fbpx

تداعيات فوز ترامب على سوريا

0 5٬196

في عهد ترامب الأول خرجت الولايات المتحدة من حقبة ضربات أيلول 2001 وتركيز جهدها الهائل على محاربة (الإرهاب السني) وأدركت خطورة المرحلة السابقة حيث برزت أنياب للإرهاب الشيعي بقيادة قاسم سليماني وأصبح الهلال الشيعي واقعاً قائماً على الأرض، وهو بشكل أو بآخر رأس الرمح لمحور شرقي غير معلن يَضمّ قوتان عالميتان منافستان حقيقيتان للزعامة الأمريكية للعالم..

بوادر الخروج الأمريكي من تلك الحقبة (الحرب على الإرهاب) كانت لا تُخطِئها الأعين، فبعد مفاوضات لعامين في الدوحة من قبل إدارة ترامب مع حركة طالبان تَمّ التوصل لاتفاق حول الانسحاب الأمريكي من أفغانستان نَفّذه الرئيس بايدن في شهر آب 2021..

وبعد معركة الباغوز 2019 تم الإعلان عن هزيمة داعش..

بدأت ملامح استدارة أمريكية واضحة لتحجيم النفوذ الإيراني الذي تَمدّد بشكل سرطاني في المنطقة، ففي أيار 2018 وقّع الرئيس ترامب على خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران وفرض عليها العقوبات القصوى، وفي إطار خطة الخنق المالي للعواصم العربية التي تُسيطر عليها إيران (دمشق، بيروت، بغداد) تم وضع قانون قيصر في سوريا على نظام الأسد، الأمر الذي أفقد نظام الأسد من أيّ مكاسب اقتصادية وسياسية بسبب تَقدّمه العسكري على الأرض وإعادة سيطرته على مناطق واسعة من سوريا بما فيها حرمانه من مصادر الثروة الموجودة شرق الفرات.

وأدّت سياسة الخنق المالي على لبنان لانهيارات مالية واقتصادية هائلة نتج عنها عملياً تجفيف كثير من المنابع المالية التي تصل لحزب الله.

في الثالث من كانون ثاني 2020 قَتَلَ ترامب قاسم سليماني في بغداد وهو رمز الهلال الشيعي في المنطقة، ورأى كثير من المراقبين أنّ هذه الخطوة دليل واضح ولا يقبل التأويل عن إستراتيجية أمريكية موضوعة لتفكيك الهلال الشيعي.

بالمقابل كان يوجد تيارات قوية داخل منظومة الولي الفقيه تريد الصدام مع أمريكا وعدم الوصول معها لتفاهمات، بل وتُجاهر بإخراجها من المنطقة، وهو ما حدث عملياً في السنوات الثلاثة الأولى من حكم بايدن حيث تمّ إجهاض كل الفرص التي قدمها بايدن لإعادة إيران للاتفاق النووي، بل وذهبت إيران بعيداً في دعمها لموسكو في حربها ضد الناتو ووصل للدعم العسكري المعلن.

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت الولايات المتحدة باستثمار الحدث لترتيب وضع الشرق الأوسط والتسريع من خططها التي بدأ ترامب بتنفيذها وهي سلام إبراهيمي عربي – إسرائيلي مع ناتو شرق أوسطي يَضمّ إسرائيل، بوجود خارطة طريق هلامية لحل القضية الفلسطينية.

وأصبح الشرق الأوسط هو حجر الزاوية في المشروع الأمريكي العالمي الذي تمّ الإعلان عنه رسمياً في أيلول 2023 وهو ربط آسيا بأوربا عبر الشرق الأوسط في محور تحالفي سَيُشكّل أساس للنظام العالمي الجديد الذي تقوده أمريكا والذي يُحاصر ما يُعرف بدول الشرق الثلاث الطامحة للتعاون وربما للتحالف ضد هذا النظام.

في 7 أكتوبر أيّ بعد أسبوعين من الإعلان عن خط البهارات الهندي قام نظام الملالي بضربته الاستباقية في غزة لخلط الأوراق وعرقلة التطبيع السعودي الإسرائيلي الضروري لنجاح كل المشاريع في المنطقة.

نظام الأسد جزء أصيل من المحور الإيراني

لم يكن قاسم سليماني واهماً عندما اعتبر نظام الأسد وميليشياته أحد الجيوش الستة التي تُشكّل مخالب الهلال الشيعي بل يراه بعضهم أنه نقطة الارتكاز الرئيسية للمحور كله في المنطقة، فهو يُؤمّن خط الإمداد اللوجستي والعمق الإستراتيجي لحزب الله، ويؤمن جبهة جغرافية مع إسرائيل وحيدة (فيما لو تم خسارة جبهة الجنوب اللبناني بعد خسارة جبهة غزة) ويؤمن جوار جغرافي مع أضعف حلقات المحور العربي السني التي تضعه إيران كأهمّ فريسة مقبلة وهو الأردن الذي يُشكّل مدخلاً أو حائط صد أمام الخليج العربي، ويمر من أراضيه خط البهارات الهندي الرابط بين المملكة العربية السعودية والدولة العبرية، ويشكل الأردن بوابة عبور السلاح للضفة الغربية المحتلة حيث كانت مخططات الحرس الثوري تريدها غزة ثانية ويبدو أنها بعد خسارة غزة تريدها غزة جديدة..

وعلاقة نظام الأسد (الأب والابن) تاريخياً مع نظام الملالي ليست موضوعة على الطاولة للمساومة عليها، فهي علاقة إستراتيجية بل وجودية بالنسبة لنظام الأسد لا يستطيع أحد تعويضها، لا دعم روسي مصلحي قابل للمساومة ولا تُقية عربية يُدرِك الأسد أنّ العرب هم أول من أراد إسقاطه عن عرشه، ولا مُنشّطات مالية أمريكية – أوربية ولا كلام معسول تركي الذي حاول إسقاطه ولم يوفق إلى ذلك..

وأظنّ أنّ الجميع يأس من فك الارتباط بين الأسد وإيران وهو يقين ضمني ولكن قد يتطلب ملف إدارة الأزمة والتعامل مع الأمر الواقع إبقاء الاتصالات معه، وبصيص من الآمال قائماً على مبدأ لا شيء مستحيل أو غير ممكن في عالم السياسة..

ولن يختلف أحد أنّ الحرب الدائرة مع روسيا عبر أوكرانيا هي حرب روسية – أمريكية، وينطبق هذا على الحرب في الشرق الأوسط التي تدور بين إسرائيل وإيران هي معركة أمريكية – إيرانية أيضاً.

ومن سوء حظ نظام الأسد أنه امتداد أو ظِلّ لأعداء واشنطن في المنطقة فهو يمنح الشرعية لتواجد عسكري روسي في سوريا، وروسيا هي عدو أمريكا الأول بلا منازع سواء كانت الإدارة التي تسكن البيت الأبيض جمهورية أم ديمقراطية بمعنى سواء كان بايدن أو كمالا هاريس في السلطة أو الرئيس ترامب.

والهدف الإستراتيجي الأمريكي والغربي الرئيسي إيقاع هزيمة إستراتيجية بروسيا البوتينية مهما كانت التكاليف فهذه الحرب الدائرة على تخوم الناتو الأوربي لابُدّ من رابح وخاسر فيها، فلا يوجد فيها فرصة للتعادل أو لرابحين، وكل ما تحاول تقديمه الدعاية الروسية عن صداقة بين ترامب وبوتين يمكن أن تُنهي الحرب هي أضغاث أحلام، وقرار الحرب والاستمرار بها وتحقيق كامل أهدافها أكبر من رغبات ترامب بِتجنّب الحروب، وبالأساس هو من ورثها وليس من صنعها أو تَسبّب بها، والطبخة التي ستقدمها له الدولة الأمريكية العميقة سيجد ترامب نفسه مضطراً للأكل منها.

ما أريد قوله هو استمرار ترامب بتطبيق وإدارة الإستراتيجية الأمريكية في سوريا والمنطقة وهي طرد التواجد الروسي والايراني منها، فلن يكون مسموحاً تواجد روسي على ضفاف المتوسط، ولا إيراني على المتوسط وأيضاً بجوار إسرائيل يفتح مخاوف من طوفان أقصى جديد.

ترامب وأردوغان

يعلم الجميع أنّ العلاقة بين الرجلين كانت تتسم بالإيجابية بعكس العلاقة مع بايدن وأوباما، وما كان ممنوعاً على الأتراك قبل ترامب وما بعده حصل في عهد ترامب، فقد تمكن الجيش التركي والجيش الوطني السوري من وضع قدم في شرق الفرات وهي المنطقة الممتدة من رأس العين إلى تل أبيض، قبل أن توقف الدولة العميقة الأمريكية ما اعتبرته هفوة ترامب التي استغلها الأتراك وخلال خمسة أيام حرروا المنطقة من عصابات قنديل، واستعانت الدولة الأمريكية العميقة بالروس لإيقاف الاندفاعة التركية.

كما أنّ رأي ترامب معروف بعصابات قنديل في سوريا حيث قال عنهم بعفويته المعهودة أنهم أسوأ من داعش وهم عصابات من المرتزقة وقد دفعنا لهم أجورهم.

أيضاً معروف رأيه ببشار الأسد وملخص رأيه به أنه نَعته بالحيوان، ولم يسير على نهج أوباما في معاقبة الأسد على استعماله للسلاح الكيماوي في خان شيخون وقام بقصف رمزي لمطار الشعيرات في دلالة معنوية أنّ الأسد استخدم سلاحاً كيماوياً ولن يفيده إنكار ذلك.

خدع الرئيس بوتين أمريكا ورئيسها ترامب عندما تعهد بإنجاز حل سياسي سوري بعد تغيير موازين القوى على الأرض وفق القرارات الدولية ويكون برعاية روسية، حيث أوقف الرئيس ترامب دعم غرف الموم والموك وقام بتفكيك الجبهة الجنوبية لتسهيل دخول الروس والنظام لها، وأيضاً لم يلتزم الروس بتعهداتهم أمام الأتراك والأمريكان وأطاحوا باتفاق سوتشي 2018 في الشمال السوري، وبات واضحاً أنّ بوتين خذل ترامب وأردوغان وأنه يربد حسم الحرب عسكرياً لصالحه، فزاد الأمريكان من تموضعهم شرق الفرات عسكرياً وحرموا الروس والنظام من مصادر الثروة شرق النهر وفرضوا قانون قيصر وهو يستهدف حلفاء النظام قبل النظام نفسه، فيما تَشبّث الأتراك بما في أيديهم وتوقفت المعارك الكبرى منذ ذلك الوقت.

لم تكن الظروف الدولية والإقليمية قد نضجت بعد لسحب القوات الأمريكية من سوريا بعد إعلان هزيمة داعش وعدم بقاء مبررات شرعية للتحالف الدولي لمحاربة الارهاب الذي تقوده واشنطن، ولكنّ الآن أظنّ أنّ الظروف اختلفت جذرياً، وباتت واضحة الحرب التي تقودها واشنطن لتشكيل المنطقة جيوبوليتيكياً، بمعنى أنّ الشرق الأوسط الجديد الذي يتكلم عنه البعض هو شرق أوسط خالٍ من النفوذ الإيراني، وتحتاج الولايات المتحدة لجهود الحليف التركي في ملء الفراغ الناجم عن تضاؤل وتلاشي مُحتمل للأذرع الإيرانية، وبما أنّ تنظيم الـ PKK الذي يحتل شرق الفرات تحت اسم قسد هو واجهة محلية للحزب الإرهابي التركي والذي يُعتبر أحد أذرع الحرس الثوري في المنطقة، لا بُدّ من إرضاء الأتراك لينخرطوا بالمعركة من اعطائهم ما يطالبون به وهو حزام أمني على ما تبقى من حدودهم مع ما تسمى قسد، ولا أعتقد أنّ الأمريكان سينسحبون أكثر من ذلك في المدى المتوسط حيث سيبقون على الحدود السورية العراقية وبحوزتهم آبار النفط لحرمان الأسد والإيرانيين والروس منها، ويمكن أن يكون الانسحاب الأمريكي من تلك المناطق مرتبط مع خارطة الطريق الأمريكية التي أعلن عنها مؤخراً لسحب المستشارين الأمريكان من العراق في ايلول 2025 أو 2026 عندها قد تكون تَغيّرت معطيات كثيرة أهمها عدم وجود ميليشيا تتبع للحرس الثوري في سوريا.

ما صرح به روبرت كيندي (صديق الرئيس ترامب والمرشح لشغل منصب مهم في إدارته الجديدة) مؤخراً لإحدى المحطات الأمريكية حيث روى أنه أثناء رحلة انتخابية في الطائرة رسم الرئيس ترامب شكلاً يُوضّح أنّ في سوريا 500 جندي أمريكي موجودين بين مئات آلاف الجنود الأتراك وعشرات آلاف المسلحين الأكراد وهم سيكونون في وسط حرب قادمة قريبة، وقال له أخرجوا جنودنا من هناك ولم يأت على سيرة الحدود العراقية السورية، بل فقط على الحدود السورية التركية وتلك نقطة هامة يجب أخذها بالحسبان.

لذلك لا أرى أنّ عملية عسكرية تركية شرق الفرات ببعيدة، واعتقد أنّ الأمريكان قد يجنحون لدعم مفاوضات بين تركيا وقسد مع غيرها من ممثلي الأكراد السوريين بعد حدث مهم قد يحدث قريبا وهو اعلان عبد الله أوجلان من البرلمان التركي عن حلّ حزبه نهائياً والاتجاه للحل السياسي التفاوضي مع الدولة التركية وذلك سيترك آثاره بالتأكيد على الحالة الكردية في سوريا ويعزل جناح جميل بايك المُتشدّد والمرتبط بالحرس الثوري في جبال قنديل وتصفية مرتكزاته في شمال شرق سوريا.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني