fbpx

السوريون في الداخل بين مطرقة النظام وسندان الجوع

0 220

تمر الشعوب بأزمات وحروب تحد من قدرتها على الاستمرار بحياة طبيعية، تجعل جُل همها في هذه الحالة الوصول للاستقرار والأمان بعد أن استنزفت الحرب كل طاقاتها وإمكانياتها المادية والمعنوية. فلا جلد لها في الاستمرار باستنزاف قدراتها، الأمر الذي يضعف إرادتها في التمسك بالطرق الثورية لتغير المسارات السياسية أو الهياكل والأنظمة السلطوية القائمة التي أودت بها إلى هذه الحالة من الضياع والركون إلى حالة من اليأس تتماهى مع السياق القائم للحفاظ على الحد الأدنى من رمق العيش، والأهم البقاء حيّة، فتكون هذه اللوحة الممزقة هي الأمان بالنسبة لهم. هذا الإطار العام لمشهد السوريين في الداخل بعد أن جردتهم الحرب كل مقدراتهم ليصبحوا أشباه بشر يلهثون وراء رغيف الخبز، يختبؤون من رصاصة وقيد محكم يلقي بظلاله على كل مشاهد الحياة الطبيعية لأي مجموعة بشرية في القرن الحادي والعشرين.

فهل الأمان أن تصبح كائناً متحركاً متلقياً تتخم جهازك الهضمي وتسطح تلافيف مخك لعدم الحاجة إليها حتى لا تخترق قواعد الأمان المزعوم. كمن يبني على رمال متحركة، ويعتقد أنه في مأمن من الأخطار الخارجية، وفي لحظة يصبح في مهب الريح تدفع به ذات اليمين وذات اليسار. قطعاً لا يعبر هذا المشهد عن الأمان الحقيقي الذي يطمح له أي إنسان سوي، فالأمان له متطلبات وأركان (حرية، عدالة، مساواة، علمانية، مواطنة) لا يمكن قيامه بدونها وهي بدورها أسس بناء أي مجتمع في دولة تتسم بالحضارة المتماشية مع التطور التكنولوجي والعلمي والمعرفي.

في هزلية الحياة أو ما يشابه الحياة التي يقضيها السوريون في المعتقل الكبير لنظام يمنع الهواء والمتنفس عن الشعب ويقاسمه رغيف خبزه، تتوالى أصوات من الخارج لتلقي باللوم على القابعين في السجن ليحققوا الانتصار المنشود للشعب بالتحرر من سطوة النظام، وكما يقول المثل (من يكويه اللبن ليس كمن ينفخ عليه) فهل بمقدور من في الداخل التحرك والقيام بعمل ما يتقاعس عنه أو يهمله! وهو جل اهتمامه وأمله وحلمه المنشود بالحرية والكرامة، لكن ليس باليد حيلة أمام هذه القوة القاهرة لإنسانية الإنسان وكرامته فليس أمامه خيارات إما الصمت أو الموت جوعاً أو الانتهاء بقبر ليس له عنوان.

ولا يقتصر الأمر على الشخص نفسه، لكان سهلاً أن يختاره واقفاً على الركون في زاوية وانتظار رغيف خبز، بل الأمر يتعدى ذلك إلى حياة الأسرة بكاملها والخوف من فقدان أفرادها أو ضياعهم وتشتتهم في البحث عن لقمة العيش، لذا من المعيب أن تقارن بين من يستطيع التحرك بكل حرية يجول ويتنقل من منصة لأخرى ومن بلد لآخر دون خوف من زنزانة أو أمعاء خاوية مع من يعيش رعب الموت والضياع. هذه الأصوات المطالبة بتحرك الداخل تزايدت مع قرب موعد الانتخابات التي يزمع النظام القيام بها، علماً أن من في الداخل لا تعنيهم هذه الانتخابات بل يتطلعون للخلاص بنور يأتي من نافذة مطلة على الخارج.

أصبح من الواضح تماماً لكل مشاهد ومتابع، أن عقلية النظام مستمرة ولا شيء يثنيه عن التمسّك بالكرسي والاستمرار بالاستحواذ عليه، فلا سوريا تعنيه ولا أخلاق ولا قانون يوقفه فهو ماضٍ في مسرحيته الهزلية إلى أن تقرر الدول المتحكمة إنهاء اللعبة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني