تدمير الأسلحة الكيميائية في سوريا: استحقاق وطني وإنساني أمام الحكومة الجديدة
لم تكن الأسلحة الكيميائية في سوريا مجرد أدوات قتل، بل رمزاً لمعاناة إنسانية وأهوال عاشها المدنيون على مدار سنوات الحرب. مع سقوط نظام بشار الأسد الذي استخدم هذه الأسلحة المحرّمة دولياً، تتصاعد المطالبات بطيّ هذه الصفحة السوداء نهائياً. في تقريرها الأخير، دعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الحكومة السورية الجديدة إلى التعاون الكامل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية للكشف عن مواقع الأسلحة الكيميائية وتدميرها بشكل فوري ونهائي.
إن هذه المطالبة ليست مجرد خطوة قانونية، بل هي اختبار حقيقي لجدية الحكومة في إرساء قواعد العدالة، ولبناء مستقبل آمن خالٍ من أسلحة الدمار التي أزهقت أرواح آلاف السوريين.
تاريخ مؤلم لهجمات الأسلحة الكيميائية في سوريا:
منذ أول استخدام موثق للأسلحة الكيميائية عام 2012 وحتى عام 2024، وثّقت التقارير الدولية، وعلى رأسها تقارير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 222 هجوماً كيميائياً تسبّب بمقتل 1,514 شخصاً، بينهم نساء وأطفال، وإصابة أكثر من 12,000 مدني.
كان أبرز هذه الهجمات هجوم الغوطة عام 2013، الذي شكّل صدمة للعالم، حيث استُهدفت مناطق مدنية بغازات سامة أدت إلى سقوط مئات الضحايا اختناقاً في مشهد مأساوي لن يُمحى من الذاكرة السورية.
إن هذه الجرائم ليست فقط خرقاً للأخلاق الإنسانية، بل انتهاك صارخ للقوانين الدولية، حيث أصرّ النظام السابق على استخدام هذه الأسلحة رغم توقيعه على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية (CWC) عام 2013، لتبقى هذه الأفعال شاهداً دامغاً على الجرائم المرتكبة بحق السوريين.
واجب الحكومة الجديدة لإنهاء إرث الأسلحة الكيميائية:
تواجه الحكومة السورية الجديدة مسؤولية أخلاقية وقانونية تتطلب منها اتخاذ خطوات عملية وسريعة لتدمير المخزون المتبقي من الأسلحة الكيميائية.
إن التخلص من هذه الأسلحة يُعتبر مؤشراً على احترام الحكومة الجديدة لالتزاماتها الدولية وتوجّهها نحو بناء دولة تحترم حياة الإنسان وتنبذ أدوات القتل الجماعي.
تؤكد الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية هو خطوة لا تحتمل التأجيل، ويشمل ذلك:
1. السماح بدخول فرق التفتيش إلى جميع المواقع المشتبه بها.
2. تقديم معلومات دقيقة وشفافة حول المخزونات والمصانع المستخدمة سابقاً.
3. الشروع فوراً بتدمير الأسلحة الكيميائية لضمان عدم استخدامها مجدداً.
التزامات دولية يجب تنفيذها دون تأخير:
إن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا يُعدّ خرقاً واضحاً للعديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية، أبرزها:
اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية (CWC): التي تُلزم الدول الأعضاء، بما فيها سوريا، بحظر إنتاج وتخزين واستخدام هذه الأسلحة.
القانون الدولي الإنساني: الذي يعتبر استهداف المدنيين بالأسلحة الكيميائية جريمة حرب لا تسقط بالتقادم.
قرارات مجلس الأمن الدولي: ومنها القرار 2118 (2013)، الذي يلزم الحكومة السورية بتدمير مخزوناتها الكيميائية.
إن الوفاء بهذه الالتزامات سيسهم في ترسيخ شرعية الحكومة الجديدة محلياً ودولياً، ويمثّل خطوة أساسية نحو تحقيق العدالة وتعويض المتضررين.
توصيات عملية لتحقيق التغيير والعدالة:
قدّمت الشبكة السورية لحقوق الإنسان توصيات موجّهة للأطراف الفاعلة لضمان التخلص الكامل من الأسلحة الكيميائية:
1. إلى الحكومة السورية الجديدة:
التعاون الفوري وغير المشروط مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
الكشف عن كافة المواقع والمعلومات المتعلقة بالمخزونات السابقة.
نشر تقارير دورية تُطلع الشعب السوري والمجتمع الدولي على مراحل التخلص من هذه الأسلحة.
2. إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية:
تكثيف الجهود للوصول إلى المواقع المشتبه بها في سوريا.
ضمان الشفافية الكاملة في عمليات التحقق والتفتيش.
3. إلى المجتمع الدولي:
ممارسة الضغوط الدبلوماسية لضمان تنفيذ التزامات سوريا الدولية.
تقديم الدعم اللازم لتحقيق العدالة للضحايا وتعويض المتضررين من الهجمات الكيميائية.
إن إنهاء ملف الأسلحة الكيميائية في سوريا هو مطلب إنساني ووطني لا يحتمل التأجيل، وهو خطوة ضرورية لإرساء العدالة وبناء مستقبل آمن للسوريين. الحكومة السورية الجديدة أمام فرصة تاريخية لاستعادة ثقة شعبها والمجتمع الدولي من خلال اتخاذ قرارات جريئة وشفافة تُظهر الالتزام بالتخلص من هذا السلاح المحرّم.
لقد دفع السوريون ثمناً باهظاً لهذه الجرائم، وآن الأوان لإغلاق هذه الصفحة السوداء، لتبقى دروسها شاهدة على ضرورة تحقيق العدالة وعدم الإفلات من العقاب.
التخلص من الأسلحة الكيميائية ليس مجرد التزام قانوني، بل هو واجب أخلاقي تجاه الضحايا، وحق مستحق لأجيال سوريا القادمة.