fbpx

الفرق بين “مؤتمر الحوار الوطني” و”المؤتمر الوطني”: البنية، الأهداف، ومخرجات بناء النظام الجديد

0 48

بعد سقوط نظام سياسي، تبرز الحاجة إلى آليات مؤسسية لإدارة المرحلة الانتقالية، وأبرزها “مؤتمر الحوار الوطني” و”المؤتمر الوطني”. وعلى الرغم من تشابه الاسمين، فإنهما يختلفان في البنية والأهداف والمخرجات، خاصة في سياق بناء نظام جديد. هنا سأقدم تحليلاً مفصلاً للفروق الجوهرية بينهما:

1- البنية الهيكلية: التصميم والصلاحيات

  • مؤتمر الحوار الوطني:
    • التركيب: يُعد آلية تفاوضية موسعة تهدف إلى جمع ممثلين عن المكونات السياسية والاجتماعية والدينية، مع التركيز على الشراكة الوطنية والتوافق.
    • الصلاحيات: غالباً ما تكون صلاحياته استشارية أو تحضيرية، حيث يُركِّز على صياغة مبادئ عامة مثل العدالة الانتقالية وإصلاح المؤسسات، دون سلطة تنفيذية مباشرة.
    • مثال: في اليمن، شكَّل مؤتمر الحوار الوطني (2013–2014) لجاناً لصياغة الدستور وحل النزاعات المسلحة كمرحلة تمهيدية للانتخابات.
  • المؤتمر الوطني (وهذا ما نحتاجه في سوريا):
    • التركيب: أكثر رسميةً وهيكليةً، وقد يشمل ممثلين منتخبين أو معينين بصلاحيات تشريعية أو تأسيسية، مثل تشكيل جمعية وطنية.
    • الصلاحيات: يتمتع بصلاحيات تنفيذية أو دستورية، مثل إصدار قوانين أو إقرار دستور، كما حدث في العراق بعد عام 2003.

2- الأهداف: التمهيد مقابل التنفيذ

  • مؤتمر الحوار الوطني:
    • الهدف: يهدف إلى “تهيئة الأرضية السياسية” عبر معالجة القضايا العالقة مثل المصالحة الوطنية، وإعادة هيكلة الجيش، وضمان مشاركة الأقليات (يتم العمل على مثل هذه المؤتمرات عند وجود مشاكل في دولة ما بين النظام الحاكم وفئات معينة من الشعب، وهو بمثابة مؤتمر صلح).
    • التركيز: يركز على “بناء الثقة” بين الأطراف المتنازعة من خلال حوارات مفتوحة، كما حاولت ليبيا في مؤتمر الحوار الوطني الخاص بها عام 2014، الذي فشل بسبب غياب التوافق على الأجندة.
  • المؤتمر الوطني (الذي نحتاجه في سوريا):
    • الهدف: يهدف إلى “تنفيذ المخرجات” المتفق عليها بين المؤتمرين، مثل إقرار دستور دائم أو تشكيل حكومة انتقالية.
    • مثال: في سوريا الحالية، يُتوقع أن يُناقش المؤتمر الوطني المزمع عقده تشكيل هيئة تأسيسية للدستور وترتيبات مجلس تشريعي، بناءً على مخرجات الحوارات التي ستجري.

3- أهمية المخرجات: من التوافق إلى الإلزام

  • مؤتمر الحوار الوطني:
    • المخرجات: تُعتبر مخرجاته “إطاراً مرجعياً” غير ملزم قانونياً، لكنها تُشكِّل خارطة طريق للمرحلة التالية.
    • مثال: في اليمن، أقرَّ المؤتمر مبدأ “الدولة الاتحادية”، لكن تنفيذه تعثّر بسبب غياب الضمانات.
  • المؤتمر الوطني:
    • المخرجات: تتحول مخرجاته إلى “قوانين أو دساتير” ملزمة، مثل إصدار قانون الانتخابات أو الشكل الإداري للدولة، كما حدث في تجارب دول الربيع العربي.

4- التحديات المشتركة والعقبات

  • غياب الشرعية: قد تُواجه كلا المؤتمرين انتقادات بسبب طريقة اختيار المشاركين أو هيمنة نخب معينة، كما حدث في ليبيا حيث اتُّهمت اللجنة التحضيرية بالتحيز.
  • التدخل الخارجي: يُضعف مصداقية المخرجات، خاصة إذا ارتبطت بأجندات دولية، كما يُشير النقاش السوري حول تطبيق القرار 2254.
  • انتشار السلاح: يُهدد أي حوار بتحويله إلى تفاوض تحت التهديد، كما حذّر بعض الخبراء من استخدام الفصائل للسلاح كـ”ضمانة” لمطالبها.

5- الخلاصة: تكامل الأدوار أم تنافس؟

في النهاية، لا يمكن الفصل بين المؤتمرين تماماً؛ فـ”الحوار الوطني” يمهد الطريق لـ”المؤتمر الوطني” عبر صنع التوافقات، بينما يُنفِّذ الأخير هذه التوافقات عبر آليات قانونية. ومع ذلك، فإن نجاحهما يعتمد على:

  • التحضير الجيد: تشكيل لجان تحضيرية شاملة ومتفق عليها.
  • الشفافية: ضمان مشاركة كافة المكونات دون إقصاء، وخاصة المكونات السياسية من أحزاب وتيارات سياسية، لأن الحدث سياسي بامتياز.
  • الدعم الدولي: دون فرض أجندات خارجية.

باختصار، يُشكِّل الحوار الوطني “الجسر الناعم” بين الثورة والدولة، بينما يُجسِّد المؤتمر الوطني “الهيكل الصلب” للنظام الجديد.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني