مدنيين على الحواجز وفي الأفرع الأمنية والمسالخ البشرية هو همهم الأول والأخير..
حتى إنه وفي الفترة الأخيرة واعتقاد الأسد أنه لم يَعُد بحاجة لعمل عسكري لاستعادة الشمال الغربي وإنه بإمكانه فعل ذلك سياسياً، وزاد يقينه في ذلك بعد تعويمه عربياً عبر إعادته إلى الجامعة العربية وافتتاح بعض السفارات العربية والغربية في دمشق، وبعد عدم إدراكه لمضامين وجوهر التصريحات التركية للتطبيع معه، هذان العاملان دفعاه لتسريح كثير من جنود ميليشياته تكريساً لسردية انتصاره عسكرياً وانتهاء الحرب، وأخذ بدل نقدي بالعملة الصعبة لمن يقدر مالياً ولا يرغب الالتحاق بميليشياته، كما أنّ هجرة الكثير من الشباب السوري في مناطق سيطرته أفقده خزاناً بشرياً مهماً للتجنيد وفضل الركون للدعم الخارجي من الميليشيات الإيرانية والحماية الجوية الروسية.
3- كان اعتقاد الأسد الراسخ أنه (وبعد كل ما ارتكبه من جرائم في سوريا) هو ضرورة دولية وإقليمية في المنطقة وهو في أسوأ الأحوال أفضل الخيارات السيئة وبديله الفوضى حيث كان يعتقد أنّ لا بديل جاهز للحلول مكانه.
ومن اعتقاده هذا كان معروفاً عنه العناد وعدم الالتزام بأيّ وعد يقطعه، وقد رفض كل المبادرات التي تمّ تقديمها له، وكان الأسد يوقن أنّ نظامه ضرورة أمنية لإسرائيل لا يمكن لها التفريط به، ولم يُدرك أبعاد أحداث السابع من أكتوبر وحرب غزة ثم الحرب على حزب الله في لبنان وما أحدثته تلك الحروب من تغيير في الإستراتيجيات الدولية والإقليمية.
لم يدرك الأسد أنه الأضعف في الهلال الإيراني وأنّ إستراتيجية تحطيم أذرع إيران ودفع الأخيرة إلى داخل حدودها لن يحصل إلا بقطع المحور الإيراني من واسطة عقده وهو سوريا.
دولياً وغربياً ولو من باب ذَرّ الرماد في العيون لم يقدم على أيّ خطوة للتفاوض على الدخول في العملية السياسية مع خصومه ولم يكتفِ بإغراق الجوار والعالم باللاجئين وعدم استعداده لحل تلك المشكلة، بل كان يخلق مشاكل أخرى لإجبار الجميع على التفاوض معه لحلها كإمعانه في إغراق الإقليم والعالم بالكبتاغون والإرهاب الجهادي الشيعي العابر للحدود..
لم يدرك الأسد طبيعة الصراع الساخن بين الغرب وموسكو ولم يدرك الوضع الجديد بين الغرب وإيران، وبالتالي دفع ثمن جرائمه وغبائه في تَوفّر لحظة توافق دولي وإقليمي ووجود فواعل محلية عسكرية التقت مصالحها في التخلص من الأسد وتم إنهاء إمبراطورية آل الأسد في أحد عشر يوماً..
ترك أنصاره وحاضنته وميليشياته وهرب في جنح الليل ليس إلى موسكو بل إلى مزابل التاريخ..