fbpx

المخلوع غيابيّاً

0 227

تعتبر مشاكل الأحوال الشخصيّة من المشكلات الشائعة التي يعاني منها السوريون كنتيجة رئيسيّة من نتائج التهجير القسري واللجوء إلى الدول الغربيّة، وتتجلّى هذه المشاكل بالزواج وتوثيقه والطلاق وتوثيقه، وغياب أو فقدان الزوج، أو تشتّت وتشرذم الأسرة، ومشاكل حضانة الأطفال.

ولاختلاف القوانين والتشريعات الخاصّة بالأحوال الشخصيّة في دول اللجوء عن القوانين والتشريعات السوريّة، فقد انتشرت ظاهرة المكاتب غير الرسميّة التي تنطّعت لمعالجة هذه المشاكل في بلاد اللجوء يدّعي أصحابها الاختصاص الشرعي والقانوني، وامتلاك الولاية الشرعيّة والقانونيّة في إجراء عقود الزواج والطلاق، وفي إيقاع الخلع والتفريق الحُكم والبتّ في هذه الأحوال دون التقيّد بالشروط الشرعيّة والقانونيّة التي يجب توفّرها لصحة هذه التصرّفات وتحمّل الآثار الشرعيّة والقانونيّة المترتّبة عليها سواء لجهة الحقوق الشخصيّة أو الحقوق الماليّة، وما يترتب على بطلان هذه التصرّفات من مخالفات شرعيّة تعتبر من الكبائر بالإضافة إلى أنّها جرائم يعاقب عليها القانون.

ومن أخطر هذه المشكلات وما يترتب عليها من آثار شرعيّة محرّمة وقانونيّة مُجرّمة ما يقوم به البعض بحل عُرى الزوجيّة بما يُسمّى “خَلع الزوج” غيابيّاً من قبل “دَعيٍّ” شرعيّ أو قانونيّ، لإباحة زواج المرأة من رجلٍ آخر، وبالتالي دخول المرأة في دائرة العلاقات المحرّمة، لأن أية علاقة مع رجل لا يحِلّ لها تعتبر زنى، الأمر اقتضى منّا بيان أحكام الخلع القانون السوري المُستمدّ من أحكام الشريعة الإسلاميّة حتى يكون إخواننا وأخواتنا السوريّات على بيّنة من أمرهم وتفادي وقوعهم في مخالفات شرعيّة وقانونيّة لا تُحمد عُقباها.

قبل الدخول ببيان أحكام الطلاق والخلع لابُدّ بدايّة من بيان أحكام الزواج الصحيح، فلقد بيّن القانون أحكام الزواج ووضع شروط لصحة الزواج، كما بيّن أسباب بطلان الزواج وأسباب فساده وبيّن الآثار المترتّبة على كل منها:

تعريف الزواج شرعاً

هو عقد يتضمن إباحة الاستمتاع بالمرأة، بالوطء والمباشرة والتقبيل والضم وغير ذلك، إذا كانت المرأة غير مَحْرم بنسب أو رضاع أو صهر.

تعريف الزواج قانوناً

عقد بين رجل وامرأة يحل كل منهما للآخر شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل.

وأركان الزواج عند الجمهور أربعة: صيغة “وهي الإيجاب والقبول” وزوجة، وزوج، وولي وهما العاقدان وفي حال تخلّف أيّاً من هذه الأركان يبطل العقد وهذا ما كرّسه القانون السوري في المادة “50” منه إذ نصّت على أن: كل زواج اختل فيه شرط من شروط الانعقاد فهو باطل. لا يترتب على الزواج الباطل أي أثر ولو حصل فيه دخول إلا إذا ثبت أن العاقد لم يكن يعلم بالبطلان وسببه فتسري عليه آثار الزواج الفاسد.

وكذلك نصّت المادة “51” منه على بطلان الزواج الفاسد قبل الدخول، وترتّب الآثار التالية فيما إذا وقع: تستحق المرأة: في الحد الأقل من مهر المثل والمسمى. ثبوت نسب الأولاد. حرمة المصاهرة. وجوب العدة عقب الفراق رضائيا أو قضائيا أو بعد الموت. وجوب نفقة العدة. وجوب النفقة الزوجية إن كانت الزوجة تجهل فساد العقد. لا توارث بين الزوجين.

  • لا يجوز التزوج بزوجة آخر ولا بمعتدته.
  • وقد اعتبر القانون السوريّ “زواج المسلمة من غير المسلم باطل” المادة “48/2”.

وتُحلّ عرى الزوجيّة بثلاث طرق “الإرادة المنفردة عبر إيقاع الطلاق ممّن يملكه، القضاء عبر رفع الأمر للقاضي الشرعي بدعاوى التفريق، التراضي عبر عقد المخالعة الرضائيّة”.

فالطلاق بالإرادة المنفردة بيّنت أحكامه المواد “87و86 و94” وهي:

  • محل الطلاق المرآة التي في نكاح صحيح أو المعتدة من طلاق رجعي ولا يصح على غيرهما الطلاق ولو معلقاً.
  • يقع الطلاق باللفظ وبالكتابة ويقع من العاجز عنهما بإشارته المعلومة.
  • للزوج أن يوكل غيره بالتطليق.
  • للزوج أن يفوض الزوجة بتطليق نفسها.
  • إذا طلقت الزوجة المفوضة نفسها وقع الطلاق بائنا بينونة صغرى ما لم يكن مكملا للثلاث.
  • إذا كان التفويض للزوجة واقعا في عقد الزواج حين إبرامه فلا يملك الزوج حق الرجوع عنه ولا يبطل بزوال أهليته.
  • كل طلاق يقع رجعياً إلا المكمل للثلاث والطلاق قبل الدخول، والطلاق على بدل وما نص على كونه بائناً في هذا القانون.

وهذا يعني أنّ الطلاق نوعان:

  • طلاق بائن بينونة كبرى وهو المكمّل للثلاث، وتحرم الزوجة على الزوج، ويوجب عليها العدة، وبعد انتهاء العدة يحلّ لها الزواج من آخر.
  • طلاق بائن بينونة صغرى: وهو الطلاق الرجعي والذي لا يُنهي العلاقة الزوجيّة بين الزوجين، حيث يملك الزوج الحق بمراجعة زوجته طالما لم تمضِ العدّة الشرعيّة، وبالتالي يحرم على الزوجة الزواج بآخر، ولا حتى قبول الخطبّة.

الرجعة: إذا طلق الرجل امرأته المدخول بها تطليقة رجعية أو تطليقتين، فله أن يراجعها في عدتها، سواء رضيت بذلك أم لم ترض.

أمّا التفريق: فيكون حصراً باللجوء للقضاء وحدّد القانون الحالات التي يجوز للزوجة اللجوء للقاضي بطلب التفريق ومنها: التفريق للعلل والأمراض، التفريق للشقاق والضرر، التفريق للغياب، التفريق لعدم الإنفاق، وجعل كل هذه الأحوال من حق الزوجة فقط إلّا التفريق للشقاق والضرر فهو حق مشترك للزوجين.

أمّا الخلع “المخالعة”:

  • الخلع في الشرع والقانون: هو فراق الزوجة بعوض يأخذه الزوج منها، أو من غيرها، بألفاظ مخصوصة. ولا يمكن للزوج أن يعود إليها. سمي بذلك لأن المرأة تخلع نفسها من الزوج كما تخلع اللباس من بدنها.
  • الخلع في القرآن الكريم: نص القرآن الكريم على وجود الخلع وان لم يكن بنفس اللفظ لكن المقصود والنتيجة نفسها حسب تفسير الفقهاء: قال تعالى: ”الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ”الآية 229 من سورة البقرة.
  • الخلع في السنة النبوية: تعد السنة النبوية الشريفة هي المصدر الأساسي الذي قرر نظام الخلع أو الخالعة بسبب حادثة زوجة ثابت بن قيس التي رواها البخاري عن بن عباس أنه: جاءت آمراه ثابت بن قيس بن شماس– وهي حبيبة بنت سهل الأنصاري إلى محمد رسول الله فقالت: يا رسول الله، إني ما أعيب عليه في خلُق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أتردّين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة، وطلِّقها تطليقة “.

الأركان الشرعيّة للمخالعة

  • الأهلية: أن يصدر الإيجاب من الزوج أو وكيله أو وليه إن كان صغيراً أو سفيهاً غير رشيد.
  • قيام الزوجيّة: أن يكون ملك المتعة قائماً حتى يمكن إزالته، وذلك بقيام الزوجية حقيقة، أو حكماً كما هو حال المطلقة رجعياً ولا تزال في العدة. فإن لم تكن الزوجية قائمة حقيقة أو حكماً، لم يتحقق الخلع، فلا خلع في النكاح الفاسد؛ لأن الفاسد لا يفيد ملك المتعة، ولا خلع بعد الطلاق البائن أو انتهاء عدة الطلاق الرجعي.
  • البدل من جانب الزوجة أو غيرها: وهو كل ما يصلح أن يكون مهراً من مال أو منفعة تقوم بالمال، غير أنه ليس لبدل الخلع حد أدنى بخلاف المهر، فيتحقق الخلع بأي بدل كثير أو قليل.
  • الصيغة: وهي لفظ الخلع أو ما في معناه مما ذكر كالإبراء والمبارأة والفداء والافتداء، سواء أكان صريحاً أم كناية، فلا بد من صيغة معينة ومن لفظ الزوج، ولا يحصل بمجرد بذل المال؛ لأن الخلع الشرعي له آثار تختلف عن آثار الطلاق على مال.
  • قبول الزوجة: لأن الخلع من جانبها معاوضة، وكل معاوضة يلزم فيها قبول دافع العوض، ويلزم تحقق القبول في مجلس الإيجاب أو مجلس العلم به، فإذا قامت الزوجة من المجلس بعد سماع كلمة المخالعة، أو بعد ما علمت بها من طريق الكتابة، فلا يصح قبولها بعدئذ.
  • توافق القبول والإيجاب: فإن قال الزوج: طلقتك بألف، فقالت: بثمانمائة، أو قال: طلقتك ثلاثاً بألف، فقبلت طلقة واحدة بثلاث ألف، لم ينعقد الخلع ويعد لغواً، وكذا يعد لغواً عند الشافعية: إن قال: طلقتك بألف، فقالت: قبلت بألفين؛ لأنه يشترط عنده التطابق أو التوافق التام بين الإيجاب والقبول.
  • الخلع والمخالعة في القانون السوري: لقد نظّم قانون الأحوال الشخصيّة أحكام ” الخلع ” في المواد ” 95 الى 103″ منه: اعتبر القانون السوري المخالعة من العقود الرضائية التي يجب أن تتم بإرادة ورضا رضاء الطرفين، ولكي تترتّب عليها الآثار الشرعيّة والقانونيّة قضى المشرّع ما يلي:
  • تقع المخالعة باللفظ كما تقع بالكتابة إذا فهم الزوجان فحواها.
  • لكل من الطرفین الرجوع عن إیجابه في المخالعة قبل قبول الآخر.
  • كل ما صح التزامه شرعاً صلح أن يكون بدلاً في الخلع.
  • إذا كانت المخالعة على مال غير المهر لزم أداؤه وبرئت ذمة المتخالعين من كل حق يتعلق بالمهر والنفقة الزوجية.
  • إذا لم يسم المتخالعان شيئاً وقت المخالعة برئ كل منهما من حقوق الآخر بالمهر والنفقة الزوجية.
  • إذا صرح المتخالعان بنفي البدل كانت المخالعة في حكم الطلاق المحض ووقع بها طلقة رجعية.
  • نفقة العدة لا تسقط ولا يبرأ الزوج المُخالع منها إلا إذا نص عليها صراحة في عقد المخالعة.
  • إذا اشترط في المخالعة إعفاء الزوج من أجرة إرضاع الولد أو اشترط إمساك أمه له مدة معلومة وإنفاقها عليه فتزوجت أو تركت الولد يرجع الزوج على الزوجة بما يعادل أجرة رضاع الولد أو نفقته عن المدة الباقية.
  • إذا كانت الأم معسرة وقت المخالعة أو أعسرت فيما بعد يجبر الأب على نفقة الولد وتكون دينا له على الأم.

حكم الخلع

  • یُعدّ الخلع فسخاً لا طلاقاً ولا یُحسب من عدد الطلقات.
  • تُعدّ المخالعة صحیحة سواء صرح المتخالعان بذكر بدل الخلع أو بنفیه أو بفساده أو بالسكوت.

ملاحظة هامّة: لا يحتاج الخلع إلى قاضٍ من الناحيّة الشرعيّة “الحلال والحرام” كما أبان الحنابلة، وهو رأي باقي الفقهاء، لقول عمر وعثمان رضي الله عنهما، ولأنه معاوضة، فلم يفتقر إلى القاضي كالبيع والنكاح، ولأنه قطع عقد بالتراضي، فأشبه الإقالة. ولكن وبحسب قانون الأحوال الشخصيّة السوريّ يحتاج إلى تثبيت هذا العقد أمام القاضي الشرعي حتى ينعقد قانوناً وترقين العلاقة الزوجيّة من سجلّات الأحوال المدنيّة لِما يترتب على ذلك من آثار كالنسب والميراث، والحضانة، وغيرها من الحقوق الماليّة والشخصيّة وهذا ما سار عليه المشرّع السوريّ حيث نصّت المادة “88” من قانون الأحوال الشخصيّة:

  • إذا قدمت للمحكمة معاملة طلاق أو معاملة مخالعة أجلها القاضي شهراً أملاً بالصلح.
  • إذا أصر الزوج بعد انقضاء المهلة على الطلاق أو أصر الطرفان على المخالعة دعا القاضي الطرفين واستمع إلى خلافهما وسعى إلى إزالته ودوام الحياة الزوجية واستعان على ذلك بمن يراهم من أهل الزوجين وغيرهم ممن يقدرون على إزالة الخلاف.
  • وإذا لم تفلح هذه المساعي سمح القاضي بتسجيل الطلاق أو المخالعة واعتبر الطلاق نافذاً من تاريخ إيقاعه.

وبناءً على ما سبق نؤكِّد على أن المخالعة هي عقد بين طرفين فيه إيجاب وقبول ويكون بموافقة الزوجين وانصراف إرادتهما للمخالعة ولا يمكن لطرف واحد فقط إجراء المخالعة، ويمكن إجراء المخالعة بالوكالة شريطة توفّر الأهلية القانونيّة الشرعيّة للتوكيل، وأن عمليات خلع الزوج في غيابه أو دون علمه أو ارادته باطلٌ بطلاناً مطلقاً، وأنّ هذا البطلان يسري على عمليات التفريق للعلل التي أقرّها الشرع الإسلامي وخاصّة تلك المتعلِّقة بغياب الزوج بسبب السجن أو الفقدان عبر “المكاتب” المذكورة أعلاه كونها لا تتمتّع بالولاية الشرعيّة “إمرة القضاء” ولا بالصلاحية القانونيّة للنظر بدعاوى التفريق و الخلع و لا يترتب على هذا البطلان أيّ أثر شرعي أو قانونيّ، وأن الزيجات التي تعقدها النساء مع غير أزواجهّنّ بناءً على ذلك هي زيجات باطلة ومحرّمة ما عدا تلك التي بُنيت على طلاق بائن بينونة كبرى يكون موثّقاً بشهادة شهود أو إقرار الزوج حتى لا يستطيع التنصّل منه بقصد الإضرار بالزوجة، أو صك مخالعة صحيح تتوفّر فيه الشروط الشرعيّة المذكورة أعلاه والتي أنصح بتوثيقها أمام دوائر الكتّاب بالعدل في البلاد التي لجأ اليها الزوجين، باعتبارها من العقود الرضائيّة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني