fbpx

السوريون وطريق حريتهم.. معادلة الذاتي والموضوعي

0 299

الفكرة الأولى، التي ينبغي التوقف عندها، هي أن الثورة السورية حاجة موضوعية، لتطور الشعب السوري بكل فئاته، هذه الحاجة ضرورة تاريخية لا يمكن التوقف عن تحقيقها، ولهذا بذل السوريون كل غالٍ وثمينٍ ورخيص من أجل إنجاز أهدافها.

الفكرة الثانية، أن الثورة السورية بعد تفجّرها في آذار 2011 لم تتوقف، رغم أنها مرّت بمراحل عديدة، تجلّت بتدخلات إقليمية ودولية في مجرياتها واتجاهات تطورها، وبقيت محافظة في جوهرها العميق على أهدافها الرئيسة مثل هدف الحرية والكرامة والديمقراطية.

الثورة السورية مستمرة، لأنها ببساطة ولدت من رحم المعاناة والظلم والاستبداد والتوق للحرية والعدالة الإنسانية، فالثورات ليس مجرد محاولات للتغيير السياسي، بل هي أداة فتح سبل التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، الذي تمّ إغلاقه من قبل قوى الديكتاتورية والاستبداد الفاسدة.

الفكرة الثالثة، أن الثورة السورية تعرّضت لمحاولات تجيير لصالح أجندات شمولية مرتبطة بأيديولوجيات، لا تتوافق وجوهر الثورة السورية، المرتكز على ضرورة بناء دولة مدنية ديمقراطية، السلطة فيها تداولية، تنتج من انتخابات شفافة، يعبر فيها الشعب عن خياراته بحرية تامة، دون تزوير إرادته، أو ممارسة التخويف عليه عبر أجهزة القمع التي سادت في مرحلة حكم البعث والنظام الأسدي برمته.

فلو أردنا تتبع أثر الثورة على الشعب السوري بكل فئاته، لوجدنا أن هذه الثورة حطّمت جدر الخوف التي كان النظام الأسدي يواجه بها الشعب عبر الاعتقال العشوائي والتصفية السياسية والجسدية لكل الأشخاص والأحزاب والتيارات التي تعارض استبداده، ولوجدنا أن الشعب بات يعرف معنى الحرية والديمقراطية وقيمتهما في وجوده وحياته وتطوره ومنعته.

فالثورة، كشفت له كيف تتم عملية نهبه الاقتصادية وسرقة جهده وكدّه، وسلطت الضوء على مكامن الفساد المستشري في أجهزة الدولة وفي بنية المجتمع، حتى غدت هذه القيمة قيمة يتم التباهي بها على أنها “شطارة”، دون أن يدرك الفاسدون النهابون لثروات الشعب والبلاد، أنهم يدمرون بنية المجتمع الطبيعية، ويمنعون تطوره.

والثورة عرّت أدوات النظام الاستبدادي التي يحكم بواسطتها، وهي أدوات صارت مفضوحة، مثل تسهيل عمليات فسادة الإدارات في الدولة، وتطبيق الرعب والخوف عبر الاعتقالات غير الخاضعة لقوانين أو محاكم نزيهة. وهي بهذه التعرية رفعت الغطاء عن حقيقية شرعية نظام الحكم الأسدي، وبيّنت أنه نظام غير شرعي مبني ومرتكز على استخدام القوة العسكرية والأمنية ضد الشعب.

الثورة أظهرت أن نظام حكم حافظ الأسد، وقبله ما يسمى نظام حكم البعث، إنما هما حكمان غير شرعيين لأنهما لم يستمدّا سلطتهما من صندوق انتخاب شفّاف ونزيه، وهذه الحقيقة هي التي كشفت وتكشف مقدار الإجرام الممارس ضد قوى الشعب السوري وأفراده، حين تمّت مواجهة مطالب الشعب بالحريات وإلغاء الفساد باستخدام القتل والتدمير وعدم محاولة ملاقاة تلك المطالب المحقة في منتصف المسافة.

الشعب السوري الثائر، اكتشف أنه لا إصلاح ولا حقوق بدون دحر الاستبداد، وبناء نظام حكم ديمقراطي، يقوم على تحقيق تكافؤ الفرص في العلم والعمل وشغل المسؤولية، هذه الرؤية الواضحة هي من أرعبت النظام الأسدي الاستبدادي، ولذلك ارتكب الفظاعات والجرائم بغية إسكات صوت الشعب السوري، دون أن يعي أن ثورة بهذا الاتساع لا يمكن لجمها.

القوى التي لبست لبوس الثورة، وهي قوى ذات بنية أيديولوجية شمولية، وقوى انتهازية تسلّقت ظهر الثورة السورية، إنما كانت غير مهتمة بمصالح الشعب السوري المحقة، وهي يهمها مصالحها الفئوية الضيقة، ولهذا لم تمانع من الانزلاق عن مطالب الثورة، إلى القبول بشيء من مكاسب سياسية، وهي قوى ذات خطورة أكبر على الثورة من خطر النظام عليها.

لهذا يمكن القول إن “سوريا طريق الحرية” ليس مجرد شعار مكتوب على يافطة، أو على كرتونة أو على ورقة، بل هو قضية لها من يحملها، قضية تعني أوسع فئات الشعب السوري، وهي التي نهضت بالثورة وقدّمت الشهداء والمعتقلين على مذبح التغيير وإنهاء الديكتاتورية والاستبداد.

“سوريا طريق الحرية” هو عنوان برنامج ثوري تحرري، تنهض به قوى تؤمن إيماناً بالإنسان الفرد الحر وبالمؤسسات الديمقراطية التي تستطيع النهوض بالتنمية المستدامة في سوريا، وتستطيع إعادة إعمار البلاد باقتدار وطني وأخلاقي.

إن “سوريا طريق الحرية” ليس مجرد تموضع سياسي محدود المساحة الشعبية والفكرية والسياسية، بل هو تيار جارف لأنه يحمل لواء تحويل سوريا إلى بلد ديمقراطي فعّال في المجتمع الدولي، والذي يرسّخ قيم الحريات واحترام حقوق الانسان.

السوريون معنيون بفهم عبارة “سوريا طريق الحرية”، ومعنيون بتحويل فهمهم لها إلى قوة علاقات حقيقية عميقة مع شعوب وبلدان العالم الحر، فهل تنهض الإرادة السورية لتحقيق هذا الاتجاه بفعلها هي، وليس بانتظار أن يفعل الأصدقاء ذلك نيابة عنها.

إن دم الشهداء يسأل الشعب السوري وقواه الحية، هل ضحّينا بأرواحنا ودمائنا من أجل استبدال استبداد بآخر؟ هذا الدم أمانة بأعناق أجيال الشباب والأطفال، من أجل أن يكون حافزاً على بناء دولة “سوريا الحرة الديمقراطية، التي يعلو فيها حق كل أبناء الشعب من مكوناته، في ممارسة دوره في بناء بلاده ورفعتها ومنعتها، دون إكراه أو تمييز أو قهر.     

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني