fbpx

الدكتور محمد حبش في حوارٍ فكري مع نينار برس: مصطلح التنوير الإسلامي فيه نرجسية لأنه يقرّر أننا نمارس النور والآخرين يمارسون الظلام

0 148

التنوير مصطلح أوربي برز في عصـر النهضة، قام على مفهوم قوّة العقل وقدرته على فهم الظاهرات الطبيعية، والعلمية، والاجتماعية. أما التنوير الإسلامي فهو مصطلح يحتاج إلى تعريف علمي، ويحتاج إلى إضاءة مفهومه، والركائز التي نهض عليها.

نينار برس وضعت أمام الدكتور محمد حبش وهو أحد المشتغلين على الإصلاح الديني، ومن الذين يعملون على تعريف التنوير الإسلامي، وضعت أمامه مجموعة من الأسئلة الفكرية التي تناقش التنوير الإسلامي.

ستنشر نينار برس حوارها مع الدكتور حبش على حلقات.

السؤال الأول:

هل يمكنكم تقديم تعريف علمي لمفهوم التنوير الإسلامي؟

التنوير الإسلامي مصطلح جديد

يجيب الدكتور محمد حبش على سؤالنا الأول:

 التنوير الإسلامي هو مصطلح عفوي يطلق على الكتاب الذين يقرون بأننا نعيش في واقع مظلم، وهو مصطلح حديث، ويعكس الرغبة الأكيدة في القيام بدور مشابه لما قام به فلاسفة عصـر الأنوار لكسـر قيود الكنيسة وقاعاتها الكئيبة والانفتاح على الحياة.

والتنوير مصطلح جديد لم يستخدمه أعلام النهضة التجديدية في عهد الآباء الأوائل في القرن العشرين، ويمكن القول إنه بدأ في الانتشار في النصف الثاني من القرن العشرين.

ولا يمكن إنكار ما في المصطلح من نرجسية لأنه بوضوح يقرر أننا نمارس النور وأن الآخرين يمارسون الظلام، ولعل الإصلاح الأكثر تعبيراً عما نقوم به هو الإصلاح الديني.

السؤال الثاني:

أين يكمن جوهر التنوير الإسلامي؟ في إضاءة النص القرآني، أم في إعادة نقد العقل الإسلامي وفهمه للعالم على قاعدة العلم؟

القراءات المعاصرة للقرآن إعجاز لغوي

في إجابته على سؤالنا الثاني، يقول الدكتور محمد حبش أن:

النصَّ القرآنيَ نورٌ يهدي، لا قيدٌ يأسر، ولقد كتبت كتاباً خاصاً بهذا العنوان، حيث اعتبر ان أكبر مشاكلنا التاريخية هي الغلو، وإذا كان المسيحيون قد وقعوا في الغلو في حب المسيح فعبدوه، فإننا وقعنا في الغلو في حب القرآن، حتى اعتبرناه حكماً نهائياً لكل زمان ومكان.

ويضيف:

حين فرض تطور الحياة حقائق صارخة تناقض مفهوم النص ظهرت حملة القراءات المعاصرة، التي تعيد قراءة النص على قواعد أخرى غير التي ذهب إليها السلف، وتقوم بإنتاج أحكام عصرية من النص القرآني عبر نبذ قواعد الفقه القديم، واعتماد خيارات اللغة وعجائبها ومفرداتها، وقد تعمّقت هذه الدراسات، وهي تنطلق من مسلمة أساسية هي أن النص يحكم كل زمان ومكان ولكن بفهم جديد، وشخصياً فإنني أفضل تصنيف القراءات المعاصرة في باب الإعجاز اللغوي، وهي صورة من تصور الإعجاز تشبه ما يدعو له فقهاء كثير من إعجاز جغرافي، وإعجاز فلكي، وإعجاز عددي، وإعجاز صوتي في القرآن، وهي بكل تأكيد قراءات غلو في القرآن لم يكن يعرفها أحد من السلف أصلاً، ولم يشر إليها الرسول في كثير ولا قليل.

ويتابع الدكتور حبش إجابته:

في الواقع فإن القراءات المعاصرة عموماً تفرض سؤالاً في غاية الإحراج، وهي غموض النص والتيه في فهمه والخطأ في تطبيقه الذي استمر قروناً طويلة، وبالتالي فما هو ذنب هذه الأجيال التي اتبعت النص بشكل خاطئ، ولماذا لم يكن القرآن مبيناً. ولماذا نزل بهذا التعقيد والاحتمال؟

النص القرآني ليس وصفة:

ويجيب الدكتور حبش على تساؤله فيقول:

قناعتي أن النص محكوم بظروف تنزله، وأن المنطق أن نفهمه كما فهمه سائر الناس، بوصفه برنامجاً تاريخياً أنشأ حضارة كاملة في القرن السابع، ولكنه ليس بالضرورة وصفة لكل القرون والبلدان والأجيال، والزمن هو البعد الرابع للأشياء، ولا معنى لاي معطى علمي دون اقترانه بالزمان والمكان، وفي الواقع فإن القرآن الكريم لم يذكر أي جغرافيا خارج مصـر والجزيرة العربية، ولم يذكر شيئاً عن الشعوب العالمية من غير نسل إبراهيم، وهذا في الواقع يحدد الأفق الذي تنزل القرآن فيه، لتنذر أم القرى وما حولها، مع أنه جاء رحمة للعالمين، فليس في القرآن الكريم ذكر أوروبا ولا أمريكا ولا الهند ولا الصين، وليس فيه ذكر السلاف ولا البربر ولا الآريين ولا الفايكنغ ولا الكارولنجيين، هذا كله لا يعيبه ولا ينقصه، ولكن يفرض موضوعياً علينا نحن أهل القرآن والتوحيد ألا نحمّل القران ما ليس فيه وأن لا نستنطقه بما لم ينطق فيه، وأن نترك أفقاً أكبر للعقل في المسكوت عنه في النص.

ويتابع الدكتور حبش:

وفي القرآن قيم أخلاقية مستمرة وأحكام حياتية متغيرة، وقد نجح الفقهاء منذ فجر الإسلام باقتراح حلول كثيرة للتعامل مع النص القرآني باحترام وعقلانية، منها الناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والمتشابه والموقوف، وهي أبواب أصولية وفقهية شهيرة، تعكس قدرة أصولية كبيرة في التعامل مع النص القديم، ولكننا اليوم نكتفي للأسف بروايتها عن الأولين ولا نسمح لاي مجتهد بتكرار التجربة بحيث نصل إلى قوانين حديثة متطورة.

السؤال الثالث:

ما هي المسائل والقضايا التي لقت اهتماماً أكبر من التنويريين الإسلاميين؟

القضية الأكبر هي التشريع

يجيب الدكتور حبش على سؤالنا الثالث فيقول:

يكتب التنويريون في هموم الأمة، في المشكلات التي تعيق النهضة والقيام، في مواجهة الفكر الخاطئ الذي أدى بنا إلى هذا الانحطاط، وكل يكتب في حقله المعرفي.

بالنسبة لي فالقضية الأكبر هي التشـريع، وقد بسّطت القول فيها في كتابي: “النبي الديمقراطي”، الذي قدمت فيه ثمانية وأربعين تجربة خاضها النبي الكريم في التشريع إنشاءً أو إلغاءً أو تبديلاً أو نسخاً، وكلها تعكس حيوية التشـريع بالأدوات الديمقراطية والعقلانية، ونجاحه في تقديم تشريع مناسب لعصره، وتقديم نموذج حيوي للحركة المستمرة التي تحكم الحياة المدنية، وهذا هو التشـريع الذي يمارسه الفقهاء بدون توقف منذ فجر الإسلام إلى اليوم، وهو الذي يحكم تطور الحياة، وبه قيام الدولة وبناء الحاضر والمستقبل.

ويضيف الدكتور حبش:

ولكن الجهد التشريعي كله بات اليوم مطارداً بتهم الكفر والردة باعتباره تشريعاً وضعياً معانداً للقرآن، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.

من المؤلم الاعتراف بأن هذا الفهم الحرفي لظاهر هذا النص تحديداً كان وراء عشـرات الاشتباكات الأهلية في البلاد الإسلامية، والتي تسبّبت في دماء كثيرة وسجون مظلمة وانهيار دول بحالها، ابتداء من حركة إخوان من طاع الله في نجد، وصولاً إلى الحركات الجهادية القائمة والنائمة في حواضر العالم الإسلامي اليوم.

ويرى الدكتور حبش:

 والعجيب أن هذا النص نفسه لم ينزل في وجوب تحكيم القرآن بل في وجوب تحكيم التوراة والإنجيل، وأنصح القارئ الكريم بقراءة هذه الآيات الكريمة المتتالية ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون/الظالمون/الفاسقون، في سورة المائدة 44 وسيجد أن الحديث عن التوراة والإنجيل، وهو يختتم بعبارة: وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله في ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون.

ولا شك أن الإخوة السلفيين يعلمون هذا ولكنهم تأولوا ظاهر الآية وقالوا ظاهرها منسوخ والحكم بما أنزل الله يعني الحكم بالقرآن والسنة وكل زيادة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني