fbpx

الهيئة أداة وليست مشروعاً

1 1٬511

قد يكون تنظيم هيئة تحرير الشام قرأ المعطيات المحلية والإقليمية والدولية بشكل خاطئ (وأظنه كذلك)، وحاول أن يقنع نفسه أنه مشروع وليس أداة، والمشاريع مستمرة والأدوات آنية تؤدي دورها في زمان ومكان محددين.

الجهات التي أنشأته معروفة لنا جميعاً، استعملته كأداة سنيّة متطرفة لتشويه المقاومة العربية في العراق ضد الغزو الأمريكي بحيث قضى على فصائل المقاومة الوطنية العراقية وبقي وحيداً في الواجهة إلى أن تم القضاء عليه، ونالت شرف ذلك الميليشيات الإيرانية والنظام السوري، وتم تثبيت دعائم وأسس التخادم الأمريكي/الإيراني بإنشاء سلطات طائفية وإبعاد فئة تم تصنيفها على أنها إما من فلول نظام البعث، أو من أتباع تنظيم القاعدة الذي تم تجديده أو استيلاد تنظيم داعش من أحشائه.

كما أسبغ تنظيم القاعدة على المقاومة العراقية صفة الإرهاب، كان مطلوباً منه إسباغ تلك الصفة على الثورة السورية، التي على ما يبدو كان نجاحها خطاً أحمر، لأنه إذا تم تغيير المشهد السوري، قد تتغير مشاهد أخرى في المنطقة والتي تشكل قلب العالم ومنابع وخطوط نقل الطاقة والمضائق والممرات البحرية التي تمر منها سلاسل التوريد التجارية العالمية من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب وبالعكس.

تم إخراج قادة القاعدة (وغيرهم) من سجن صيدنايا وتمت رعايتهم عن بعد وفي السر من النظام السوري وفيلق القدس التابع للحرس الثوري ومن دول وجهات أخرى لها مصلحة في تمدده لأسباب تتعلق بمصالحها ليس بسورية فحسب بل بالمنطقة.

كانت الرعاية الإقليمية والدولية مؤثّرة واستطاع بخطاب عاطفي إسلامي استمالة جمهور من السوريين (المعروفين باعتدالهم)، بعد تأمين دعم مالي ولوجستي قوي له وعدم استهدافه بكل العمليات العسكرية من الأرض والجو واستهداف خصومه، ما أدى بالنتيجة إلى تغوّله وابتلاع الفصائل الثورية المحلية التي أنهكت بفعل الحرب والتي تم إيقاف ضخ المساعدات الخارجية عنها.

غيّر التنظيم جلده وأسماءه ظناً منه أن التصنيف يطول الاسم وليس الجوهر والسلوك، وللأمانة التي يعرفها الجميع، لم يقاتل تنظيم النصرة غير السوريين وبالمقابل كان تصنيف السوريين له راسخاً بفعل معايشتهم له وكشف طبيعة أهدافه وليس أنهم صنفوه إرهابياً تماشياً مع التصنيف الدولي.

سيطر التنظيم بعد تخادمه مع الجميع على رقعة ضئيلة مما بقي من أرض سورية خارج سلطة نظام أسد، وهنا تسارعت خطواته لتقديم أوراق اعتماده إقليمياً ودولياً باعتباره مشروعاً وطنياً إسلامياً غير جهادي، ولا يملك أي خطط عابرة للحدود أو أجندات دولية كإمارة طالبانية سورية تمتص كل النفايات الفكرية والجهادية التي ترغب الدول بالتخلص منها ويبقيها في سجن غوانتانامو سوري، مع استمرار تقديم أي خدمات أمنية أو دعم لوجستي لاصطياد من يمكن أن يشكل خطراً على أي دولة، وكان يصبو لتحويل موقعه من قوة أمر واقع تتعامل معها الأمم المتحدة بإبقاء معبر تسيطر عليه كممر رسمي معتمد لديها لإدخال المساعدات الإنسانية، أو غيرها من منظمات المجتمع المدني والجمعيات الإغاثية، حتى أن محور أستانة وجد فيه خير خادم أمين لتطبيق كل مخرجات مؤتمراته بالانسحاب من الأراضي التي يسيطر عليها بعد أن قام بتدمير قوى المقاومة المحلية بمصادرة أسلحتها وقتل أو سجن خيرة أبنائها.

وطبعاً تم تقديم كل خدمات المرافقة والحماية للقوات التركية التي دخلت إلى إدلب.

بدأ أمير التنظيم يقوم بحركات هوليودية أو ساذجة من ناحية استقباله لصحفيين غربيين وإدلائه بتصريحات تخطب ود القوى الغربية والأمريكان خاصة، وقيامه بالتجول في الأسواق وزيارة الرعيّة وتفقد أحوالها، وتقديم خطاب لها بأنه حام للأغلبية المضطهدة وبنفس الوقت رعايته للأقليات الدينية أو المذهبية الموجودة في إدلب.

سبق كل ذلك تثبيت دعائم حكم قسري إرهابي شديد البطش، بأذرع أمنية وقضاء صوري وسجون لا تقل بشاعة عن سجون الأسد، مع تشكيل إدارة مدنية أعطاها صفة حكومة هزيلة تعتاش على سرقة مساعدات إنسانية والسطو على أرزاق الناس واحتكار تجارة وتوزيع المواد الأساسية، والتربح منها كشركة وتد للمحروقات التي استنسخها على شاكلة شركة سادكوب الأسد.

هذا النموذج الذي تعتبره هيئة تحرير الشام وتحاول تصديره على أنه مشروع ناجح، هو نسخة مشوّهة عن مشروع حكم الأسدين في سورية عبر أكثر من نصف قرن، وهو النموذج الذي كان سبباً مباشراً بل ووحيداً للانتفاضات السورية السابقة التي توجت بالثورة السورية الكبرى، التي بدأت عام 2011 ولا زالت مستمرة.

شعور الهيئة بفائض من القوة والتنظيم مع قناعتها بأنها لن تتعرض لأي غزو من قبل قوات النظام، وبالمقابل لا تملك أي نية للتوسع باتجاه الاراضي المحتلة من الميليشيات الأسدية والإيرانية، الأمر الذي جعل بوصلتها تتوجه باتجاه واحد وهو الجهة التي تخضع لنفوذ تركي، لكنها تعاني من فوضى عسكرية وأمنية وإدارية، وسخط شعبي للخلاص من تلك الحالة وغاب عن ذهنها أن الخلاص الشعبي من تلك الحالة لن يكون من تحت الدلف لتحت المزراب..

كان الرفض الشعبي موحداً وصارماً لرفض أي دخول للهيئة إلى الشمال الحلبي لا مباشرة ولا مداورة عبر أذرع منفلته من فصائل الجيش الوطني.

وكان واضحاً أن رغبة الحاضنة الشعبية هو تصحيح المسار ورفض كل الممارسات من الفصائل والمحسوبين عليها أو المتاجرين بشعاراتها، بل مشروع الثورة الذي انطلقت لأجله هو الدولة المدنية، دولة حقوق المواطنة والعدالة والحرية وليس مشروعاً مخابراتياً دينياً مسلحاً إرهابياً.

وكان الرفض الدولي واضحاً لتمدد ذلك التنظيم الإرهابي وامتلاكه المزيد من الأرض والموارد وتسلّطه على المزيد من البشر.

وبعض اللاعبين كان يمني النفس بارتكاب أنقرة لخطأ استراتيجي باعتبارها القوة صاحبة القول الفصل، بأن تسمح بذلك التمدد لمقايضته بتنظيم إرهابي آخر يهدد أمنها القومي ولكن حصافة السياسة وخبرة القادة الأتراك لا تتيح اللعب على هذا الوتر، فكان الموقف التركي حاسماً وبرفع الهراوة بوجه الهيئة لسحب كل وجود لها خارج مناطقها السابقة ورفض تسويق مشاركة الهيئة بإدارة أي ملف من ملفات الشمال السوري رفضاً قاطعاً.

وقد تكون أنقرة قد استعملت تلك الهراوة الجولانية على مدى صمتها أو غموضها البنّاء لإنجاز أرضية صلبة تسعى للبناء عليها، ترى فيها أن بعض الفصائل المحلية لا تشاطرها نفس الرأي أو تحاول الاستئثار بحصة الأسد وفرض رؤية لا تتوافق أو تتطابق مع ما تخطط له أنقرة.

لا جولاني في الشمال الحلبي الآن وما نتمناه خلع إدلب لهذا السواد الذي يخيم عليها عما قريب.

1 تعليق
  1. Md khaleefa says

    الموضوع أنصف الهيئة في توصيفها ولادة ونشأة ومراحل تطور .

    وأطلق الأمل بأن تخلع إدلب
    – كما الشمال الحلبي – اللون الأسود .

    ويستمر الأمل ….

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني