fbpx

اللجوء الإنساني للمجرمين: هل تُغسل الجرائم بقرار سياسي؟

0 72

الهروب من العدالة إلى اللجوء الإنساني:

في لحظة تاريخية تُسجَّل بأحرف من نور، تحررت سوريا أخيراً من قبضة نظام بشار الأسد الذي حكمها بالحديد والنار لأكثر من خمسة عقود، نظام أُدين بارتكاب أفظع الجرائم بحق الإنسانية. ومع انهيار النظام، وردت أنباء عن هروب الرئيس السابق بشار الأسد وعائلته إلى روسيا، التي سارعت بدورها إلى منحه “اللجوء الإنساني”.

هذه الخطوة أثارت استنكاراً واسعاً في الأوساط الحقوقية والدولية، حيث يُعتبر بشار الأسد مجرم حرب بموجب تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، ويتحمل مسؤولية مباشرة عن مئات الآلاف من القتلى والمعتقلين وملايين النازحين والمهجرين، إضافة إلى التدمير الممنهج للبنية التحتية والمجتمع السوري.

اللجوء الإنساني أم حماية المجرمين؟

اللجوء الإنساني، كما تُعرفه المواثيق الدولية، يُمنح للأفراد المهددين في حياتهم بسبب الاضطهاد أو الحرب، ولكنه لا يُفترض أن يكون ملاذاً آمناً للمجرمين. بشار الأسد، الذي أشرفت قواته على استخدام الأسلحة الكيماوية، وتنفيذ الاعتقالات الجماعية، والتعذيب الممنهج، لا يُمكن بأي حال اعتباره لاجئاً يستحق الحماية الإنسانية.

روسيا، بتقديمها هذا اللجوء، تخاطر بإثارة جدل أخلاقي وقانوني كبير. هذا التصرف لا يُمكن اعتباره إلا محاولة لحماية حليفها السابق من المساءلة القانونية الدولية.

القانون الدولي: لا إفلات من العقاب

وفق القانون الدولي، لا يمكن منح الحصانة أو اللجوء الإنساني للأفراد المتهمين بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. مبدأ “لا إفلات من العقاب” هو حجر الزاوية في العدالة الدولية، ويُلزم الدول بالتعاون لتقديم المتهمين بهذه الجرائم إلى المحاكم المختصة.

المحكمة الجنائية الدولية (ICC) تمتلك اختصاصاً للنظر في الجرائم المرتكبة في سوريا منذ 2011، وهناك العديد من الدعاوى المرفوعة ضد بشار الأسد وأركان نظامه. توفير روسيا ملاذاً آمناً للأسد يُعتبر تحدياً لهذا المبدأ ويضعها في مواجهة المجتمع الدولي.

المسؤولية الأخلاقية والدور الروسي:

روسيا كانت أحد أبرز داعمي نظام الأسد طوال سنوات الحرب، ما يجعلها شريكاً في كثير من الجرائم التي ارتكبها هذا النظام. استقبالها للأسد يمنحها دوراً سلبياً جديداً، يُعمّق من صورتها كدولة تُعارض العدالة الدولية، وتُفضل حماية حلفائها على حساب القيم الإنسانية.

من الناحية الأخلاقية، يجب على روسيا أن تُراجع موقفها، وتُسلّم الأسد إلى العدالة الدولية إذا كانت تسعى إلى تحسين صورتها العالمية، وإثبات احترامها للقوانين الدولية.

ردود الفعل الدولية والحقوقية

حتى الآن، أثارت هذه الخطوة استياءً واسعاً بين منظمات حقوق الإنسان، التي طالبت بتدخل الأمم المتحدة لمساءلة روسيا عن موقفها. ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة تصعيداً دبلوماسياً ودعوات لعزل روسيا عن هذا الملف.

المطلوب الآن هو تفعيل آليات العدالة الدولية لضمان عدم إفلات الأسد من المحاسبة، وتذكير المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه ضحايا النظام السوري.

لا سلام دون عدالة:

تحرر سوريا من قبضة الاستبداد يُعد انتصاراً للحرية والكرامة الإنسانية، لكن هذا التحرر يظل ناقصاً إذا لم يُقدّم بشار الأسد وكل من تورط معه إلى العدالة.

اللجوء الإنساني لا يمكن أن يكون غطاءً لإفلات مجرمي الحرب من العقاب، وعلى روسيا أن تتحمل مسؤولياتها في هذا الإطار. العدالة ليست خياراً، بل هي أساسٌ لأي سلام مستدام في سوريا وفي العالم بأسره.

عاشت سوريا حرة أبية، والعدالة ستظل السلاح الأقوى ضد الطغيان.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني